الحرائق تلتهم قلب سوريا

صورة تداولتها المواقع لحرائق محمية الشوح والأرز في صلنفة بمحافظة اللاذقية
صورة تداولتها المواقع لحرائق محمية الشوح والأرز في صلنفة بمحافظة اللاذقية
TT

الحرائق تلتهم قلب سوريا

صورة تداولتها المواقع لحرائق محمية الشوح والأرز في صلنفة بمحافظة اللاذقية
صورة تداولتها المواقع لحرائق محمية الشوح والأرز في صلنفة بمحافظة اللاذقية

التهمت نيران الحرائق على مدى أربعة أيام، أجمل غابات سوريا من شجر الصنوبر والسنديان والبلوط والشوح المُعمّرة، لتضاف كارثة جديدة إلى سلة الكوارث التي تعانيها البلاد جراء الحرب والحصار الاقتصادي، حيث أدت الحرائق التي ما تزال مشتعلة، إلى نزوح الأهالي من العديد من البلدات والقرى في منطقة الغاب وسط سوريا، بعد فقدان السيطرة وامتداد الحرائق إلى مساحات واسعة واقترابها من المنازل، ليل السبت - الأحد.
ولم تلق النداءات التي أطلقها الأهالي إلى قوات النظام وحليفه الروسي، لإرسال مروحيات تساعد في إخماد الحرائق في المناطق الجبلية الوعرة التي تعذر وصول فرق الإطفاء إليها، أي استجابة، بعدما امتد حريق صلنفة (باب جنة)، شرقاً، في السفوح المطلة على الغاب، مجتازاً جبال (الشعرة) حتى وصل إلى قرى الفريكة وعين بدرية بالجهة الشمالية الغربية من سهل الغاب.
مدير الموارد الطبيعية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، فايز محمد، أفاد بأن «عرض جبهة الحريق كبيرة ولا يمكن تقديرها والنيران وصلت إلى منازل الأهالي ودفعتهم إلى النزوح بمساعدة من فرق الإسعاف الموجودة في موقع الحريق، قبل أن يتم إخماد 75 في المائة منه. أما محافظ حماة محمد الحزوري الذي زار موقع الحريق في قرية الفريكة مساء اليوم الثالث لاندلاع الحرائق، فوصف الوضع في ريف حماه الغربي، بأنه «حرج»، مبيناً في تصريح للإعلام المحلي، أن النيران اشتعلت في قطاعين، هما قطاع الفريكة بمنطقة الغاب وقطاع ثان بريف مصياف، حيث جرى تحييد النيران عن المناطق السكنية بالجبل التي يصعب الوصول إليها لوعورة المنطقة. أما في قطاع الفريكة فقد جرى إخلاء الأهالي مع طلب مؤازرات من المحافظات للمساعدة في السيطرة على الحريق. ونفى المحافظ وجود «تقصير» في تعامل فرق الإطفاء وفرق المؤازرة ووزارة الزراعة أو أي جهة، ولكن «وعورة المنطقة تلعب دوراً بعدم القدرة على السيطرة على النيران»، بحسب كلام المحافظ الذي جاء متناقضاً مع إطلاق الصفحات الإخبارية المحلية على (فيسبوك) ليل السبت - الأحد، نداءات استغاثة لنقل الأهالي في مناطق صلنفة ومصياف ومحمية الأرز، مطالبين كل شخص يملك سيارة بالتوجه إلى تلك المناطق وعدم انتظار وصول مؤازرة الجهات الحكومية التي تأخرت كثيراً.
وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أفادت، أمس الأحد، أن فرق الإنقاذ تمكنت من إخماد الحريق الضخم في حراج منطقة بيرة الجرد في اليوم الرابع لاندلاع الحريق. ونقلت «سانا» عن مدير مركز حماية الغابات في محافظة حماه، قوله، إن الحريق أتى على مساحات واسعة من الحراج وما تزال بؤرة الحريق في محور بلدة قصية تعمل فرق الإطفاء والدفاع المدني على إخمادها».
وبدت جبال مصياف صباح أمس، الأحد، إثر الحريق الذي امتد إلى جبل الشيخ زيتون، جرداء قاحلة وقد تحولت رماداً، ولم يبق من أشجارها الخضراء إلا الحطب. مصادر محلية بمصياف قالت لـ«الشرق الأوسط»)، إن الحريق تشعب خارجاً عن السيطرة حتى قضى على مساحات كبيرة من محمية الشوح والأرز، قبل أن تصل المؤازرة من المحافظات الأخرى. وتعد محمية الشوح والأرز في صلنفة، ومساحتها (8800) هكتار، ذات أهمية دولية في مجال حماية البيئة، كونها نظاماً حراجياً مكوناً من الأرز والشوح الكيليكي، وتعد من آخر ما تبقى من غابات الأرز والشوح في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، عدا أهميتها للطيور المهاجرة وفق الجمعية العالمية للطيور (Birdlife International).
وأضافت المصادر أن خسارة هذه المحمية كارثة بيئية تلم بالثروة الحراجية السورية، فقد التهمت النيران مساحات واسعة من غابات السنديان والسرو والصنوبر المعمرة. وعبرت المصادر عن أسفها لعدم التمكن من إنقاذ تلك الغابات، وقالت إن الجهد الأكبر في إخماد الحرائق «بذله الأهالي وفرق إطفاء هيئة تطوير الغاب والدفاع المدني في حماة، بإمكانياتها المحدودة جداً، بعد أن تأخرت مؤازرة المحافظات لليوم الرابع. كما لم يتم استخدام المروحيات في عملية الإطفاء والتي عادة ما تستخدمها وزارة الزراعة لرش المبيدات، مما أثار سخط الأهالي وعزز قناعتهم بأن تلك الحرائق مفتعلة، واستغراب الأهالي من عدم استخدام طائرات النظام أو الاستعانة بمروحيات القوات الروسية».
وسواء كانت الحرائق مفتعلة أم نتيجة الحر الشديد، فإنها بحسب مصادر متابعة «تصب في مصلحة بعض الفاسدين من المتنفذين الذين يضعون أعينهم على الأشجار الحراجية، لصناعة الفحم من الشجر الحراجي، ناهيك عن تمهيد الطريق لزراعة الأراضي بأشجار الزيتون بهدف استملاكها لاحقاً». وكان موسم حرائق الغابات قد بدأ في محافظة حماة نهاية شهر أغسطس (آب)، بحريق ضخم التهم مئات الهكتارات من الأحراج الطبيعية في منطقة عين الكروم، وصل ارتفاع ألسنة اللهب فيها إلى أكثر من أربعة أمتار. تعاون على إخمادها، فرق من محافظات طرطوس واللاذقية ودمشق وريف دمشق.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.