«الشاباك» يحذّر من موجة عنف جراء انهيار اقتصادي في الضفة

في أعقاب التقارب بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، وعلى ضوء تفاقم الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية واقترابها من وضع الأزمة في قطاع غزة، حذّر كبار المسؤولين في جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك)، من انفجار موجة عنف جديدة. وأكدوا، في تقارير سُلمت لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن الوضع يتطلب توجهاً جديداً.
واقترح المسؤولون إيجاد طريقة تعيد العلاقات بين الطرفين، وتستأنف التنسيق الأمني وتخفف من الشعور بالعزلة لدى القيادة الفلسطينية في رام الله. وروت مصادر سياسية مقربة من نتنياهو، أن الأزمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية، تشتد، جراء رفض الحكومة الفلسطينية تلقي أموال الضرائب والجمارك التي تجبيها لها إسرائيل، وذلك احتجاجاً على الضغوط الإسرائيلية لمنع دفع رواتب للأسرى وعائلات الشهداء، وكذلك نتيجة الإغلاقات المقررة في سبيل مكافحة فيروس «كورونا»، والتي أدت وفقاً لمعطيات مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني، إلى فقد نصف مليون فلسطيني تقريباً في الضفة الغربية وظائفهم وغرقهم في ديون.
وحسب قادة المخابرات الإسرائيلية، فإن هذه الأزمة غير مسبوقة في تاريخ الضفة الغربية وتبعث على القلق. وإن استمرت، ستفجر الأوضاع الأمنية وتطلق موجة من العنف ضد إسرائيل. وأوضحوا بقولهم: «إذا كانت اتفاقات السلام مع الإمارات والبحرين قد فتحت آفاقاً من الاستقرار في المنطقة، فإن الوضع الفلسطيني يحمل بوادر انهيار أمني يمنع أي استقرار».
واقتبست المصادر من تقارير المخابرات، قولها، إن «التطور في الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، منح إسرائيل قدراً كبيراً من الهدوء، لأن ارتفاع مستوى معيشة الفلسطينيين حفزهم على الامتناع عن التصادم مع إسرائيل، حتى في أعقاب أحداث حساسة مثيرة للغضب، فلم يفجروا الأوضاع عند قيام إسرائيل بقمع مسيرات العودة عند السياج الحدودي مع قطاع غزة، ولا عندما تم الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة، ولا عندما طرح الرئيس دونالد ترمب (صفقة القرن)، وطرح نتنياهو مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية تشمل غور الأردن وشمالي البحر الميت وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، ولا عند توقيع اتفاقيتي التحالف وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين الإمارات والبحرين».
وأكدت المصادر أن الامتناع عن الخروج إلى الشوارع لم يحصل، ليس لأن الفلسطينيين ملّوا؛ فقد خرجوا عدة مرات احتجاجاً على اتفاقيات الأجور والتقاعد وعلى غلاء المعيشة. وعليه، فإن احتمالات خروج الناس إلى الشوارع والتظاهر ضد السلطة الفلسطينية وضد إسرائيل معاً، باتت أقرب من أي وقت مضى. والأمر يستدعي مداولات عاجلة حول هذا الخطر واتخاذ ما يلزم من إجراءات، قبل فوات الأوان.
وأشار قادة المخابرات إلى أن هناك عنصراً جديداً مؤثراً دخل على هذا المسار ويزيد من احتمالات الانفجار، وهو ما يحصل على المستوى السياسي، فمع أن «الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرر الامتناع عن مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وما زال يعد (الزعيم الفلسطيني المثالي بالنسبة لنا في الناحية الأمنية)، إلا أنه منذ توقيع الاتفاقيات في واشنطن بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى، يسلك مساراً عدائياً مشحوناً بالغضب ويقترب علناً وبشكل صريح من تنظيم الإخوان المسلمين العالمي»، حسب التقرير الأمني. فيبادر إلى مصالحة مع «حماس» ويطلب تدخل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لإنجاح جهود المصالحة، ويرسل وفداً رفيعاً، بقيادة أمين سر حركة «فتح» جبريل رجوب، لمواصلة المفاوضات، ويتنازل عن منصب رئاسة فلسطين الدورية للجامعة العربية. ومع أن هذه الخطوات لا تعني أن جهود المصالحة ستتكلل بالنجاح، فالخلافات بين الطرفين كثيرة والثقة بينهما معدومة، لكنها بمجرد حصولها تمنح زخماً لسياسة الرفض التي يمكن أن تترجمها عناصر عديدة، من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وحتى من تنظيم «فتح»، إلى عمليات عنف متعددة.
ودعا قادةُ المخابرات الإسرائيلية، الحكومة، إلى السعي من أجل التوصل إلى تفاهمات مع السلطة الفلسطينية، تبدأ بإعادة التنسيق الأمني بين الجانبين الذي أوقفه أبو مازن منذ نشر تفاصيل «صفقة القرن». وأكدوا أنه بوجود التنسيق الأمني، يمكن على الفور تسوية عدة مواضيع كان لها تأثير على تردي الوضع الاقتصادي في الضفة، بينها إعادة منح تصاريح العمل في إسرائيل للعمال الفلسطينيين، وإعادة تفعيل التجارة بين الجانبين إلى سابق عهدها، وإيجاد حل لتحويل إسرائيل مستحقات الضرائب والجمارك إلى السلطة الفلسطينية، من خلال التعامل بمرونة مع قضية رواتب الأسرى وعائلات الشهداء من هذه المستحقات.
واحتوت تقارير «الشاباك» على نقد مبطن لقيادة الجيش الإسرائيلي التي لا تكترث كما يجب للأوضاع في الضفة الغربية، وتركز جهودها على الجبهة الشمالية. وقال مسؤول أمني إسرائيلي مطلع لصحيفة «هآرتس»، أمس (الأربعاء)، إن رئيس «الشاباك» نداف أرغمان، والمسؤول عن منطقة القدس والضفة الغربية، يشيران بلهجة نقدية إلى أن «الوضع الاقتصادي في السلطة الفلسطينية ليس موجوداً على رأس سلم أولويات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، الذي لم يكن مسؤولاً عن الحلبة الفلسطينية في أي منصب تولاه في الماضي، وهذا يُبعده عن التعمق في رؤية الأخطار الكامنة في أوضاعها حالياً».