استقبلت الأسواق العالمية محاولات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي للطمأنة حول الوضع الاقتصادي بمزيد من القلق، حيث فتحت وول ستريت أمس على تراجع، في رد فعل مخيب للتوقعات تجاه تعهد الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة.
كما تأثرت الأسواق سلبا بتراجع أقل من المنتظر لطلبات إعانة البطالة الأسبوعية الجديدة في الولايات المتحدة، والتي وصلت إلى 860 ألفا الأسبوع الماضي، أي أقل بصورة طفيفة من العدد المسجل الأسبوع السابق له، بحسب بيان وزارة العمل الأميركية الخميس. ويزيد إجمالي عدد طلبات الإعانة الأسبوعية عن 12 مليون شخص، في إشارة إلى الصعوبات في سوق العمل، حيث لا يزال الاقتصاد يواجه رياحا معاكسة بسبب فيروس «كورونا».
ومع الفتح، تراجع المؤشر داو جونز الصناعي 198.20 نقطة أو ما يعادل 0.71 في المائة إلى 27834.18 نقطة. وهبط المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 38.63 نقطة أو ما يعادل 1.14 في المائة إلى 3346.86 نقطة. وتراجع المؤشر ناسداك المجمع 254.42 نقطة أو 2.30 في المائة إلى 10796.05 نقطة.
وأعلن جيروم باول رئيس الفيدرالي مساء الأربعاء أنّ سوق العمل في الولايات المتّحدة تحسّنت كثيراً منذ انهيارها في الربيع من جرّاء فيروس «كورونا» المستجدّ؛ لكنّ «الطريق ما زال طويلاً» قبل أن تستعيد عافيتها.
وخفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء، في آخر اجتماع نقدي له قبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، تقديراته السابقة لمعدّل البطالة في الولايات المتّحدة لهذه السنة من 9.3 في المائة إلى 7.6 في المائة، لكنّ هذا المعدّل لا يزال ضعف ما كان عليه قبل اندلاع الأزمة الوبائية في البلاد. وفي فبراير (شباط) الفائت كانت تقديرات الاحتياطي الفيدرالي لمعدل البطالة السنوي في البلاد تبلغ 3.5 في المائة في أدنى مستوى على الإطلاق خلال نصف قرن.
وفي أعقاب اجتماع مجلس الاحتياطي، قال باول خلال مؤتمر صحافي إنّ معدّل 3.5 في المائة «ليس رقماً سحرياً»، مضيفاً أن «لا أحد يمكنه أن يقول ما إذا كان هذا الرقم هو المرجع» المفترض اعتماده للقول إن سوق التوظيف استعادت عافيتها كاملة.
وإذ طمأن رئيس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنّ الركود الاقتصادي في البلاد سيكون هذه السنة أقلّ حدّة مما كان متوقّعاً، لفت إلى أن وتيرة النهوض لا تزال «غير مؤكّدة بتاتاً». وأضاف «أودّ أن أقول إنّ الأمر سيستغرق وقتاً» لاستعادة الاقتصاد نموّه، مشيراً إلى أنّ الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد سينخفض بأقلّ مما كان متوقعاً في السابق. وأوضح أنّ الاقتصاد سينكمش وفقاً للتقديرات الجديدة بنسبة 3.7 في المائة، مقابل 6.5 في المائة وفقاً للتقديرات السابقة في يونيو (حزيران) الماضي.
كما أشار باول إلى أنّ الانتعاش الاقتصادي المتوقّع في الأعوام المقبلة سيكون بدوره أقلّ من المتوقع، عند 4 في المائة في 2021 مقابل 5 في المائة سابقاً، و3 في المائة في 2022 مقابل 3.5 في المائة سابقاً، و2.5 في 2023.
ووفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي فإنّ «تعافي الاقتصاد سيعتمد بشكل وثيق على تطوّر الوضع الوبائي في البلاد»، مؤكّداً أنّ «الأزمة الصحيّة الحالية ستستمر في التأثير على النشاط الاقتصادي والتوظيف والتضخّم الاقتصادي على المدى القصير، وستشكّل مخاطر كبيرة على التوقّعات الاقتصادية على المدى المتوسّط».
من ناحية أخرى، شدّد باول على أنّ تقديم حزمة مساعدات جديدة للأسر والشركات شرط لا غنى عنه لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية في البلاد. وقال إن «هناك على الأرجح ضرورة» لتقديم مزيد من المساعدات للأسر والشركات الأميركية، مشيراً إلى أنّ «ما يقرب من 11 مليون شخص ما زالوا عاطلين عن العمل بسبب الوباء، والعديد من هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون في قطاعات تعاني. هؤلاء الناس بحاجة إلى دعم إضافي».
وأبقى الفيدرالي أسعار الفائدة قابعة قرب الصفر، وتعهد بأن تظل كذلك إلى أن يصبح التضخم بصدد أن «يتجاوز على نحو متوسط» هدف البنك المركزي البالغ اثنين في المائة «لبعض الوقت». وأظهرت التوقعات الجديدة أن أسعار الفائدة لن تتغير حتى 2023 على الأقل، مع عدم اختراق التضخم مستوى الاثنين في المائة خلال تلك الفترة.
ويأتي ذلك في إطار تحول في السياسة النقدية أُعلن الشهر الماضي، ويستهدف التعويض عن سنوات التضخم الضعيف والسماح للاقتصاد بمواصلة خلق فرص العمل لأطول فترة ممكنة.
وشهد بيان سياسة البنك المركزي تحولا أيضا من هدف تحقيق الاستقرار بأسواق المال إلى تنشيط الاقتصاد، إذ قال المجلس إنه سيبقي على مشتريات السندات الحكومية عند معدلات لا تقل عن الوتيرة الحالية البالغة 120 مليار دولار شهريا، لكن مع إضافة أن الهدف من ذلك يتمثل جزئيا في توفير أوضاع مالية «تيسيرية» في المستقبل.
وقال المجلس في بيانه بعد اجتماع دام يومين إن جائحة فيروس «كورونا» تواصل الضغط على الاقتصاد الذي رفع رغم ذلك توقعاته له في المدى القريب. وقالت لجنة السوق المفتوحة الاتحادية المسؤولة عن تحديد سعر الفائدة، إن الفيروس «يخلق معاناة إنسانية واقتصادية هائلة... مجلس الاحتياطي ملتزم باستخدام شتى أدواته لدعم الاقتصاد الأميركي في هذا الوقت العصيب».
الأسواق تستقبل طمأنة «الفيدرالي» بمزيد من القلق
باول قال إن «الطريق طويل» قبل استعادة سوق العمل الأميركية عافيتها
الأسواق تستقبل طمأنة «الفيدرالي» بمزيد من القلق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة