في كل مرة تتم فيها مناقشة الأزمة الليبية داخل البلاد أو خارجها، تُطرح مجموعة من الأسئلة عن أسباب «تغييب» الأقليات عن حضور هذه الفعاليات السياسية التي تناقش مصير وطنهم، ولماذا لا تتم دعوتهم إليها كما يدعى أنصار للنظام السابق على سبيل المثال؟
وكجواب على هذه التساؤلات، يرى سالم مادي، عضو المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد مقره في طرابلس العاصمة، أن «هذا التغييب يرجع إلى سياسة التهميش المتكررة للمكونات الأصلية بالمجتمع الليبي». ووجَّه مادي، أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية المنخرطة بالمشهد الليبي، خلال تصريح لـ«الشرق الأوسط» اتهامات لتيار قال إنه «يبحث عن الغنائم واقتسامها، ويستهدف الوصول إلى السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة»، مشيراً إلى أن أعضاء ونواباً من «الأعلى للدولة» و«النواب»، بالإضافة إلى المجلس الرئاسي: «مارسوا التهميش بحق التبو والأمازيغ والطوارق»، قبل أن يشدد على أن «المجلس الرئاسي هو صاحب النصيب الأكبر في ممارسة هذا التهميش».
وتابع مادي موضحاً: «لم تتم استشارة الأمازيغ أو غيرهم من المكونات الاجتماعية، كما يحدث في دول قريبة من ليبيا، ولا أتوقع أن تتم استشاراتهم في أي محادثات أو اجتماعات مقبلة أيضاً»، مشيراً إلى أن البعثة الأممية «لا تسعى هي أيضاً لاستطلاع آرائنا فيما هو مطروح حالياً من أفكار أو أطروحات للحل».
ويقدر مادي، المعروف بدفاعه عن حقوق الأمازيغ في ليبيا منذ عهد النظام السابق، عدد الناطقين باللغة الأمازيغية في ليبيا بقرابة مليون شخص، يتمركزون أساساً في جبل نفوسة وزوارة وأوجلة، وسوكتة وطرابلس (غرب).
وتحرص البعثة على التواصل مع جميع الأطراف في ليبيا، ودمجها في العملية السياسية الجارية. وفي كل عام تتقدم للأمازيغ بالتهنئة بحلول السنة الأمازيغية الجديدة. ومن جانبه، أكد السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، خلال لقائه منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي بممثلين عن المجلس الأعلى للأمازيغ، دعم بلاده للجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتعزيز الحوار السياسي الشامل بين مكونات الشعب، وشدد السفير طبقاً لبيان صادر عن السفارة مترجم باللغة الأمازيغية، على أن هذه الجهود «لا يمكن أن تكون ناجحة وشرعية إلا بمشاركة مجدية من المجتمعات الأصلية والعرقية في ليبيا، بما في ذلك الأمازيغ والتبو والطوارق».
في المقابل، يرى أبو بكر سليمان مردمة، مسؤول الإعلام بالمجلس الأعلى لشيوخ وأعيان ليبيا، أن «التهميش في ليبيا لم يعد ممنهجاً أو موجهاً ضد مكون بعينه، بقدر ما بات أمراً وواقعاً يطال كل الليبيين مع الأسف، جراء نظام المركزية» الذي وصفه بـ«البغيض».
وأعرب مردمة، أحد أعيان «التبو» بالجنوب الليبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أمله في نجاح العملية السياسية، باعتبارها قد تكون سبيلاً مؤدياً لإجراء الانتخابات، وقال بهذا الخصوص: «نحن مع الحوار بشكل عام، ولدينا إيمان مطلق بأنه لا حل لمشكلة ليبيا إلا بجلوس بعضنا مع بعض كليبيين، وعدم إقصاء أي طرف من الأطراف»، لافتاً إلى أن «أغلب مكونات سكان الجنوب تأثر بشدة بسبب الصراع الراهن بين الشرق والغرب».
واستكمالاً لما سبق، تحدث جعفر الأنصاري، الناشط الحقوقي، عن «اتباع سياسة التهميش والإقصاء بشكل ممنهج ضد الأقليات في ليبيا»، ومنها مكون الطوارق الذي قال إن «أحداً لم يحرص على التشاور معهم بجدية في أي اجتماعات، بالرغم من أنها قد تحدد مصير الوطن».
وقال الأنصاري لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، القيادة السياسية للبلاد تتعاطى مع هيئات اجتماعية كممثل للطوارق؛ لكن يمكن القول إن هذه الهيئات ربما لا تملك الخبرة الكافية للتعامل مع المشكلات والقرارات المصيرية المطلوبة في التوقيت الراهن»، لافتاً إلى «قضية عدم امتلاك كثير من أبناء الطوارق أوراقاً ثبوتية» حتى الآن.
وكان رئيس المجلس الاجتماعي الأعلى لطوارق ليبيا، الشيخ مولاي قديدي، قد أكد وجود عديد من الطوارق دون أوراق ثبوتية أو أرقام وطنية منذ عقود. وشدد الأنصاري على أن الحل الحقيقي للأزمة الليبية «لا يتوقف كما يعتقد البعض على وقف الصراع العسكري فقط؛ بل يتطلب أيضاً مصالحة ومكاشفة بين الجميع لإنهاء كل أشكال العنصرية الموجودة حالياً بالمجتمع الليبي؛ لكن بدرجات متفاوتة».
لكن حكومة «الوفاق» تقول في المقابل إنها لا تفرق بين المكونات الاجتماعية في ليبيا، ولا تتعامل معهم على أساس عرقي أو جهوي، بقدر ما تدير البلاد بما يحقق مصلحة الجميع.
أقليات ليبية تشتكي «إقصاءها» من مفاوضات الحل السياسي
اتهامات للمجلس الرئاسي بـ«ممارسة التهميش بحق التبو والأمازيغ والطوارق»
أقليات ليبية تشتكي «إقصاءها» من مفاوضات الحل السياسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة