تسهم الأدوية الحديثة في إنقاذ حياة ملايين الأشخاص سنوياً. وعلى الرغم من ذلك، قد تجدون أنّ دواءً معيّناً ساعد في علاج أشخاص آخرين، لم يكن فعّالاً في حالتكم، أو أدّى إلى شعوركم بعوارض جانبية شديدة لم يولّدها لدى شخص آخر.
العمر، ونمط الحياة، والصحّة... كلّها عوامل تؤثّر في استجابة الإنسان للدواء، تُضاف إليها الجينات. وهنا يأتي دور علوم «الجينات الصيدلية»، أي دراسة تأثير جينوم الفرد على استجابته للأدوية.
الطب الدقيق
> ما هو الطبّ الدقيق (precision medicine)؟ يهدف الطبّ الدقيق إلى إضفاء نوعٍ من الخصوصية على العناية الصحية من خلال وضع قرارات وتحديد علاجات خاصّة لكلّ فرد وبكلّ الوسائل المتاحة. ويشكّل علم الصيدلة الجيني جزءاً من الطبّ الدقيق.
يُعد فحص الجينوم الشخصي تطوّراً علمياً حديث العهد إلى حدّ ما في عالم العلاج بالدواء، ولكنّه يشهد توسّعاً سريعاً. في الوقت الحالي، ترد في نشرات أكثر من 200 دواء معلومات مرتبطة بالمؤشرات الحيوية الدوائية، وهي بعض المعلومات الجينية القابلة للقياس والتعريف التي يمكن استخدامها لتحديد الدواء الفعّال لكلّ فرد.
> لماذا تعتبر المعلومات الجينومية مفيدة؟ تقدّم كلّ جينة في الجسم خطّة إنتاج بروتين معيّن قد يلعب دوراً مهماً في العلاج الدوائي لسبب واحد أو عدّة أسباب، أبرزها:
- يلعب البروتين دوراً في تحلّل الدواء.
- يساعد في امتصاص أو نقل الدواء.
- قد يكون البروتين هو هدف الدواء.
- قد يلعب دوراً ما في مجموعة من الأحداث البروتينية التي يسبّبها الدواء.
الجينوم ووصف الدواء
عندما يقارن الباحثون جينومات أشخاصٍ يتناولون نفس الدواء، قد يكتشفون أنّ مجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون في متغيرات جينية معيّنة يتشاركون أيضاً نفس الاستجابة للدواء، التي قد تتجلّى كما يلي:
> خطر أكبر بالشعور بأعراض جانبية.
> الحاجة إلى جرعة أكبر لالتماس تأثير علاجي.
> لا فائدة من العلاج.
> فائدة أكبر من العلاج.
> المدّة المثلى للاستفادة من العلاج.
يستخدم العلماء اليوم هذا النوع من المعلومات لتحسين اختيار وتحديد جرعات الأدوية لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الصحية كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة وعدوى فيروس نقص المناعة البشري والسرطان والتهاب المفاصل وارتفاع معدّل الكوليسترول والاكتئاب.
في علاجات السرطان، يوجد جينومان يؤثّران على قرارات الأطباء في وصف الأدوية وهما: جينوم الشخص المصاب بالسرطان (جينوم السلالة الجرثومية germline genome) وجينوم الورم السرطاني (الخبيث) (الجينوم الجسدي somatic genome).
تعدّدت أسباب السرطان ولكنّ معظم أنواعه مرتبطة بتلف في الحمض النووي يؤدّي إلى نموّ الخلايا بشكل غير طبيعي. وتشكّل المادّة الجينية «غير الصحيحة» للنمو غير الطبيعي، أي الورم الخبيث، جينوماً منفصلاً قد يمنح الأطبّاء إشارات إلى العلاج.
جينات «صيدلية»
> كيف تُمارس علوم «الجينات الصيدلية» عملياً؟ أحد الأمثلة هنا هو استخدام اختبار الـ«ثيوبرين ميثيل ترانسفيراز» thiopurine methyltransferase (TPMT) لفحص الأشخاص المرشّحين لتلقّي عقار «ثيوبرين»، الذي يوصف لعلاج بعض اضطرابات المناعة الذاتية وداء كرون والتهاب المفاصل الروماتيدي، بالإضافة إلى بعض أنواع السرطان كاللوكيميا عند الأطفال.
يساعد أنزيم الـ«ثيوبرين ميثيل ترانسفيراز» (TPMT) في تحلّل عقار الثيوبرين. لهذا السبب، فإنّ الأشخاص الذين يعانون نقصاً في هذا الأنزيم تعجز أجسادهم عن تفكيك العقار والتخلص منه بسرعة كبيرة.
وبالنتيجة، يصبح تركيز العقار مرتفعاً جداً في الجسم ما يزيد خطر معاناة الشخص من الأعراض الجانبية كتضرّر نخاع العظم (تكوّن الدمّ السمّي).
تساعد الاختبارات الجينية في تحديد الأشخاص الذين يعانون من نقص أنزيم TPMT لتمكين الأطبّاء من اتخاذ الخطوات اللازمة لتقليل خطر الآثار الجانبية كوصف جرعات قليلة من أدوية الثيوبرين أو استبدال أدوية أخرى بها.
> مستقبل علوم «الجينات الصيدلية». لا تزال علوم «الجينات الصيدلية» في مراحلها الأولى على الرّغم من أنّها تحمل وعوداً عظيمة، وأحرزت تقدّماً كبيراً في السنوات الأخيرة. تحتاج هذه العلوم إلى مزيد من التجارب السريرية ليس للعثور على روابط بين الجينات وعواقب العلاج فحسب، بل أيضاً للتأكيد على النتائج الأولية التي أحرزتها، وتوضيح معنى هذه الروابط وترجمتها إلى قواعد إرشادية لوصف الأدوية.
ومع ذلك، يشير التقدّم في هذا المجال إلى مستقبل سيصبح فيه عالمو «الجينات الصيدلية» جزءاً لا يتجزّأ من منظومة العناية الصحية ولو للعمل في عدد محدّد من الأدوية والعلاجات.
- خدمة «تريبيون ميديا»