تعويل فرنسي على قمة متوسطية لتوجيه رسائل حازمة إلى تركيا... وأوروبا

جانب من مناورات يونانية - فرنسية - إيطالية - قبرصية في المتوسط نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
جانب من مناورات يونانية - فرنسية - إيطالية - قبرصية في المتوسط نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

تعويل فرنسي على قمة متوسطية لتوجيه رسائل حازمة إلى تركيا... وأوروبا

جانب من مناورات يونانية - فرنسية - إيطالية - قبرصية في المتوسط نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
جانب من مناورات يونانية - فرنسية - إيطالية - قبرصية في المتوسط نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

تسعى فرنسا إلى تحقيق مجموعة أهداف من خلال قمة دول جنوب أوروبا السبع، التي تجمعها إلى إيطاليا وإسبانيا واليونان ومالطا وقبرص والبرتغال، المسماة رسمياً «قمة دول جنوب الاتحاد الأوروبي»، والمقررة غداً (الخميس)، في منتجع بورتيتشيو في جزيرة كورسيكا المتوسطية الفرنسية.
وتحل القمة المذكورة، غير الرسمية، في نسختها السابعة، قبل 10 أيام فقط من القمة الأوروبية الجماعية التي سيكون تحديد السياسة الأوروبية إزاء تركيا أحد بنودها الرئيسية، بما في ذلك احتمال فرض عقوبات اقتصادية وتجارية عليها، بسبب أنشطتها في التنقيب عن الغاز والنفط في المياه القبرصية واليونانية.
والحال أن قمة السبع التي سيحضرها رؤساء دول وحكومات البلدان المعنية كافة، تخصص، بحسب ما صدر عن قصر الإليزيه، «بشكل أساسي لقضايا المتوسط»، وأن «دول مجموعة المتوسط السبع تتشارك الرغبة نفسها بإطلاق دينامية تعاون جديدة» في هذه المنطقة، «خصوصاً ما يتعلق بقضايا التنمية المستدامة والسيادة». وأضاف بيان الرئاسة الفرنسية أنه «في سياق التوترات في شرق المتوسط» ستسمح القمة بـ«الدفع قُدماً نحو توافق حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا».
واضح مما صدر عن القصر الرئاسي، أن باريس تسعى إلى الوصول إلى القمة الأوروبية بموقف موحد لمجموعة السبع، التي تضم الأطراف الدافعة باتجاه سياسة متشددة إزاء تركيا. وحتى تاريخه، ورغم الاجتماعات الكثيرة التي عقدت في إطار الاتحاد الأوروبي، لم ينجح الأوروبيون بعد في التوصل إلى موقف موحد، رغم الإشارات المتلاحقة لاستعدادهم لفرض عقوبات اقتصادية وتجارية على تركيا التي تضرب عرض الحائط بتحذيراتهم.
وآخر ما صدر، جاء على لسان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي أكد عقب اتصال هاتفي مع الرئيس التركي، يوم الجمعة الماضي، على «التضامن الكامل» مع اليونان في نزاعها مع تركيا على مياه المتوسط الشرقي، واستعداد الأوروبيين للجوء إلى «سياسة العصا والجزرة»، في تلميح للعقوبات.
وكان الاتحاد قد كلف وزير خارجيته الإسباني جوزيف بوريل إعداد اقتراحات بشأن تركيا، بحثها وزراء خارجية دول الاتحاد في آخر اجتماع لهم نهاية الشهر الماضي، وقرروا نقلها لرؤساء الدول والحكومات للبتّ فيها، وهو ما سيحصل في قمتهم المقبلة.
حتى اليوم، تبدو باريس معزولة بعض الشيء داخل المجموعة الأوروبية. وليس سراً أن الرئيس إيمانويل ماكرون يمثل السياسة الأكثر تشدداً إزاء تركيا، ودعا شخصياً إلى فرض عقوبات على أنقرة، وكذلك فعل وزيرا الخارجية والدفاع. والأهم من ذلك أن باريس تستشعر أكثر من غيرها «التهديد الاستراتيجي التركي» لأمن المتوسط ولمصالح أوروبا فيه، وفي البلدان الموجودة على ضفته الجنوبية نزولاً إلى أفريقيا.
وتربط باريس سياسة تركيا في المياه المتوسطية بدورها المتنامي في ليبيا وشمال أفريقيا وسعيها للحصول على قواعد عسكرية دائمة. وإذا كان الملف الليبي قد تراجع نسبياً في الآونة الأخيرة بعد الضغوط الدولية التي ساهمت في صمود الهدنة التي أعلنها الطرفان المتقاتلان، كل من جانبه، وتبريد الجبهات وانطلاق محادثات متواضعة بينهما في المغرب، إلا أنه يبقى حاضراً بقوة.
واللافت أن ماكرون سيجري محادثات منفصلة مع رئيس الوزراء اليوناني، ما يدل مرة أخرى على الأهمية التي يوليها لأثينا وحرصه على الوقوف بجانبها في مواجهة «استفزازات تركيا». وسبق لفرنسا أن أرسلت مرتين قطعاً بحرية وجوية في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) لتحقيق «التوازن» الميداني مع تركيا.
ولا شك أن عزم أثينا على تسريع مشترياتها الدفاعية سيكون موضع بحث بين ماكرون ورئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتيوتاكيس. ويرجح أن أثينا تسعى إلى شراء ما بين 12 و18 طائرة «رافال» التي أرسلت باريس مؤخراً اثنتين منها إلى اليونان، إضافة إلى فرقاطة حديثة من طراز «لافاييت» وحاملة طوافات للمشاركة في مناورات مع قطع يونانية وقبرصية وإيطالية.
وكان الجانب اليوناني يفاوض لشراء فرقاطتين فرنسيتي الصنع. إلا أنه تخلى عن هذا المشروع لصعوبات مالية. لكن قرار الحكومة اليونانية استخدام جزء من احتياطياتها النقدية للتسلح بمواجهة التهديدات التركية ربما يدفعها لفتح ملف الفرقاطات مجدداً. وعندما تتحدث باريس عن موضوع «السيادة» في المتوسط، من زاوية اعتبارها أن ما تقوم به تركيا في المياه القبرصية واليونانية هو اعتداء على السيادة الأوروبية، وبالتالي لا يمكن التساهل بشأنه.
تبدو المفارقة في قمة الخميس، وهي السابعة من نوعها، أن اليونان ستكون محورها مجدداً، مثلما كانت القمة الأولى التي عقدت في أثينا في 2016 بطلب من اليونان التي كانت تواجه أزمة اقتصادية ومالية حادة لم تخرج منها إلا بدعم أوروبي وبسياسة تقشفية حادة، بينما تواجه اليوم أزمة سيادة ودفاع عن حقوقها في مياهها الإقليمية.
ورغم أن الرأي الغالب أن الحرب بين تركيا واليونان ليست وشيكة، فإن الحشد العسكري للطرفين قد يحول أي حادثة أو تفسير خاطئ لما يقوم به أحد الطرفين إلى شرارة لاندلاع نزاع لا يريده الطرف الأوروبي، ويسعى أمين عام الحلف الأطلسي إلى استبعاده من خلال جهوده لجمع الطرفين في محادثات «تقنية» لتلافي هذا النوع من التهديدات.
من هنا، فإن باريس، كما تقول مصادر دبلوماسية فيها، تريد من قمة جزيرة كورسيكا أن توجّه من جهة «رسائل حازمة» إلى تركيا، ومن جهة أخرى إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي المنقسمة على نفسها من أجل التضامن مع اليونان وقبرص عملياً، وليس فقط من خلال البيانات، وللتأكيد على وجود «إرادة سياسية» تترجم بعدم التراجع والسير بفرض عقوبات على أنقرة رغم المخاوف الأوروبية من استخدام تركيا ملف الهجرات مجدداً لابتزاز اليونان، وعبره بقية الدول الأوروبية، كما فعلت في مارس (آذار) الماضي عندما أرسلت عشرات الآلاف من اللاجئين بحافلات حكومية إلى الحدود المشتركة مع اليونان للضغط على أثينا، وعلى العواصم الأوروبية الأخرى.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».