سوء الأحوال المعيشية يوحّد الليبيين

وحدت الأوضاع المعيشية السيئة غالبية المدن الليبية، في ظل انقسام سياسي حاد تشهده البلاد، ودفعت الأزمات المتلاحقة التي تتنقل من منطقة إلى أخرى، شباب هذه المدن إلى الشوارع، في تحرك بدا نادراً في جوانب منه، قصد المطالبة بتحسين مستوى الخدمات والتصدي لـ«الفساد» الذي يقولون إنه «تفشى في مؤسسات الدولة».
ويرى المتابعون لحركة الاحتجاجات الشبابية التي خرجت في غرب البلاد وشرقها بالتزامن مع اجتماعات نخبوية في عواصم عربية وأوروبية، وانتقلت بالتبعية إلى جنوبها، أنها جاءت وفقاً لمعاناة جمعية يحركها «تزايد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، كنقص السيولة، وانقطاع التيار الكهربائي، وشح المياه»، فضلاً عن «غياب دور الأجهزة الحكومية في التخفيف من وطأة هذه الأزمات». ولم تسلم هذه الأجهزة من اتهامات المحتجين بـ«الفساد».
ويقول سياسي ليبي ينتمي إلى غرب البلاد لـ«الشرق الأوسط» إن «موجات المحتجين الذين ينزلون إلى الشارع كل مساء باتت ظاهرة تعبر عن سلوك رافض للمشهد السياسي الراهن وغير مهتم بما يجري من لقاءات سياسية لتقسيم المناصب». ورأى أن هذه الظاهرة «مرشحة للزيادة في قادم الأيام نظراً لعدم قدرة الحكومتين في شرق البلاد وغربها على تنفيذ مطالب المحتجين، أو التصدي للفساد».
وبالتزامن مع هتافات مئات المتظاهرين في شرق ليبيا ضد الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، وبعد احتجاجات شهدتها العاصمة طرابلس لأيام عدة ضد حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، انتقلت هذه الاحتجاجات إلى وادي البوانيس، إحدى مناطق الجنوب الليبي الذي يشكو منذ سنوات عدة من «التهميش والتمييز وغياب مؤسسات الدولة وارتفاع أسعار الوقود، وغلاء الأسعار».
وهذا الوادي المترامي في الصحراء، يضم مجموعة قرى هي سمنو والزيغن وتمنهت، ويمتد على مسافة نحو 50 كيلومتراً، ويبعد عن مدينة سبها 80 كيلومتراً. وكغيره من مناطق الجنوب يعاني من نقص الوقود الذي يباع في السوق الموازية بأسعار مضاعفة عنه في وسط البلاد. ونظم مجموعة من مواطني المنطقة أطلقوا على أنفسهم «حراك شباب وادي البوانيس» وقفة احتجاجية على الطريق العام في منطقة سمنو، مطلع الأسبوع، تنديداً بـ«تردي الأوضاع المعيشية والخدمية في المنطقة»، مهددين بقطع شبكة الإنترنت عن المناطق المحيطة، وتعطيل شاحنات الوقود التي تمر بمناطقهم.
وتلا أحد المحتجين بياناً باسم مواطني الوادي موجهاً إلى حكومتي الثني والسراج، قائلاً إنهم يعيشون «ظروفاً قاهرة ومزرية بسبب نقص الوقود وانعدام الكهرباء، مما تسبب بتعطيل مظاهر الحياة ونقص في الغذاء والدواء». واعتبر أن «جنوبنا الحبيب يتعرض لتهميش فاق التوقعات من إغلاق لمحطات الوقود وزيادة انتشار ظاهرة التهريب واستغلال النفوذ، وانتشار السوق السوداء، بجانب انقطاع الكهرباء لأيام متواصلة».
وطالب محتجون بمساواتهم ببقية المدن والبلديات، لافتين إلى أنهم يشاهدون «أكثر من 30 شاحنة لنقل الوقود بشكل يومي مروراً بوادي البوانيس من دون معرفة وجهتها ومكان تسلمها».
ودعا الحراك «الشباب والهيئات والجهات ذات الاختصاص كافة للتكاتف وتشكيل لجان مدنية للتنظيم ومتابعة سير نقل الوقود والحيلولة دون وصوله إلى غير مكانه الأصلي». وحذروا من «استمرار تهميش مناطق البوانيس والجنوب»، قبل أن يهددوا بأنه في حال عدم تحقيق مطالبهم في غضون يومين، فإنهم «سيضطرون آسفين إلى قطع شبكة الإنترنت عن المنطقة، وتعطيل شاحنات الوقود المتجه إلى مناطق التهريب». وعبر كثير من الليبيين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن امتعاض من تعدد لقاءات الساسة خارج البلاد في المغرب ومصر وسويسرا، وما صدر عنهم من توصيات وترشيحات أربكت المشهد العام، وأوحت أن هناك «حالة لهاث» على المناصب، وفقاً لخريطة يجري رسمها للبلاد. وزاد هذا الانطباع حالة الاحتقان في الشارع الليبي، خصوصاً أنه يتواكب مع تزايد الأزمات، وارتفاع نسبة البطالة وتفشي فيروس «كورونا».
وشهدت مدن بوزنيقة المغربية، والعاصمة المصرية القاهرة، ومونترو السويسرية، لقاءات عدة بين وفود تمثل مجلس النواب في طبرق، وحكومة «الوفاق» والمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في طرابلس، وخرج عن كل منها تصريحات وتوصيات وبيانات أدت إلى ردود أفعال متباينة ومشككة.