مع عودة القوات الأميركية للعراق.. المتعاقدون يعودون

واشنطن تتجه لزيادة الاعتماد عليهم رغم ما تسببوا به من مشكلات في السابق

رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي يتحدث إلى جنود أميركيين خلال زيارته بغداد في 15 نوفمبر الماضي (رويترز)
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي يتحدث إلى جنود أميركيين خلال زيارته بغداد في 15 نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

مع عودة القوات الأميركية للعراق.. المتعاقدون يعودون

رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي يتحدث إلى جنود أميركيين خلال زيارته بغداد في 15 نوفمبر الماضي (رويترز)
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي يتحدث إلى جنود أميركيين خلال زيارته بغداد في 15 نوفمبر الماضي (رويترز)

تستعد الحكومة الأميركية لزيادة عدد المتعاقدين من القطاع الخاص في العراق في إطار جهود الرئيس باراك أوباما لصد مقاتلي «داعش» الذين يهددون حكومة بغداد، حسبما قال مسؤول أميركي كبير.
وأوضح المسؤول أن عدد المتعاقدين الذين سيتم نشرهم في العراق - بخلاف نحو 1800 يعملون الآن لصالح وزارة الخارجية الأميركية - سيعتمد جزئيا على مدى انتشار القوات الأميركية التي تقدم المشورة لقوات الأمن العراقية وبعدهم عن المنشآت الدبلوماسية الأميركية، حسبما أفادت وكالة «رويترز».
ومع ذلك فإن الاستعدادات لزيادة عدد المتعاقدين تؤكد التزام أوباما المتزايد في العراق. وعندما تغامر الولايات المتحدة بإرسال قوات ودبلوماسيين إلى مناطق الحروب عادة يليهم المتعاقدون من أجل القيام بأعمال كان يقوم بها الجيش نفسه. ويمكن أن يتولى المتعاقدون مسؤولية كل شيء من الأمن إلى إصلاح المركبات وحتى الخدمات الغذائية.
وقال المسؤول الأميركي الكبير الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «من المؤكد سيكون من الضروري إرسال بعض المتعاقدين لتقديم دعم إضافي هناك».
وبعدما بسط «داعش» سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، بما في ذلك مدينة الموصل، في شهر يونيو (حزيران) الماضي أمر أوباما بإرسال قوات أميركية إلى لعراق. وفي الشهر الماضي أذن أوباما بمضاعفة عدد القوات تقريبا إلى 3100 جندي لكنه يحرص على عدم زيادة القوات أكثر من اللازم. ولا تتولى القوات الأميركية في العراق مسؤوليات قتالية.
ويوجد في العراق الآن نحو 1750 جنديا أميركيا وأمر وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هيغل الأسبوع الماضي بنشر 1300 جندي إضافي.
وظهر اعتماد الجيش الأميركي على المدنيين أثناء رحلة هيغل إلى بغداد هذا الشهر عندما وصل مع الوفد المرافق له إلى العاصمة العراقية على متن طائرات هليكوبتر تابعة لمتعاقدين مع وزارة الخارجية الأميركية.
ويرى المسؤول الأميركي أن المشكلة تكمن في أنه مع استمرار تدفق القوات الأميركية على العراق لن يتمكن المتعاقدون بوزارة الخارجية من دعم احتياجات كل من الدبلوماسيين والجنود. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية، إنه «بعد تراجع عدد المتعاقدين بوزارة الخارجية في العراق منذ أواخر عام 2011 ارتفع العدد قليلا بنسبة 5 في المائة تقريبا منذ يونيو».
وفي يوليو (تموز) عززت وزارة الخارجية الأميركية عدد أفراد حماية القنصلية الأميركية في أربيل من 39 إلى 57 فردا بعد تعرض المدينة لتهديد مقاتلي «داعش» أثناء هجومهم في يونيو. وفريق الحماية هذا تابع لشركة «تريبل كانوبي» وهي جزء من مجموعة «كونستليس» أكبر متعاقد أمني مع الخارجية الأميركية. ولم ترد كونستليس على مكالمة هاتفية تطلب التعليق.
ويثير وجود المتعاقدين في العراق - لا سيما شركات الأمن الخاصة - الجدل منذ سلسلة من الأحداث العنيفة أثناء الاحتلال الأميركي وصلت إلى ذروتها في سبتمبر (أيلول) 2007 بقتل 14 عراقيا أعزل من قبل حراس شركة «بلاك ووتر» الأمنية. وأدين 3 حراس سابقين في أكتوبر (تشرين الأول) بالقتل غير العمد وأدين حارس رابع في القضية بالقتل العمد مما أدى إلى إجراء إصلاحات في مراقبة الحكومة الأميركية للمتعاقدين.
وقال مسؤول أميركي ثان: إن «القوات الأميركية في العراق لا تستخدم المتعاقدين من القطاع الخاص لتوفير المزيد من الأمن لها».
ويعمل جميع المتعاقدين مع الحكومة الأميركية في العراق فعليا الآن لدى وزارة الخارجية. وبعد انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق في 2011 لم يكن أمام الخارجية خيارات كثيرة بخلاف تعيين جيش صغير من المتعاقدين للمساعدة في حماية المنشآت الدبلوماسية وتقديم خدمات أخرى كالغذاء والإمدادات.
وانخفض عدد المتعاقدين مع وزارة الدفاع «البنتاغون» بشكل حاد مع انكماش الوجود العسكري الأميركي بعد أن كان قد وصل في أواخر 2008 إلى أكثر من 163 ألفا أي أنه اقترب من عدد القوات الأميركية على الأرض في ذلك الوقت.
وقال مارك رايت المتحدث باسم البنتاغون إنه «لم يعد هناك الآن سوى عدد قليل منهم وإنهم يتعاملون مع وزارة الخارجية». وأضاف رايت أن «البنتاغون كان لا يزال لديه 6 آلاف متعاقد في العراق في أواخر 2013 أغلبهم يدعمون مبيعات السلاح الأميركية إلى حكومة بغداد».
لكن هناك مؤشرات على تغيير هذا الاتجاه. فقد أصدر البنتاغون في أغسطس (آب) بيانا عاما يطلب فيه مساعدة شركات خاصة لتقديم المشورة لوزارة الدفاع العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب التابع لها. وبدا البيان على أنه استعداد لاحتمال حاجة القادة العسكريين لزيادة عدد المتعاقدين في العراق. ولم يحدد الإعلان حجم أو تكلفة العمل المقترح. وقال البنتاغون أيضا في إحصاء ربع سنوي في أكتوبر إنه «سيستأنف كتابة التقارير عن المتعاقدين الذين يدعمون عملياته في العراق في إصداره المقبل والمقرر في يناير (كانون الثاني)».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم