لبنانيون يطلقون حملات تمويل جماعية لإعادة إحياء مؤسساتهم بعد الانفجار

اللبنانية جيزيل حسون تجلس وسط حطام مقهاها في حي الجميزة (أ.ف.ب)
اللبنانية جيزيل حسون تجلس وسط حطام مقهاها في حي الجميزة (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون يطلقون حملات تمويل جماعية لإعادة إحياء مؤسساتهم بعد الانفجار

اللبنانية جيزيل حسون تجلس وسط حطام مقهاها في حي الجميزة (أ.ف.ب)
اللبنانية جيزيل حسون تجلس وسط حطام مقهاها في حي الجميزة (أ.ف.ب)

في المقهى المطل على مرفأ بيروت، لم تعد صور أم كلثوم المعلقة على ما تبقى من جدران شاهدة على ليالٍ من الرقص والمرح، بل على مجرد خراب. وأمام هول الفاجعة، وجدت جيزيل الحل بإطلاق حملة إلكترونية بحثاً عن تمويل يعيد إحياء المكان.
وتقول جيزيل حسون (46 عاماً): «هذا المكان هو حياتي... لكن فجأة ومن دون سابق إنذار، لم يعد هناك أي شيء».

ويقع مقهي «مدام أم»، واسمها مستوحى من «كوكب الشرق» أم كلثوم، في مبنى أثري أزرق اللون في حي الجميزة، إحدى المناطق الأكثر تضرراً جراء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب).
واعتاد المقهى خصوصاً في نهاية الأسبوع أن يضج بالزبائن، وكثر منهم كانوا يترددون عليه بشكل دوري، ومنهم من كان لا يوفر الليالي المخصصة للموسيقى العربية وأغاني الثمانينات.
أما اليوم فقد حلّت فجوة كبيرة بدلاً من واجهة المكان، وخسفت أرضية إحدى غرفه، وسقطت الشرفة تماماً. لذلك يبدو أن مقهى «مدام أم» سيضطر إلى أن يجد مكاناً آخر يعيد فيه إحياء ليالي السهر الطويلة.
تقف جيزيل فوق ركام حانتها وخلفها جدار أحمر اللون لا يزال صامداً وعليه صورة لأم كلثوم بالأبيض والأسود.

وتقول: «نبحث عن تمويل علّنا نتمكن من النهوض مجدداً ونعيد طاقمنا الصغير إلى العمل».
وتمكنت جيزيل وشريكتها حتى الآن من جمع مبلغ خمسة آلاف دولار من أصل 85 ألفاً تحتاجانها لإعادة الافتتاح.
قبل الانفجار، كان شارع الجميزة المعروف بأبنيته ذات الطابع التراثي وبمقاهيه وحاناته، ينبض بالحياة وبزحمة لا تتوقف ليل نهار.
واليوم، برغم معاودة بعض المحال فتح أبوابها ورفع الركام من بعض نواحيه وإزالة أطنان الزجاج التي تتطاير في كل ناحية، لا يزال يفتقد الحي حيويته المعهودة.
وبعد أكثر من شهر على الانفجار، الذي أسفر عن سقوط أكثر من 190 قتيلاً و6500 جريح، وفي غياب أي دور فعلي للسلطات، قرر كُثر البحث عن تمويل، خصوصاً عبر حملات التمويل الجماعي الإلكترونية لمساعدتهم على إنعاش المطاعم والحانات وحتى صالات الرياضة.
ولإعادة فتح مقهاه، حصل هاني برغل (37 عاماً) على قرض من مصرف في دبي، ثم أطلق حملة إلكترونية يأمل أن يؤمن عبرها مبلغ 20 ألف دولار ليتمكن من تسديد القرض، وقد جمع حتى الآن ربع المبلغ فقط.

ويقول المحامي اللبناني الفرنسي، الذي افتتح المقهى بالشراكة مع صديق له العام الماضي: «لا نستطيع أن ننتظر الجيش أو الحكومة ليتحركا. أردنا أن نستأنف العمل، على الأقل من أجل العاملين في المقهى الذين يحتاجون إلى عمل في ظل الانهيار الاقتصادي التي تمر به البلاد».
وبالتزامن مع الحملة الإلكترونية، أطلق صديقه الروماني، الذي علمه صناعة القهوة، حملة أخرى بين مقاهٍ يعرفها في رومانيا لتتبرع بجزء من أرباحها لإعادة تشغيل مقهى «كورتادو» البيروتي.

كما أمنت منظمة غير حكومية لبرغل المواد اللازمة لإصلاح الأضرار. ويقول: «تضامن معنا كثر».
وأعلن الجيش اللبناني الأسبوع الماضي الانتهاء من أعمال مسح المباني المتضررة التي شملت أكثر من 85 ألف وحدة، بينها 962 مطعماً و19115 مؤسسة وشركة تجارية.
في المناطق الأكثر تضرراً جراء الانفجار، ينكب منذ أكثر من شهر متطوعون ومنظمات غير حكومية على تقييم الأضرار وإصلاح ما أمكن في غياب ملحوظ لمؤسسات الدولة.
وأصلحت منظمات عدة حتى الآن العديد من المنازل بإمكانيات بسيطة، أما تلك التي طالتها أضرار جسيمة أو باتت غير قابلة للسكن فتحتاج إلى تمويل وجهد أكبر لإعادة إعمارها.
بعدما انهار جدار التسلق في ستوديو التمرين التي اعتادت ارتياده، لجأت لورا كرم (24 عاماً) إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وتقول: «اضطرينا لأن نلجأ إلى حملة التمويل الجماعي وأن نطلب من مجموعات المتسلقين خارج لبنان أن يدعمونا».
وفعلاً نجحت لورا في الحصول على أكثر من 16 ألف دولار من أصل 30 ألفاً تحتاجها لإعادة تشغيل الاستوديو.
وتقول لورا، التي نشرت صوراً لمتطوعين يفكون القبضات البلاستيكية الملونة عن جدار التسلق: «أعتقد أن إعادة إعمار هذا المكان أمر أساسي، كما كل شيء آخر في بيروت...لا يمكن لبيروت أن تعيش من دون تضامن الجميع».
حين وجدت ديالا سمكية، إحدى مالكي الاستوديو، أن حملة التمويل الجماعي هذه نجحت، قررت أن تلجأ إلى الخيار ذاته لإصلاح حديقة رياضة الباركور والوثب التي تديرها.
لا يزال الطريق أمام ديالا طويلاً، إذ إنها لم تحصل سوى على ألف دولار من أصل 50 ألفاً تحتاجها، لكنها تأمل أن تؤمن على المدى القصير المبلغ الكافي لدفع رواتب موظفيها لثلاثة أشهر.

وتقول ديالا، التي خسرت منزلها أيضاً جراء الانفجار: «لا نعتقد أن الحكومة ستفعل لنا شيئاً... هم الذين فجرونا أساساً».
وعزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم مخزنة منذ أكثر من ست سنوات من دون اتخاذ إجراءات وقاية، مما أثار غضباً واسعاً، خصوصاً بعدما تبيّن أن مسؤولين على مستويات عدة، حكومية وقضائية وأمنية، كانوا على دراية بمخاطر تخزين مادة مماثلة في المرفأ.
وتقول ديالا: «يريدون أن يطردونا من بلدنا، لكننا لن نذهب».



مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

هيمن كل من الحرب في غزة، وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين، بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر، إذ شاعت نبرة غير متفائلة حيال مستقبل هذين الملفين سواء في عهدة الجمهوري دونالد ترمب، أو منافسته الديمقراطية كامالا هاريس اللذين يصعب توقع الفائز منهما.

وبدا تحفظ رسمي مصري بشأن شخص الرئيس الأميركي المفضل لدى الدولة المصرية، فيما قال مصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «الرهان على رجل أو سيدة البيت الأبيض المقبل كان من بين أسئلة وجهها برلمانيون مصريون إلى مسؤول في وزارة الخارجية المصرية، داخل مجلس النواب قبل أيام، إلا أنه لم يرد بشكل حاسم».

ويختار الأميركيون رئيسهم الـ47 بين الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترمب، في نهاية حملة ترافقت مع توتر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، يراه محللون عاملاً مهماً في الترتيبات المستقبلية لحسابات مصر.

ولا يرى دبلوماسيون مصريون، ومن بينهم محمد العرابي رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق «خياراً مفضلاً للمصالح المصرية» بين أي من هاريس أو ترمب.

ويرى العرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «جوانب إيجابية وسلبية لدى كلا المرشحين، بشأن معادلة العلاقات مع مصر وحرب غزة».

فيما لا يكترث المفكر السياسي والدبلوماسي المصري السابق مصطفى الفقي، بالفروق الضئيلة بين حظوظ ترمب وهاريس، ويرى أنهما «وجهان لعملة واحدة في السياسة الأميركية، وهو الدعم المطلق لإسرائيل»، وفق وصفه لـ«الشرق الأوسط».

وإلى جانب الاقتناع بالدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، فإن هناك تبايناً آخر في ترجيحات البعض، إذ يعتقد رئيس حزب «الوفد» (ليبرالي) عبد السند يمامة أن «نجاح هاريس بسياساتها المعتدلة يصب في صالح السياسة الخارجية المصرية في ملف غزة».

في المقابل، يرجح رئيس حزب «التجمع» المصري (يسار) سيد عبد العال «اهتمام ترمب الأكبر بسرعة إنهاء الحرب في غزة»، موضحاً أن «مصالح مصر هي ما يحدد العلاقة مع الرئيس الأميركي المقبل».

وبالنسبة لوكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، فإن هناك انعكاسات خطيرة لفوز ترمب على «مصالح مصر فيما يخص ملف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء».

ويعيد رشاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، التذكير «بمشروع المرشح الجمهوري القديم لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهذا ضد مصر»، علماً بأن صهر ترمب وكبير مستشاريه السابق اقترح في مارس (آذار) إجلاء النازحين الفلسطينيين في غزة إلى صحراء النقب جنوب إسرائيل أو إلى مصر.

في المقابل، تبدو نبرة الثقة من برلمانيين مصريين في قدرة الدبلوماسية المصرية على التعامل مع أي مرشح فائز، خصوصاً في ملف حرب غزة.

ويقول وكيل لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري أيمن محسب، لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة ستتعاطى بإيجابية مع أي فائز ينجح في وقف الحرب في غزة والتصعيد في المنطقة».

بينما يلفت عضو مجلس الشيوخ إيهاب الهرميل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «التواصل الدوري من مصر الرسمية مع أطراف في المعسكرين الحاكمين بأميركا، بشأن غزة وجهود الوساطة المصرية - القطرية».

وخلال الشهر الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اجتماعين منفصلين وفدين من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، ضما أعضاء من المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، حيث تمت مناقشة جهود تجنب توسيع دائرة الصراع في المنطقة.

وبشأن نزاع «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا، يراهن متابعون على مساندة ترمب لمصر حال فوزه، بعدما أبدى اهتماماً لافتاً بالقضية في ولايته الأولى، واستضاف مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، كما سبق أن حذّر الإثيوبيين عام 2020 من «تفجير مصر للسد، بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد حل سياسي للمشكلة».

لكنّ رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، يقول: «مصر لا تُعوّل على أحد، تتحرك من منطلق أنها دولة أفريقية مهمة في قارتها، وتحرص على مصالحها»، فيما يُذكّر وكيل الاستخبارات السابق بأن «ترمب لم يُحدث خرقاً في الملف» رغم اهتمامه به.

ومن بين رسائل دبلوماسية متعددة حملها آخر اتصال بين مصر وإدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، أعاد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، الأحد الماضي، التأكيد لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على أن «مصر لن تسمح لأي طرف بتهديد أمنها المائي».

سؤال وجّهه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري للمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي

شعبياً، بدا أن المصريين لا يلقون اهتماماً كبيراً بالسباق الأميركي، وهو ما كشفته محدودية الردود على سؤال بشأن توقعات المرشح الأميركي الفائز، ضمن استطلاع أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع للحكومة المصرية.

وبدت تباينات الآراء في الاستطلاع الذي نشر عبر «السوشيال ميديا»، إذ رأى أحد المعلقين أن هاريس الأقرب، في مقابل آخر رجح فوز ترمب. لكن المثير للاهتمام هو توقع أحد المستطلعين «فوز نتنياهو»، أو على حد قول أحد المصريين باللهجة العامية المصرية: «شالوا بايدن وجابوا ترمب أو هاريس... كده كده اتفقوا على حماية إسرائيل».