التنبؤات الجوية تجدد ذعر السودانيين من «مفاجآت النيل»

«الأغذية العالمي»: 650 ألفاً تضرروا من أسوأ فيضان

فيضان النيل في السودان (سونا)
فيضان النيل في السودان (سونا)
TT

التنبؤات الجوية تجدد ذعر السودانيين من «مفاجآت النيل»

فيضان النيل في السودان (سونا)
فيضان النيل في السودان (سونا)

تتداول وسائط التواصل الاجتماعي السودانية بكثافة، قصة مؤثرة لرجل زاره فريق إعلامي عقب تدمير منزله بفعل السيول والفيضانات، وشكواه من عجزه عن استضافة الفريق، وقوله: «ما يحزنني ليس الخراب الذي حل بداري، بل عدم قدرتي على استقبال ضيوفي بعد تهدم - الديوان – صالون المنزل».
قصة هذا الرجل ليست التجسيد الوحيد لعظم مأساة الفيضان والسيول التي اجتاحت البلاد، وأزهقت الأرواح ودمرت مئات الآلاف من المنازل والمنشآت، بل ربما هناك قصص أكثر مأساوية، مثل قصة غرق المسنين الثلاثة (أحدهم فوق السبعين، والثاني مصاب بشلل جزئي، والثالث مكفوف) الذين حاصرتهم مياه الفيضان في منطقة سنجة (360 كلم جنوب شرقي الخرطوم)، فلقوا حتفهم غرقاً من دون منقذ.
ورغم التصريحات الرسمية بانخفاض مناسيب المياه وبدء انحسار الفيضان، فإن المخاوف من تكرار المأساة لا تزال قائمة، لا سيما أن التنبؤات الجوية تتحدث عن هطول مزيد من الأمطار في السودان وعلى الهضبة الإثيوبية، ما يجعل مفاجآت النهر والأودية محتملة طوال سبتمبر (أيلول) الجاري. وهذا ما أكده تقرير «هيئة الإرصاد السودانية» أول من أمس (السبت)، إذ توقع هطول أمطار متوسطة إلى غزيرة، على 10 من ولايات البلاد البالغة 18 ولاية، مع احتمالات هطول أمطار خفيفة على 4 أربعة ولايات أخرى.
ونقلت تقارير عن خبراء الإرصاد الجوي قولهم إن الفيضان الذي لم تشهد البلاد مثيلاً له منذ عقود، يرجع إلى هطول أمطار في الهضبة الإثيوبية تعد الأعلى في تاريخ الدولة التي ينبع منها «النيل الأزرق» وأنهار ووديان أخرى. وأرجعها خبير الإرصاد الجوية عوض إبراهيم، بحسب يومية «السوداني»، إلى ظاهرة «لانينا».
الفيضان الأسوأ
وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن فيضان السودان يعد الأسوأ منذ مائة عام، وأدى إلى تضرر 650 ألف شخص منذ يوليو (تموز) الماضي. وقال ممثل البرنامج ومديره القطري في السودان حميد نورو: «لقد جاءت الأمطار والفيضانات بصورة أسوأ بكثير مما يمكن لأحد توقعه، مما تسبب في وقوع كارثة وطنية، وفقد الكثيرون منازلهم وأراضيهم الزراعية ومدارسهم وأحبائهم، وبعض هؤلاء المتضررين فقدوا كل شيء».
وحذر «الصندوق» من تزايد مستويات الجوع بتزايد موجات النزوح المطول، والتدهور الاقتصادي والتضخم، وارتفاع أسعار السلع الناجم عن تداعيات جائحة (كوفيد - 19)، إضافة إلى مخاطر الجوع التي تسببت فيها كارثة السيول والأمطار.
وتعد الفيضانات والسيول من المخاطر المتكررة التي تواجه السودانيين، خاصة الذين يعيشون قرب ضفاف الأنهار ومجاري المياه، وفشلت الحكومات المتتالية في إيجاد معالجات دائمة لها. ويذكر على الدوام الفيضان الشهير في 1988 الذي تضرر بسببه نحو 1.5 مليون شخص، ونتجت عنه كوارث صحية تمثلت في زيادة الإصابات بالملاريا والكوليرا والتايفود، وفقد بسببه نحو 1200 أرواحهم بالكوليرا وحدها.
ويحفظ السودانيون في ذاكرتهم الجمعية أيضاً فيضانات شهيرة في سنة 1912، وآخر في سنة 1946. مثلما يحفظون ملاحم شعبية في مواجهة الفيضان، وتغنى المغنون والشعراء بالبطولات التي جسدها المواطنين في مواجهة الفيضان، وحماية بعضهم البعض من مخاطره.
ويقول مختصون في موقع (The Conversation) إن على الحكومة السودانية إيجاد معالجات دائمة لمخاطر الفيضان، تتمثل في استخدام نظام المعلومات الجغرافية وتقنيات الاستشعار عن بعد، لتحديد المناطق الأكثر عرضة لخطر الفيضانات، وإعادة تصميم الهياكل الهيدروليكية الحالية - مثل الخنادق الجانبية والقنوات المائية.
ويشدد خبراء الموقع على تشييد هياكل حماية جديدة في المواقع الحرجة، وإعادة تخطيط المناطق الواقعة داخل سهل الفيضان، وإعادة تصميم شبكات الصرف التي تعبر السهول الفيضية، لا سيما في الخرطوم، فضلا عن إنشاء نظام إنذار مبكر في المناطق المعرضة للفيضانات المتكررة، وإجراء دراسات «الضعف الاجتماعي» لتحديد المناطق الأكثر حساسية التي تحتاج لاستجابة طارئة، عبر تكنولوجيا المعلومات الجغرافية.
ترحيل قاطني مناطق السيول
وقال حاكم الخرطوم أيمن نمر، إن حكومته قررت ترحيل المواطنين القاطنين بمناطق السيول والفيضانات، في الريف الشمالي للعاصمة، متعهداً بأن تبدأ المعالجات عقب انحسار مياه الفيضان.
وأوضح عقب جولة بـ«القوارب» خاض خلالها في مياه الفيضان شمال العاصمة، أن حجم الانهيار الكلي والجزئي الذي لحق بالمنازل والمرافق الخدمية وتلف المحاصيل الزراعية كان كبيرا، وإن حجم الكارثة أكبر من قدرات الحكومة.
واجتاحت الفيضانات والسيول 16 ولاية من أصل 18 ولاية هي جملة ولايات البلاد، وبحسب الإحصائيات الرسمية تضرر منها أكثر من 770 ألفا، وقالت وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية رئيسة اللجنة العليا لطوارئ الخريف لينا الشيخ، إن كل ولايات البلاد أصبحت متأثرة بالفيضانات والسيول، وتعد العاصمة الخرطوم، هي الأكثر تضررا.
منطقة كوراث وحالة طوارئ
وأعلنت الحكومة السودانية البلاد منطقة كوارث وفرضت حالة طوارئ صحية لثلاثة أشهر، وإثر ذلك استقبلت البلاد مساعدات دولية وإقليمية، من المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، مصر، ودول أوروبية وغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت طائرتي مساعدات إنسانية، فيما نشطت تنظيمات ومنظمات شعبية ومدنية وأهلية في جمع التبرعات ومواد الإغاثة ومساعدة ضحايا الفيضانات.
ويخشى على نطاق واسع، من انتشار الأمراض الناتجة عن الفيضانات والسيول على نطاق واسع، ما يتطلب المزيد من الجهود الرسمية والشعبية، والدعم الدولي والإقليمي، لمواجهة المأساة التي بلغت ذروتها بمقتل 121 شخصاً وإصابة أكثر من 40. ومئات الذين تقطعت بهم السبل، وفاجأتهم المياه فأغرقتهم، ويمثل مصرع مشلول وكفيف وشيخ في مدينة «سنجة» قمة المأساة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».