قمة أوروبية مصغرة ضد الطموحات التركية في «المتوسط»

ماكرون يدعو إلى «التكلم بصوت واحد وواضح» ضد إردوغان

الرئيس الفرنسي ماكرون يقود مسيرة دول الجنوب الأوروبي في التعامل مع تركيا (رويترز)
الرئيس الفرنسي ماكرون يقود مسيرة دول الجنوب الأوروبي في التعامل مع تركيا (رويترز)
TT

قمة أوروبية مصغرة ضد الطموحات التركية في «المتوسط»

الرئيس الفرنسي ماكرون يقود مسيرة دول الجنوب الأوروبي في التعامل مع تركيا (رويترز)
الرئيس الفرنسي ماكرون يقود مسيرة دول الجنوب الأوروبي في التعامل مع تركيا (رويترز)

استبق الرئيس الفرنسي انطلاق قمة مجموعة السبع الأورومتوسطية غير الرسمية، عصر أمس، في جزيرة كورسيكا، لوضع النقاط على الحروف وللكشف عما ينتظره من نظرائه رؤساء دول وحكومات الستة (إيطاليا، إسبانيا، مالطا، اليونان، قبرص والبرتغال).
اللهجة التي استخدمها ماكرون، كما هو واضح، أراد تشديد الضغوط على الدول المشاركة لدفعهم لاتخاذ موقف متشدد من أنقرة التي ترى فيها باريس «تهديدا استراتيجيا لمصالح أوروبا وسيادتها» في مياه المتوسط. وما سعى إليه ماكرون كذلك التوصل إلى قيام «كتلة متوسطية» قادرة على دعم الخط الصارم إزاء أنقرة في القمة الأوروبية الشاملة المنتظرة يومي 24 و25 الجاري والتي ستكون إحدى مهماتها احتمال إقرار العقوبات المتوقعة على تركيا في حال رفضها التجاوب مع التحذيرات والمطالب الأوروبية. من هنا، دعوة ماكرون أمس لأوروبا «للتكلم بصوت واحد وواضح» وللأوروبيين لأن يكونوا «واضحين وصارمين مع إردوغان الذي يقوم بتصرفات لا يمكن قبولها».
وإذ اعتبر الرئيس الفرنسي أن الرئيس التركي «لم يعد شريكا لأوروبا في المنطقة» بالنظر لما يقوم به من انتهاك سيادة عضوين في الاتحاد الأوروبي هما قبرص واليونان من خلال التنقيب عن النفط والغاز في مياههما الإقليمية، فقد حثه على «توضيح نواياه».
ورغم التحذيرات الواضحة وتنديده الأربعاء الماضي بـ«الإغراءات الإمبريالية لقوى متوسطية كبرى»، فإن ماكرون لم يغلق نهائيا باب الحوار مع إردوغان الذي سبق له وحمله «مسؤولية تاريخية مجرمة» بسبب الدور الذي يلعبه في ليبيا ومياه المتوسط. وخلاصة الرئيس الفرنسي أمس أنه يتعين على أوروبا أن تدافع عن مصالحها الاستراتيجية وفي قطاع الطاقة باعتبار أن ذلك يمس «السيادة الأوروبية».
تقول مصادر دبلوماسية في باريس إن مشكلة فرنسا التي تنهج خطا متشددا إزاء تركيا منذ عامين على الأقل تكمن في الانقسامات الأوروبية وخصوصا في اختلاف وجهات النظر بينها وبين ألمانيا. فعندما أرسلت فرنسا قطعا بحرية وجوية للتعبير عن مساندتها لليونان بوجه ما تراه من تهديدات تركية، لم يتردد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في انتقاد «نشر القوات» والتحذير من احتمال أن تكون شرارة لاندلاع نزاع في المتوسط الشرقي. كذلك، فإن اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد بينت عن انقسام عامودي بين من يدعو للتشدد وفرض عقوبات على أنقرة وبين من يفضل التوسط والدبلوماسية وهو الخط الذي اختارته ألمانيا.
ولذا، فإن آخر اجتماع افتراضي لهؤلاء مساء 14 أغسطس (آب) الماضي الذي أعرب عن «التضامن التام» مع اليونان، نقل ملف العقوبات إلى رؤساء الدول والحكومات بعد أن اتفق «مبدئيا» على فرضها في حال «لم تتراجع» أنقرة عن الأعمال والإجراءات التي توتر علاقاتها. ونظرا إلى هذا التأجيل على أنه محاولة أوروبية لكسب الوقت وإعطاء المجال للوساطة الألمانية لتنجز شيئا ما قبل الوصول إلى سيف العقوبات. منذ أن عاد التوتر بين أنقرة من جهة ونيقوسيا وأثينا من جهة أخرى، طلب من وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل أن يقدم «مقترحات» بشأن العقوبات. والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع إذ أن الاتحاد فرض على أنقرة عقوبات صيف العام الماضي بسبب أنشطتها التنقيبية في المياه القبرصية.
وتناولت هذه العقوبات خفض المساعدات المقررة لأنقرة بما قيمته 145 مليون يورو من المغلف الخاص لتحضيرها للدخول إلى الاتحاد وكذلك القروض التي كانت تحصل عليها من بنك الاستثمار الأوروبي إضافة إلى وقف التفاوض معها بشأن التوصل إلى اتفاق حول «السماء المفتوحة» «النقل الجوي» وفرض عقوبات على مسؤولين اثنين في شركة على علاقة بالتنقيب. وفي حال أقرت قمة الـ27 القادمة فرض عقوبات اقتصادية وتجارية، فإن مروحتها واسعة وما عرف منها خفض المساعدات المالية واستهداف الشركات والمسؤولين والأفراد الضالعين في التنقيب ومنع البواخر التركية من الدخول إلى الموانئ الأوروبية واستهداف قطاعات محددة من الاقتصاد التركي.
وثمة تدابير إضافية تستطيع أوروبا اللجوء إليها في حال توافرت «الإرادة السياسية» أوروبيا ومنها التهديد بوقف نهائي لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد وفرملة الاستثمارات في اقتصادها ووضع حد لعدد من قطاعات الشراكة بين الطرفين أو البرامج المختلفة التي تشارك فيها أنقرة وليس آخرها تلك الخاصة بالمجال الدفاعي... ويستطيع الأوروبيون فرض «عزلة» دبلوماسية على أنقرة والضغط عليها من داخل الحلف الأطلسي. ويرى اقتصاديون وجود «تبعية» تركية إزاء الاقتصاد الأوروبي حيث إن تركيا عضو في الاتحاد الجمركي الأوروبي وهي تصرف 40 في المائة من صادراتها في أوروبا. ولذا، فإن فعالية العقوبات تكمن في أن تكون «مؤلمة» لأنقرة حتى تؤخذ بعين الاعتبار. بيد أن كل هذه الاحتمالات مرهونة بوجود «توافق» أوروبي باعتبار أن العقوبات تفترض موافقة أوروبية جماعية حتى يعمل بها.
وفي حال تبين لمجموعة من الدول استحالة توفرها، فإنها قادرة على فرض عقوبات من خارج الاتحاد. لكن عددا من البلدان الأوروبية تتخوف من ابتزاز تركيا لأوروبا في موضوع الهجرات واللاجئين إن عبر حدودها المشتركة مع اليونان، كما حصل في شهر مارس (آذار) الماضي، أو عبر ليبيا أو حتى من «تأليب» الجاليات التركية المتواجدة في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا حيث يعيش ما لا يقل عن 2.5 مليون تركي هو ما لا ترغب به أنجيلا ميركل خصوصا قبل حوالي العام على انتهاء مهمتها على رأس المستشارية. ثمة قناعة متجذرة فحواها أن الاتحاد الأوروبي «مارد اقتصادي لكن رجليه من طين». وما يسعى إليه الرئيس الفرنسي أن يغير هذا الوضع استشعارا منه أن تركيا ستكون منافسا استراتيجيا لأوروبا للعقود القادمة في المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا.
والقناعة الأخرى أن الرئيس إردوغان، كما يقول مستشارو ماكرون، «لا يفهم سوى سياسة ميزان القوى» ويمارس سياسة فرض الأمر الواقع. وبالنظر لعدم التكافؤ العسكري بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى، فإن أنقرة تستطيع إرسال سفينة المسح الجيولوجي أينما أرادت مصحوبة بأرمادا من القطع البحرية العسكرية وتستطيع أن تصم أذنيها عن النداءات والتحذيرات بانتظار أن تستفيق أوروبا. ولذا، فإن اليونان تسارع لشراء ما تستطيعه من طائرات وفرقاطات متوجهة بالدرجة الأولى لفرنسا حيث التقى رئيس وزرائها بـماكرون قبل بدء قمة السبع وعلى جدول اللقاء مشتريات أثينا الدفاعية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».