ملادينوف يعلن اتفاقاً لعلاج مرضى غزة في الخارج

استئناف تحويلهم إلى إسرائيل والضفة

انتشار عناصر أمن في أنحاء غزة تزامناً مع العزل العام (رويترز)
انتشار عناصر أمن في أنحاء غزة تزامناً مع العزل العام (رويترز)
TT

ملادينوف يعلن اتفاقاً لعلاج مرضى غزة في الخارج

انتشار عناصر أمن في أنحاء غزة تزامناً مع العزل العام (رويترز)
انتشار عناصر أمن في أنحاء غزة تزامناً مع العزل العام (رويترز)

أعلن منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أنه تم الاتفاق على ترتيب مؤقت لعلاج مرضى غزة في الخارج.
وذكر ملادينوف، في تغريدة له عبر «تويتر»، أنه «تم الاتفاق على ترتيب مؤقت لدعم المرضى الفلسطينيين ومرافقيهم من قطاع غزة للوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية خارج القطاع». ولم يكشف المسؤول الأممي عن أي تفاصيل حول الاتفاق، لكنه شكر نائبه جيمي ماك غولدريك، ومكتب اليونيسكو العام، على عملهم الدؤوب مع جميع الأطراف بشأن هذا الاتفاق. ويدور الحديث عن علاج الغزيين -كما يبدو- في المستشفيات الإسرائيلية، وهو إجراء كان معمولاً به في السابق، قبل أن توقف السلطة التحويلات الطبية إلى إسرائيل، في أعقاب وقف التنسيق الأمني في مايو (أيار) الماضي، وكذلك في الضفة الغربية.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن إسرائيل ستسمح بدخول مرضى غزة إلى مستشفياتها. ويتلقى الغزيون علاجاً في المستشفيات الإسرائيلية، وفي مستشفيات الضفة الغربية، في ظل النقص الحاد في الكوادر والمعدات الطبية في القطاع المحاصر. وجاء هذا التطور في ظل اتفاق التهدئة الأخير في قطاع غزة الذي رعته قطر، ويشمل وقف التصعيد مقابل إدخال أموال وجملة من التسهيلات للقطاع. وألغت إسرائيل جملة العقوبات الأخيرة التي فرضتها على القطاع، وأعادت فتح المعابر، وضخت الوقود إلى القطاع، وسمحت للصيادين بالعودة إلى البحر، فيما تعمل الأطراف على تحويل محطة توليد الكهرباء إلى العمل عبر الغاز، وتسريع إقامة المستشفى الميداني الأميركي، إضافة إلى دخول 7 آلاف عامل من غزة إلى إسرائيل.
ودخول مرضى القطاع جزء من الاتفاق الذي تدخلت فيه كذلك الأمم المتحدة. وتفاقمت معاناة مرضى القطاع في الأشهر الأخيرة، بعد وقف التحويلات من القطاع، وتوجه مئات منهم للحصول على المساعدة من منظمات حقوق الإنسان. وكانت منظمات طبية لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان في غزة، قد حذروا من أن وضع سكان القطاع المحتاجين للعلاج خطير على نحو خاص، لأن معظمهم يعالج في مستشفيات الضفة الغربية ومستشفيات شرق القدس. ويحتاج كثير من الغزيين للانتقال خارج القطاع لتلقي العلاج لأمراض خطيرة، ومن بينهم مرضى السرطان. ورصد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بـقلقٍ شديدٍ «التراجع الخطير في الخدمة العلاجية المقدمة لمرضى السرطان في قطاع غزة، المتمثل في عدم توفر الخدمات التشخيصية الملائمة، ونقص العلاجات اللازمة حسب البرتوكولات المعمول بها، سواء العلاج الكيماوي أو الإشعاعي».
وأضاف أنه يخشى من انعكاس ذلك على حياة مرضى السرطان، في ظل ضعف المنظومة الصحية، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 14 عاماً، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً لحياة هؤلاء المرضى. ويوجد على الأقل 8 آلاف من مرضى السرطان يعانون بشدة بسبب عدم توفر العلاج اللازم لهم، في ظل القيود المشددة المفروضة على المعابر الحدودية لقطاع غزة، بعد إعلان حالة الطوارئ، ووقف التنسيق بين هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية المحتلة، وهي الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية منذ مطلع شهر مارس (آذار) وأواخر شهر مايو (أيار) 2020، على التوالي.
وقال إن هذه الإجراءات أدت إلى تراجعٍ غير مسبوق في أعداد المرضى المسافرين عبر معبر بيت حانون (إيرز) خلال الشهور الخمسة الأخيرة، مما انعكس سلباً على الأوضاع الصحية لمرضى السرطان الذين لا يتوفر لهم البديل العلاجي المكتمل الملائم في مشافي القطاع.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.