دور متعاظم للنساء في قيادة الأوركسترا

قائدة الأوركسترا الكندية بربارا هانيغن (نيويورك تايمز)
قائدة الأوركسترا الكندية بربارا هانيغن (نيويورك تايمز)
TT

دور متعاظم للنساء في قيادة الأوركسترا

قائدة الأوركسترا الكندية بربارا هانيغن (نيويورك تايمز)
قائدة الأوركسترا الكندية بربارا هانيغن (نيويورك تايمز)

تسعى مسابقة دولية هي الأولى من نوعها لتولّي النساء قيادة الأوركسترا، وكسر القوالب النمطية في مجال تحتدم فيه المنافسة ويحكم الرجال هيمنتهم عليه.
كانت قد فازت قائدة الأوركسترا الإندونيسية من أصل صيني ريبيكا تونغ (36 عاماً)، مساء الجمعة، في حفل «لا مايسترا»، وهي أوّل مسابقة دولية لقائدات الأوركسترا، في حرم أوركسترا باريس الفلهرمونية، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
هذه المناسبة ليست مجرد مسابقة محصورة بالنساء، إذ إن المتنافسات الثلاث اللواتي بلغن المرحلة النهائية سيحظين بمواكبة خاصة طوال سنتين في أكاديمية موسيقية.
وكثيرات هن النساء اللواتي لمع نجمهن في مجال قيادة الأوركسترا في العقدين الأخيرين، مثل سوزانا مالكي (فنلندا)، وبربارا هانيغن (كندا)، وميرغا غريجينيتي - تيلا (ليتوانيا)، وألوندرا دي لا بارا (المكسيك)، وقبلهنّ الأسترالية سيمون يانغ والأميركية مارين ألسوب.
لكن البون لا يزال شاسعاً في هذا المجال، إذ إن 48 أوركسترا سيمفونية محترفة من أصل 778 تشكيلة دائمة من هذا القبيل أحصيت في العالم هي بقيادة امرأة كمديرة موسيقية أو قائدة رئيسية، أي ما يوازي 6.2 في المائة من العدد الإجمالي، حسب مسابقة «لا مايسترا». وفي عام 2016 كانت هذه النسبة أدنى حتى إذ لم تكن تتعدى 4.3 في المائة.
وتقول قائدة الأوركسترا الرائدة الفرنسية كلير جيبو، التي كانت وراء فكرة المسابقة، «يتولّى الرجال قيادة الأوركسترا حتّى الخامسة والتسعين من العمر، لكن منذ 15 عاماً يردّدون السؤال عينه على مسامعي لمعرفة إن كنت أنوي الاعتزال».
وتلقّت «لا مايسترا» 220 طلب ترشيح من 51 بلداً اختارت منها 12 قائدة أوركسترا. وتكشف جيبو وهي أول امرأة تولّت قيادة دار الأوبرا في ميلانو (سكالا) وموسيقيي أوركسترا برلين الفلهرمونية «قرّرنا عدم تحديد سنّ قصوى... ومن بين المرشحات، نساء في الحادية والسبعين من العمر، وإنه لأمر رائع بالفعل».
وقد مُنحت كلّ مشاركة في مرحلة التصفيات 30 دقيقة لتثبت قدراتها.
وقالت ريبيكا تونغ، وهي إندونيسية من أصل صيني في السادسة والثلاثين من العمر، متوجّهة إلى العازفين في أوركسترا «باريس موزار»، التي أسستها جيبو، «هل في وسعكم إطلاق المزيد من الشرارات؟ أريد أن تكون الأجواء متوهّجة!». أما الكولومبية لينا غونزاليس - غرانادوس، فهي طلبت منهم «مزيداً من البهجة».
وليست «لا مايسترا» مجرّد مسابقة، «بل هي فرصة للازدهار والاختبار»، حسب ما تقول مارين ألسوب، العضو في لجنة التحكيم التي كانت سنة 2013 أول امرأة تقود حفلاً موسيقياً خلال فعاليات «برومز» للموسيقى التي تنظّم كلّ صيف في لندن منذ عام 1895.
وأعربت ألسوب عن أملها في أن تتيح هذه المسابقة «للشابات خوض هذا المجال باكراً»، مشيرة «أنا لم أبدأ باكتساب الخبرة إلا في الثلاثينات من العمر بسبب قلّة الفرص المتاحة». تستذكر الصينية جياجنغ لاي (29 عاماً)، ما قاله لها أستاذها عندما قرّرت دراسة أصول قيادة الأوركسترا. وتقول ضاحكة، «استعرض لي لساعة من الوقت» صعوبات التوفيق بين هذا الدور ورعاية الأطفال في حال أصبحت أمّاً.
يذكّر هذا الموقف بالجدل الذي أثاره المدير السابق لمعهد باريس للموسيقى برونو مانتوفاني، الذي قال سنة 2013، إنه «يصعب على المرأة التي ترغب بإنجاب أطفال خوض مجال قيادة الأوركسترا».
ومن الأحكام المسبقة الأخرى التي تعيق تقدّم المرأة في هذا المجال، الصورة النمطية لقائد الأوركسترا المتسلّط المرسّخة في المخيّلة العامة، خلافاً للمرأة التي توصف بأنها «شديدة التأثرّ وغير قادرة على إدارة مجموعة متكاملة». ويؤكّد لوران بايل المدير العام لأوركسترا باريس الفلهرمونية، أن «المطلوب ليس التسلّط بل طول الباع».
ويردف موضحاً أن التجربة الطويلة هي التي ترتقي بالأداء، «والمشكلة بالنسبة إلى النساء هي أن قليلات منهن يتمتعن بتجربة من هذا النوع... لكن التوازن سيتحقق مع الجيل الصاعد». ويدحض فكرة أن تكون هذه المسابقة «تمييزية» في حقّ الرجال، قائلاً «نشدّد منذ 40 سنة على ضرورة تطوير النظام لكنّ شيئاً لم يحصل». ويؤكّد بايل أنه «بغية تسوية الوضع، لا بدّ من زيادة نسبة النساء من 6 إلى 30 في المائة على رأس فرق الأوركسترا».



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض