تفاهمات بين بغداد وأربيل بشأن النفط والمنافذ والرواتب

الحكومة الاتحادية وافقت على دفع المستحقات المتأخرة لموظفيها في الإقليم

TT

تفاهمات بين بغداد وأربيل بشأن النفط والمنافذ والرواتب

بعد نحو شهر مما وصف بأنه حرب بيانات بين الحكومتين الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل بشأن آلية تنظيم الموارد المالية والمنافذ الحدودية، يعود الطرفان إلى مائدة الحوار مرة أخرى بعد عدة جولات خلال الشهور الماضية.
وبدأ وفد كردي برئاسة قوباد طالباني نائب رئيس حكومة الإقليم مباحثات أمس الثلاثاء في بغداد مع الحكومة الاتحادية وصفت بالإيجابية. وتأتي هذه المباحثات التي تنحصر في الخلافات المعروفة بين الطرفين سواء ما يتعلق منها بالدستور وبالذات المادة 140 منه التي تخص المناطق المتنازع عليها أو القضايا التي طرأت فيما بعد وهي التي تتعلق بالنفط ورواتب موظفي الإقليم وإدارة المنافذ الحدودية والموارد المالية.
وكانت حكومة كردستان انتقدت في 13 أغسطس (آب) موقف الحكومة الاتحادية حيال حقوق الإقليم. وقال بيان لمجلس وزراء الإقليم إن «حكومة إقليم كردستان لم تُبقِ أي مسوّغ دستوري أو قانوني أو إداري أو مالي إلا وقدمته خلال المباحثات من أجل التوصل إلى اتفاق، وقد وافق الإقليم على جميع شروط الحكومة الاتحادية في إطار الدستور، غير أن الحكومة الاتحادية، وللأسف، لم تبدِ ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر أي استعداد لإرسال الجزء الذي كانت ترسله من الرواتب، مما أدى إلى عدم تمكن حكومة الإقليم من صرف المستحقات المالية لمن يتقاضون الرواتب، وألقى ذلك بظلاله وآثاره السلبية على الوضع المعيشي بالنسبة لمستحقي الرواتب في خضم الوضع الصحي الشاق الذي يواجهه الإقليم».
أما الحكومة المركزية في بغداد فقالت من جهتها، في حينه، إنها «تؤكد أن الحوار قطع أشواطا متقدمة، وإن الحكومة الاتحادية انطلقت منذ بداية الحوار من الحرص على حقوق مواطني إقليم كردستان العراق، وضمان تأمين مرتباتهم خصوصاً بعد ما تبين لها عدم وصول الدفعات المالية المرسلة إلى وزارة مالية الإقليم إلى كل المستحقين، بالإضافة إلى تلقيها طلبات موقعة من عشرات الآلاف من موظفي الإقليم لتحقيق ربط مرتباتهم عبر الآلية المصرفية».
وبرغم الأجواء التي تلبدت بالغيوم قبل نحو شهر أعلن سمير هورامي، المتحدث باسم نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، قوباد طالباني، أن «المؤشرات إيجابية حتى الآن»، مبيناً أن «وفد الإقليم أبدى استعدادا لتعاون كبير في مسألة الإيرادات النفطية وقضية المنافذ الحدودية والقضايا الأخرى». ولفت إلى أنه «تم الاتفاق على تشكيل لجان رئيسية وفرعية، مهمتها مراجعة جميع الملفات الخاصة بالنفط والغاز والمنافذ الحدودية والموازنة، ووضعها على طاولة الحكومتين في بغداد وأربيل من أجل الاتفاق الشامل وفقا للدستور».
إلى ذلك، أعلن ثلاثة من النواب الكرد في البرلمان العراقي عن موافقة الحكومة الاتحادية على دفع رواتب الموظفين العاملين في الدوائر الاتحادية في إقليم كردستان للشهور الأربعة الماضية. وفي بيان مشترك أعلن النواب أحمد حاجي رشيد، وغالب محمد، وسركوت شمس الدين إنه «تم حسم رواتب الدوائر الخمس الاتحادية في الإقليم وهي الجنسية والنفوس والجوازات والإقامة». وأضاف البيان: «وفق قرار الموافقة سيتم إرسال مليار و800 مليون دينار إلى الإقليم عن راتب كل شهر لتلك الدوائر من دون أي استقطاعات لأي شهر من الأشهر الخمسة إذ لا توجد أي ذريعة للاستقطاع أو تأجيل الدفع».
وفي هذا السياق، أكد مسعود حيدر عضو البرلمان العراقي السابق والمستشار الحالي لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني لـ«الشرق الأوسط» أن «استمرار الحوار بشأن الملفات العالقة منذ كتابة الدستور هو بحد ذاته أمر إيجابي وتأكيد على وجود إرادة لدى الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم لمعالجة هذه الملفات». وحول الجديد الذي تتضمنه هذه الجولة من المباحثات بين الجانبين، يقول حيدر إن «الجديد هو تأكيد الجانبين على ضرورة معالجة المشاكل ضمن الإطار الدستوري والإطار الوطني العراقي»، مبينا أن «هنالك رؤى مشتركة فيما يتعلق بالخطوط العامة للمعالجة وهي بحاجة إلى إيجاد معالجات جوهرية لبعض التفاصيل، خصوصا فيما يتعلق بالملف الاقتصادي والذي يمكن اعتباره مدخلا أساسيا لمعالجة المشاكل الدستورية الأخرى».
وردا على سؤال بشأن أهم المشاكل بين الطرفين، يقول حيدر إن «المشاكل الأساسية هي موضوع المناطق الخاضعة للمادة 140 وحقوق البيشمركة والملف النفطي والمالي وفي بعض الأحيان الاختلاف بشأن الصلاحيات الفيدرالية وصلاحيات الإقليم»، موضحا أن «أصل الخلاف سياسي دستوري؛ وقد تم زعزعة الثقة بين مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية وحكم البلاد مما يتطلب إعادة بناء الثقة وترسيخ الشراكة والتوازن والتوافق سيعيد الثقة بين الجانبين ويسرع من معالجة القضايا العالقة في إطار الدستور».
بدورها، أكدت ريزان الشيخ دلير عضوة البرلمان العراقي عن الاتحاد الوطني الكردستاني لـ«الشرق الأوسط» أن «الوفد الكردي الموجود في بغداد سيناقش أول مسألة في غاية الأهمية وهي رواتب موظفي الإقليم التي يفترض ألا تخضع للخلافات كونهم مواطنين عراقيين وهذه مستحقات تم تثبيتها في الموازنة الماضية عام 2019»، مشيرة إلى أن «هناك مشاكل طرأت بين الجانبين لجهة تسليم موارد النفط من قبل حكومة الإقليم إلى بغداد أدت إلى مثل هذه التعقيدات وكذلك موضوع المنافذ الحدودية». وأضافت «بات من الضروري حل هذه المشاكل عن طريق الحوار الإيجابي بين الجانبين، خصوصا أننا سوف نبدأ بعد فترة قصيرة مناقشة موازنة العام القادم، وبالتالي لا بد من حسم كل المتعلقات». وبينت أنه «لا بد أن يكون الاتفاق مكتوبا حتى يكون ملزما للطرفين، بحيث لا يعود الجميع إلى المربع الأول عند حدوث أي خلاف بينهما».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.