عون وبري في مواجهة تداعيات عدم تشكيل الحكومة

الرئيس اللبناني أمام خيارين لا ثالث لهما

الرئيس الفرنسي أثناء زيارته بيروت (الوكالة المركزية)
الرئيس الفرنسي أثناء زيارته بيروت (الوكالة المركزية)
TT

عون وبري في مواجهة تداعيات عدم تشكيل الحكومة

الرئيس الفرنسي أثناء زيارته بيروت (الوكالة المركزية)
الرئيس الفرنسي أثناء زيارته بيروت (الوكالة المركزية)

يواجه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون خيارين لا ثالث لهما مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بموافقة أركان الدولة والقيادات السياسية التي التقاها في قصر الصنوبر بداية سبتمبر الجاري، لولادة الحكومة الجديدة: الأول أن يبارك التشكيلة الوزارية التي يحملها معه الرئيس المكلّف بتشكيلها السفير مصطفى أديب إلى القصر الجمهوري في بعبدا بعد إخضاعها إلى تنقيح وتعديلات طفيفة لا تطيح بالإطار العام الذي رسمه ماكرون، وبذلك يكون قد أنقذ الثلث الأخير من ولايته الرئاسية.
أما الخيار الثاني فيكمن في رفض عون التشكيلة بذريعة أنها مفروضة عليه كأمر واقع، لغياب التشاور في الأسماء معه، وبذلك يكون قد أغضب صاحب المبادرة، أي الرئيس ماكرون، وفتح الباب بملء إرادته أمام بداية نهاية «العهد القوي»، إلا إذا ارتأى سلوك طريق الخيار الثالث من خلال موافقته على مضض على التشكيلة الوزارية لوضع الرئيس أديب في مواجهة مع البرلمان، رغم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري باقٍ على موقفه بإسناد وزارة المال إلى شخصية شيعية، ولم يفلح الرئيس الفرنسي في إقناعه بتعديل موقفه والسير قدماً إلى الأمام في تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن ماكرون اتصل ببري في أعقاب إصراره على أن تكون وزارة المال من حصة الشيعة، وهذا ما أبلغه لزعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، في اجتماعهما الذي عُقد ظهر أول من أمس (السبت)، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة.
وكشفت المصادر نفسها أن المعاون السياسي للرئيس بري، النائب علي حسن خليل، وقبل شموله بالعقوبات الأميركية، كان قد زار مع حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، وبناءً على طلبهما، الرئيس أديب، وسلّماه لائحة تضم أسماء عدة من المرشّحين الشيعة لتولّي وزارة المال من دون أن يكون هؤلاء من المنتمين حزبياً مباشرةً أو بصورة غير مباشرة إلى «الثنائي الشيعي».
وقالت إن هذه الأسماء من وجهة نظر «الثنائي الشيعي» تنطبق عليهم المواصفات والمعايير التي تؤكد أن صفتهم الحزبية منزوعة عنهم ويعود لأديب اختيار أحدهم، ورأت أن هذا الثنائي مع تسهيل مهمة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة لتفادي الصدام السياسي مع ماكرون باعتبار أنه يقف وراء المبادرة الإنقاذية لوقف الانهيار المالي والاقتصادي.
واعتبرت هذه المصادر أن «الثنائي الشيعي» لم يقفل الباب في وجه أديب وأبدى كل مرونة، لكنه سرعان ما اضطر إلى تبديل موقفه على خلفية رفضه للعقوبات الأميركية على النائب خليل وبالتالي تمسكه بموقفه في وجه هذه العقوبات، وصولاً إلى شد العصب الشيعي وعدم الرضوخ للإملاءات الأميركية.
وبكلام آخر، فإن الموقف الشيعي قبل شمول النائب خليل بالعقوبات الأميركية لم يعد قائماً كما كان بعد صدورها، خصوصاً أن بري أكد لماكرون الذي اتصل به إصراره على إسناد وزارة المال إلى شخصية شيعية وإلا ينأى بنفسه عن التدخل في تشكيل الحكومة أو المشاركة فيها من دون أن يعيق إقرار التشريعات الإصلاحية في حال إحالتها على البرلمان.
ولم يكتفِ ماكرون بالاتصال ببري وإنما أوعز إلى فريقه الذي اختاره لمساعدته في الملف اللبناني بضرورة التواصل مع قيادة «حزب الله» من خلال السفير الفرنسي في بيروت فورنو فوشيه، للوقوف على رأيها، مع أنها كانت قد اتخذت قرارها بالتموضع تحت عباءة رئيس المجلس لينوب عنها في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة.
كما أن ماكرون كلّف مستشاره الخاص سفير فرنسا السابق في لبنان إيمانويل بون، بالتواصل مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، رغم أن الأخير كان اتخذ قراره بعدم المشاركة في الحكومة، محذّراً من تفويت الفرصة التي قد تكون الأخيرة لإنقاذ لبنان، لأن عدم الالتزام بها سيواصل انزلاق البلد نحو الهاوية لغياب من ينوب عن ماكرون لتولّي الجهود لوقف الانهيار.
لذلك تسأل مصادر مواكبة للمشاورات الجارية في اللحظة الأخيرة لإنقاذ المبادرة الفرنسية وترجمتها بتشكيل حكومة مُهمّة لتنفيذ الإصلاحات التي تتيح للبنان الإفادة من دعم المؤتمر الدولي الذي يتولى ماكرون التحضير له، تسأل عما إذا كان موقف «الثنائي الشيعي» غير قابل للتعديل مع أنه يدخله في اشتباك سياسي مع ماكرون في ظل غياب البديل، وبالتالي التفريط بعلاقته مع فرنسا والإطاحة بعودة الاهتمام الدولي بلبنان؟
إلا أن بري، كما تقول المصادر، لن يدخل بالنيابة عن «الثنائي الشيعي» في مواجهة مع ماكرون، وتعزو السبب إلى أن المشكلة داخلية وليست فرنسية، وأنه أول من أيّد ودعم التحرك الفرنسي باعتبار أنه يشكّل الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والتي بلغت ذروتها بعد الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت والذي أملى على البلد والحكومة مهام جديدة أولاها إعادة إعمار ما أصاب بيروت من دمار، ناهيك بأن بري الذي تربطه علاقة وطيدة بفرنسا لن يوفّر الذرائع لمن يخطط للإطاحة بهذه المبادرة لوأدها في مهدها قبل أن تُترجم إلى خطوات عملية تكون بمثابة برنامج للانتقال بلبنان إلى مرحلة تؤشر ببدء الانفراج والتعافي.
أما على المقلب الآخر، فإن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قدّم نفسه في كلمته إلى المحازبين والمناصرين ومن وجهة نظر خصومه على أنه «الملاك الحارس» لدعم المبادرة الفرنسية، رغم أنه غمز من قناة الرئيس المكلف بعدم التشاور كما يجب مع رئيس الجمهورية حول تشكيل الحكومة، وسأل: لماذا يراد حشره؟ وأيضاً لماذا تغييب الكتل النيابية عن المشاورات وهي وحدها المعنية بمنح الحكومة الثقة؟
وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» أن أديب تشاور مع معظم الكتل النيابية بناءً على طلبها وأن مشكلة باسيل تكمن في أنه يطلب منه بدعوته بذريعة أنه يتزعّم أكبر كتلة نيابية، إضافة إلى أن توسيع المشاورات يمكن أن يُكثِر من يشارك فيها الطلبات التي من غير الجائز التسليم بها، خصوصاً إذا ما تجاوزت الخطوط الحمر التي رسمها ماكرون لإنجاح مبادرته.
وعليه، يبقى السؤال: كيف سيتعاطى عون مع أديب الذي يُفترض أن يلتقيه في أي لحظة؟ هل سيتجاوب بلا أي تحفّظ مع المبادرة الفرنسية أو أنه سيطلب تمديد المشاورات لعله يتمكن من تحسين شروطه في التشكيلة الوزارية؟ وإن كان يعلم سلفاً أن محاولةً كهذه سترتدّ عليه ولا يملك ما يسمح له بتسديد الكلفة السياسية المترتبة على تأجيل ولادة الحكومة، وأيضاً كيف ستتعاطى طهران مع ماكرون؟ وهل تتدخل لدى «حزب الله» لتسهيل مهمته لأن لا علاقة له بالعقوبات الأميركية؟



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».