«الإخوة الأعداء»... جينات تتحكم في نمو الأرز

«الإخوة الأعداء»... جينات تتحكم في نمو الأرز
TT

«الإخوة الأعداء»... جينات تتحكم في نمو الأرز

«الإخوة الأعداء»... جينات تتحكم في نمو الأرز

بينما يقوم أحد الجينات بمهمة إسراع الاستطالة الداخلية لنبات الأرز، فإن هناك جيناً آخر يبطئ هذه الاستطالة، والمفارقة التي كشفت عنها دراسة يابانية أن هذين الجينين المتعاديين اللذين يتعارض كل منهما مع الآخر، يمارسان هذا العمل كجزء من عملية التنظيم.
وحدد العلماء في جامعة ناغويا وزملاؤهم في اليابان هذين الجينين المتعاديين المتورطين في نمو جذع نبات الأرز، خلال دراسة نُشرت في يوليو (تموز) الماضي، بدورية «نيتشر»، ويأملون أن تؤدي نتائجهم إلى طرق جديدة لتعديل محاصيل الأرز وراثياً.
ويُزرع أرز المياه العميقة في جنوب آسيا وغرب أفريقيا في ظروف غمرتها المياه التي يزيد عمقها على 50 سم، بينما تُزرع أصناف الأرز غير المقشور على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم لأنها أسهل في الحصاد.
والمحرك الرئيسي لنمو النبات هو هرمون يسمى (حمض الجبريليك)، حيث ينشط انقسام الخلايا في الأنسجة الجذعية، ما يؤدي إلى إطالة الساق، ويعرف المزارعون أنه يمكنهم التحكم في ارتفاع النبات عن طريق تحفيز أو تثبيط نشاط حمض الجبريليك، ومع ذلك، لم يعرفوا بالضبط كيف يعمل، حيث لم يكن ذلك واضحاً.
وعكف موتويوكي أشيكاري، عالم الأحياء الياباني من جامعة ناغويا، على دراسة نمو وتطور الأرز لسنوات، وأجرى هو وفريق من الباحثين دراسات وراثية وحددوا اثنين من الجينات التي تشارك في تنظيم نمو نبات الأرز. يقول أشيكاري في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة ناغويا في 24 أغسطس (آب) الجاري: «أظهرنا أن حمض الجبريليك ضروري، لكنه غير كافٍ، لاستطالة الساق».
ومن المثير للاهتمام، أن الجينين، المسمى مُسرّع الاستطالة الداخلية (1ACE1) ومُحدِد الاستطالة الداخلية (1DEC1)، يتعارض كل منهما مع الآخر كجزء من عملية التنظيم.
ويضيف: «في وجود حمض الجبريليك، يحفز الإنزيم ACE1 انقسام الخلايا واستطالة أقسام الجذع الداخلية في أرز المياه العميقة، ولا يحتوي صنف الأرز الأقصر على جين ACE1، ولكنه يحتوي على جين مماثل شبيه يتم تشغيله لتنشيط استطالة الساق في نقطة مختلفة من تطور النبات». وتم العثور على الجين (DEC1) في كل من أصناف أرز المياه العميقة والأرز غير المقشور، وتم تقليل تعبيره عندما تم وضع نباتات الأرز في المياه العميقة أو معالجتها بحمض الجبريليك، ومع ذلك، استمر وجود تأثيراته في الأرز غير المقشور، حتى في ظل نفس الظروف، مما يشير إلى أن هذا الجين يساعد في كبت نمو الساق.
ووجد الفريق البحثي أيضاً أن الجينين (ACE1) و(DEC1) محفوظان ويعملان في أنواع نباتية أخرى، مثل الشعير والأعشاب الأخرى، لذا فإن دراستهم تحسّن فهم تنظيم استطالة الساق في أعضاء العائلة (النجيلية) التي قد يكون لها آليات استطالة جذعية مماثلة.
ويهدف الفريق بعد ذلك إلى فهم استطالة الساق على المستوى الجزيئي من خلال تحديد العوامل المرتبطة بتعبير الجينين (ACE1) و(DEC1).
من جانبه، يشيد د. محمد عصمت، الباحث بمعهد بحوث الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة المنوفية (منطقة دلتا النيل بمصر)، بما توصلت الدراسة، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنها تساعد في بناء الخريطة الكاملة للعمليات الحيوية المهمة في نمو لمحصول، وهذا من شأنه الدفع في اتجاه استنباط أنواع جديدة عالية الإنتاج ولديها القدرة على مقاومة الظروف المناخية القاسية.
ويضيف: «هذا الأمر يكتسب أهمية بالنسبة لمحصول الأرز على وجه التحديد، لأنه الغذاء الرئيسي لحوالي نصف سكان الكرة الأرضية، ومن ثم فإن أي جهد يصبّ في اتجاه فهم جيناته يساعد في تأمين هذا الغذاء المهم».



كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
TT

كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)

في عصر تزداد فيه الحاجة إلى حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية في مجالات الصحة والطاقة، لا يزال كثير من المختبرات الحديثة تعتمد بشكل كبير على العمل اليدوي، ما يحد من سرعة ودقة التجارب العلمية.

لكن تحولاً جذرياً قد تشهده مختبرات العلوم في مجالات الكيمياء، والكيمياء الحيوية، وعلوم المواد؛ بفضل التقدم في التشغيل الآلي للروبوتات والذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام المتكررة في المختبرات.

وتُمكّن الأتمتة، الروبوتات من إجراء التجارب بدقة وتناسق عالٍ دون تعب؛ ما يسرع من وتيرة البحث بشكل كبير ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتعامل مع المواد الخطرة.

يمكن الاعتماد على الروبوتات في تنفيذ المهام المتكررة بالمختبرات (جامعة نورث كارولينا)

ويحرر هذا التحول العلماء من الأعمال الروتينية؛ ما يسمح لهم بالتركيز على أسئلة بحثية أكثر تعقيداً، ويعزّز من سرعة وفاعلية الاكتشافات العلمية في مجالات مثل الطب والطاقة والاستدامة.

5 مراحل

يعمل باحثون في قسمي علوم الكومبيوتر والكيمياء بجامعة نورث كارولاينا الأميركية على دراسة كيفية دمج الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الروتينية في المختبرات، باستخدام روبوت متحرك لأتمتة مهام مختبر الكيمياء.

ويشير الباحثون، في الدراسة المنشورة بدورية «ساينس» في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أن هذه الخطوة لا تعزز الكفاءة فحسب، بل تمثل أيضاً تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية، ما يتيح تحقيق نتائج مذهلة بشكل أكثر أماناً وموثوقية.

أوضح الباحثون أن أتمتة المختبرات تمر بـ5 مراحل تبدأ بالمساعدة في المهام البسيطة وتنتهي بالتشغيل الآلي الكامل. في المرحلة الأولى، يتم تنفيذ مهام فردية كالتعامل مع السوائل لتخفيف العبء الروتيني، ثم في المرحلة الثانية، ينفّذ الروبوت خطوات متتالية مع بقاء العاملين من البشر للإعداد والإشراف.

أتمتة المختبرات قد تحدث تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية (جامعة نورث كارولينا)

وفي المرحلة الثالثة، يدير الروبوت التجارب بالكامل مع تدخل بشري عند الظروف الطارئة، بينما في الرابعة يصبح الروبوت قادراً على التعامل مع هذه الظروف بمرونة أكبر.

أما في المرحلة الخامسة، فتعمل الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل تماماً؛ ما يمكّن المختبرات من العمل المستمر دون تدخل بشري، ويعزز سرعة الاكتشافات العلمية والابتكار.

فوائد وتحديات

يقول الدكتور رون ألتيروفيتز، الباحث في الروبوتات الطبية بجامعة نورث كارولاينا، إن تطوير جزيئات ومواد كيميائية جديدة يتطلب جهوداً بشرية مكثفة، تشمل تصميم التجارب وتوليف المواد وتحليل النتائج، فيما يمكن لأتمتة المهام الروتينية أن تسرّع هذه العمليات وتزيد دقتها، عبر تنفيذ الخطوات بتناسق أعلى وتقليل الأخطاء، ما يعزز إمكانية إعادة إنتاج النتائج.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الروبوتات يمكن أن تساهم في نقل العينات وإجراء القياسات وتقليل المخاطر المرتبطة بالمواد الخطرة؛ ما يعزز سلامة الباحثين. كما يمكنها تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب، واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر، خصوصاً في التجارب التي تتطلب مراقبة مستمرة أو إنتاج كميات كبيرة من البيانات، مثل الفحص عالي الإنتاجية المستخدم في اكتشاف الأدوية.

ووفق شركة «يونايتد روبوتيكس غروب» المتخصصة في تطوير الروبوتات وحلول الأتمتة، فإن الروبوتات توفر فائدة مالية رئيسية تتمثل في زيادة الكفاءة والإنتاجية؛ إذ يمكن لأتمتة أنظمة المختبرات الأساسية تقليل خطوات المعالجة اليدوية بنسبة تصل إلى 86 في المائة، ما يعزز الكفاءة ويخفض تكاليف العمالة.

يمكن للروبوتات تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر

في السياق نفسه، كشفت مؤسسة «مايو كلينيك» الطبية الأميركية أن الأتمتة أدت إلى زيادة حجم العمل اليومي لـ10 أضعاف في بعض المختبرات، ما يرفع الإنتاجية ويتيح التعامل مع الطلب المتزايد في الأبحاث الطبية والعلمية.

وفي مجال الكيمياء المناعية، وهي تقنية مخبرية تستخدم لتحديد توزيع البروتينات والجزيئات داخل الأنسجة، ساعدت الأتمتة في معالجة المزيد من شرائح الأنسجة بزمن أقل، مما خفض زمن المعالجة بنسبة 15.22 في المائة والتكلفة لكل شريحة بنسبة 37.27 في المائة، وفق «يونايتد روبوتيكس غروب».

ولا تقتصر الفوائد على تقليل الزمن والتكلفة، بل تشمل تحسين الدقة وتقليل الأخطاء، وهو أمر حيوي في مجالات حساسة كعلم الجينوم واكتشاف الأدوية، وفق الباحثين.

وأظهرت تجربة، بمستشفى «إلبلاند كلينيكوم مايسن» في ألمانيا عام 2023، كيف تسهم الروبوتات في تحسين كفاءة المختبرات وتقليل عبء العمل، خصوصاً مع نقص الكوادر.

وفيما يتعلق بالتحديات، أشار ألتيروفيتز إلى أن الأتمتة تُنفذ حالياً في مهام محدودة بالمختبرات، ولتحقيق التنفيذ الكامل، يتطلب الأمر تطوير مهارات في الروبوتات وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ضخ استثمارات في البنية التحتية وبرامج التدريب، ما قد يشكل عبئاً مالياً كبيراً. كما يتطلب تعاوناً بين الباحثين والمهندسين وعلماء الكومبيوتر لتحقيق الفائدة الكاملة من هذه التقنية.