مصر وتركيا... إشكاليات «عميقة» أمام دعوات التفاهم

القاهرة لا ترى «مصداقية» في خطاب أنقرة الساعي لـ«تهيئة العلاقات»

مصر وتركيا... إشكاليات «عميقة» أمام دعوات التفاهم
TT

مصر وتركيا... إشكاليات «عميقة» أمام دعوات التفاهم

مصر وتركيا... إشكاليات «عميقة» أمام دعوات التفاهم

لا تعرف العلاقات السياسية بين الدول ثابتاً، كما أن تحولاتها لا يمكن أن تنشأ من فراغ، بل إن الوقائع التي قد تستحق وصفها بـ«المفاجئة» لا تظهر دون مقدمات يفلح البعض في فهمها؛ وهكذا فإنه يصعب القول إن العلاقة ما بين مصر وتركيا بصدد الانتقال الآن من مرحلة الخلاف إلى التفاهم، رغم «الإشارات المبطنة بدعوات من أنقرة إلى (توافق ما)».
والواقع أن حصر الخلاف بين القاهرة وأنقرة، باعتبارهما طرفي خصومة أو حتى تنافس، يظل قاصراً عن رؤية خريطة النفوذ والتحالف في المنطقة، وهذه أولى الإشكاليات أمام دعوات التفاهم. فمصر المنخرطة في «التحالف الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب»، الذي يضمها مع «السعودية، والإمارات، والبحرين» في نسق سياسي مغاير لتوجهات تركيا في المنطقة، لن تتحرك وفق المعطيات الراهنة باتجاه «تفاهم»، أو «تنسيق» مع أنقرة بشكل فردي، إذ لا تزال صلابة تلك الآلية ظاهرة وقائمة في مواجهة مناوئيها، بل إنها ازدادت ربما تماسكاً على مستوى أهدافها، بعد تعثر «محادثات المصالحة مع قطر» في فبراير (شباط) الماضي.
النظرة الأولى لتموضع القاهرة وأنقرة على خريطة التحالفات الإقليمية تستبعد إذن، بدرجة ما، «التقارب الفردي»، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار ما عبر عنه مصدر مصري مسؤول، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أول من أمس، أن تركيا «دائمة الدعوة لفتح قنوات اتصال مع مصر حتى على المستوى السري، لكن مصر في هذا الملف، بالإضافة إلى الملف القطري، تعمل في إطار التعاون والتنسيق مع السعودية والإمارات والبحرين، ولا تتحرك بشكل فردي إطلاقاً».
أما ثاني الإشكاليات أمام مُضي الدعوات التركية للتفاهم باتجاه التنفيذ، فهي «آيديولوجية» حسبما يمكن رصده في الخطاب السياسي التركي، المشغول قولاً وفعلاً بتعضيد جماعات «الإسلام السياسي»، وأبرزها «الإخوان» المسلمون. ويستطيع الفاحص لإفادات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ومستشار رئيس حزب «العدالة والتنمية»، ياسين أقطاي، التي تبدو في جانب منها متضمنة لـ«دعوات التفاهم»، ومحملة بتعبيرات «التقدير للجيش المصري»؛ التوصل إلى أنها لا تتجاوز أحداث «ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013»، التي أطاحت بحكم الإخوان المدعوم تركياً، بعد مظاهرات شعبية حاشدة ضده، والتي يتمسك المسؤولون الأتراك بالتعاطي معها بوصفها «انقلاباً».
ومثلت تلك التعبيرات المنحازة لجماعة، باتت السلطات المصرية تصنفها بـ«الإرهابية»، عقبة أشارت إليها القاهرة عبر وزارة الخارجية المصرية، التي قالت في بيان أمس، إن حديث وزير الخارجية التركي «الذي تضمن - من بين إشارات مختلفة - تناولاً سلبياً حول ما شهدته مصر من تطورات سياسية، تتصل بـ(ثورة 30 يونيو)، يؤكد استمرار التشبث بادعاءات منافية تماماً للواقع، بهدف خدمة توجهات آيديولوجية».
وزاد المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد حافظ، موضحاً أن بلاده تعبر عن «الرفض الكامل لهذا النهج»، منوهاً إلى أن «الاستمرار في الحديث عن مصر بهذه النبرة السلبية، وفي الوقت نفسه بهذا القدر من التناقض، يكرس افتقار المصداقية إزاء أي ادعاء بالسعي لتهيئة المناخ المناسب لعلاقات قائمة على الاحترام، والالتزام بقواعد الشرعية الدولية».
وبشكل قانوني وسياسي تأتي الإشكالية الثالثة، إذ إنه من غير المتصور أن تتفاعل القاهرة مع دعوات أنقرة، بينما تستضيف مطلوبين في جرائم ذات طابع «إرهابي» دون حسم لتلك القضية. فمن جهة لا تتوقف وسائل الإعلام المصرية، وكذلك حيثيات أحكام قضائية عدة، عن تحميل تركيا نصيبها من المسؤولية في الدعم، بالإيواء والمال، لأنشطة وأشخاص ووسائل إعلام يسلطون أنشطتهم على مجابهة نظام الحكم المصري، ولن يكون من السهل بطبيعة الحال على تركيا التخلي عن تلك الأدوات «المهمة» في تحركاتها ضمن ملفات أخرى ضد القاهرة، وعواصم عربية أخرى لا تتوافق مع أنقرة.
وإذا كان هواء الفضائيات مُحمّلاً بإشكاليات تستبعد التوافق السريع بين مصر وتركيا، فإن سطح البحر ليس أفضل حالاً، وعلى صفحته تطفو الإشكالية الرابعة. فقد دخلت القاهرة وأنقرة في مساجلات قانونية عدة بشأن التنقيب في المتوسط، كما ازدادت الأمور سخونة مطلع الشهر الماضي بسبب «تداخل» إحدى المناطق الاقتصادية الخالصة، التابعة لمصر، مع خطط تركية لخطط المسح (قبل التنقيب) في مياه المتوسط، وأبدت الخارجية المصرية حينها اعتراضها على «الإنذار الملاحي الصادر من تركيا بقيام إحدى سفنها لأعمال المسح»، مؤكدة أن هناك «تداخلاً بالنقطة رقم (8) الواردة بالإنذار الملاحي (التركي) مع المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية».
أما خامس إشكالية فمسرحها ليبيا، الجارة الغربية الملاصقة لمصر، لكن حكومتها المعترف بها دولياً (الوفاق الوطني) هي التي وفرت غطاءً - بغض النظر عن مدى شرعيته الدولية - يسمح بوجود تركيا في الأفق، بحراً وبراً.
ولعل أكبر تعبير عن تصارع الإرادات بين مصر وتركيا ما ظهر في تحديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للشريط، الممتد بين مدينتي سرت والجفرة في ليبيا، باعتباره «خطاً أحمر» لبلاده، ولن يُسمح بتجاوزه من قبل «الميليشيات والقوات الأجنبية الداعمة لها». في إشارة لحكومتي طرابلس وأنقرة، وهو الخط الواقع تحت سيطرة «الجيش الوطني». لكن وفي المقابل يؤكد المسؤولون الأتراك أنهم متمسكون بوقف إطلاق النار بعد تراجع قوات «الجيش الوطني» المدعوم من مصر عن تلك المنطقة.
وبغض النظر عما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تطورات، لن تكون «مفاجئة» على الأرجح؛ فإنه من غير المتوقع أن تفضي الدعوات التركية إلى نتائج ملموسة، ما لم نشهد قبلها تغييرات لافتة لحلحلة تلك الإشكاليات بين البلدين.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.