الإعلام والعالم الافتراضي بعد «كوفيد ـ 19»... توسّع مؤكد وتأهيل حتمي

مطالب بتكثيف التدريب للصحافيين و«تسريع» خطوات التحول الرقمي

فرضت الجائحة على مؤسسات إعلامية تقليدية تبني تجربة العمل من المنازل
فرضت الجائحة على مؤسسات إعلامية تقليدية تبني تجربة العمل من المنازل
TT

الإعلام والعالم الافتراضي بعد «كوفيد ـ 19»... توسّع مؤكد وتأهيل حتمي

فرضت الجائحة على مؤسسات إعلامية تقليدية تبني تجربة العمل من المنازل
فرضت الجائحة على مؤسسات إعلامية تقليدية تبني تجربة العمل من المنازل

ما «السيناريو» المستقبلي لشكل العالم الافتراضي والإعلام ما بعد انتهاء أزمة فيروس «كوفيد - 19»؟ وما مستجدات العمل الصحافي الجديدة وفق ذلك الشكل؟ وهل ستتغير طرق التعامل مع التطبيقات الإلكترونية؟
هذه بعض التساؤلات التي تتردد في أذهان الصحافيين، خصوصاً بعدما ألقت تداعيات الفيروس بظلالها على مناحي الحياة، وأعادت تشكيل وصياغة آليات صناعة الإعلام، التي أجبرها الفيروس بشكل أكبر على التعامل مع التكنولوجيا والتحرك بشكل أسرع في اتجاه العالم الافتراضي. ومعلوم، أنه ثبتت جدوى تحقيق التباعد الاجتماعي، والحفاظ على وتيرة وأداء الأعمال عن بُعد.
وفي حين طرح خبراء إعلام وصحافيون تصورات وأولويات متباينة لكيفية تعامل الصحافي والإعلامي مستقبلاً، فإنهم أجمعوا تقريباً على أن «العمل من المنزل اعتماداً على الأدوات الافتراضية سيتوسّع في المستقبل، وعليه، سيتطلب من العاملين بالمجال مزيداً من التدرب لامتلاك أدوات التطور التكنولوجي».
مع ذلك، فإن هناك خبراء يرون أن «العمل الصحافي في المستقبل، سيجمع بين التكنولوجيا والطُرق التقليدية في الحصول على المعلومات، كما سيكون على الصحافي دور في إعداد قصص مميزة، إضافة إلى تولي مسؤوليات تحري الدقة والمصداقية، لجذب الجمهور الذي أصبح أكثر وعياً».
وفق تقرير «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي حمل عنوان «(كوفيد - 19) قلب موازين صناعة الإعلام»، في يونيو (حزيران) الماضي، فإن «مهمة الإعلام التعليمية والإخبارية ستتغير في المستقبل، وستحتاج تعاوناً وجهوداً مكثفة لتطوير الطُرق لدعمها مالياً، مع الحفاظ على جودة المحتوى والمصداقية». وتابع التقرير أن «وسائل الإعلام التي استطاعت تحقيق انتشار خلال أزمة «كوفيد - 19» ستواصل لعب دور مؤثر في المستقبل، سواء كان هذا الدور إخبارياً أم ترفيهياً، وبناءً على قدراتها التكنولوجية، ونوع المحتوى الذي تقدمه، ولكن سيكون اكتساب ثقة الجمهور أمراً صعباً».
الدكتورة أروى الكعلي، الصحافية والمدربة وأستاذة الإعلام في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، ترى أن «المرحلة المقبلة ستشهد اعتماداً أكبر على (الإنترنت) في جميع مجالات الحياة من التسوّق إلى الدراسة، إلى العمل والحصول على المعلومة، ما سيفرض تحديات جديدة على الصحافيين، الذين ما عادوا يلعبون دور (حارس البوابة التقليدي) لإيصال المعلومات. وبالتالي تقع على عاتقهم مهمة ومسؤولية أخرى، هي التحقق من المعلومات، التي سيزداد تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني زيادة ما يسمى الأخبار الكاذبة».
أما الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة، فتتوقع «ازدياد طُرق العمل من المنزل الذي فرضته أزمة الفيروس، بعد انتهاء أزمة الفيروس، وكذلك تغير شكل العمل الصحافي التقليدي، الذي كان يعتمد على الوجود في الميدان، كما ستشهد الفترة المقبلة تغطيات ومتابعات أكثر من المنزل باستخدام الأدوات التكنولوجية المتنوعة والمبتكرة».
وبحسب دراسة نشرها موقع «معهد الإعلام والصحافة المستقبليين» (DCU)، وهو مؤسسة بحثية مختصة في التكنولوجيا، مقره آيرلندا، خلال أبريل (نيسان) الماضي، فإن «التكنولوجيا لعبت دوراً كبيراً في تعامل صناعة الإعلام مع أزمة الفيروس، وسيتعيّن علينا مستقبلاً متابعة تطور ثلاث مبادرات في هذا السياق:
الأولى، استخدام برامج الحاسب الآلي في إعداد مادة صحافية؛ حيث طوّر عدد من وسائل الإعلام برامج تساعد في رصد بيانات (كوفيد) في أكثر من مكان وتجهيزها للنشر، ووفقاً لوكالة (رادار) في بريطانيا، فإن الوكالة استطاعت إنتاج 149 قصة حول الفيروس خلال ساعة من نشر الأرقام الرسمية الخاصة بالفيروس.
والثانية، تتعلق بمعالجة البيانات بصورة بصرية، كما فعلت صحيفتا (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز).
والثالثة، ترتبط بتطوير التطبيقات للتحقق من المعلومات، التي تعاونت فيها جهات مختلفة من بينها (غوغل) و(فيسبوك) لـ(غربلة) المعلومات غير الصحيحة بشأن الفيروس».
ما تناولته الدراسة، لا يعني الاستغناء عن الصحافي في المستقبل والاعتماد بدلاً منه على التطبيقات الإلكترونية. إذ يرى خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، أن «العمل الصحافي مستقبلاً سيجمع بين التكنولوجيا والطرق التقليدية في جمع المعلومات، فالمواد المنتجة إلكترونياً لا بد من مراجعتها، كما سيكون للصحافي دور في إعداد قصص مميزة، وفي تحري الدقة والمصداقية، لجذب الجمهور الذي أصبح أكثر وعياً في البحث عن المصادر الموثوقة».
من جهته، يرى الكاتب الصحافي العُماني، حمود بن علي الطوقي، رئيس تحرير مجلة «الواحة»، أن «الإعلامي غير المؤهل تكنولوجياً، سيعاني في الفترة المقبلة، التي تتطلب مهارات مختلفة من الصحافيين، عليهم أن يسعوا للحصول عليها. إذ سيسيطر الإعلام الإلكتروني على المشهد... وبالفعل، كثرة من وسائل الإعلام في عُمان بدأت تستعد للمرحلة المقبلة، وتعمل على تطوير أدواتها التكنولوجية لتواكب العالم الافتراضي ما بعد (كوفيد - 19)».
من ناحية أخرى، وفق دراسة لموقع «إلى داخل العقل» (Into the mind)، وهو مؤسسة استشارات وبحوث تسويقية، مقرها باريس وبروكسل، خلال مايو (أيار) الماضي، توقع استطلاع رأي لأكثر من 30 متخصصاً في الإعلام من ست دول «تزايد الاعتماد على تطبيقات البث الترفيهي في المستقبل، وحصد شبكة (نتفليكس) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يقرب من 2.97 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، أي ما يعادل 38 في المائة من الحصة السوقية، يليها (ستارز بلاي) بـ23 في المائة، ثم (ديزني بلاس) بـ11 في المائة». كذلك توقعت الدراسة «تحسن أداء (فيسبوك) الإعلاني بحلول 2021 ونموه بنسبة 23 في المائة، واستمرار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات، مقابل خفض قنوات التلفزيون العمالة وتقليص الميزانيات، والتوجه أكثر نحو الاستثمار في البنية التكنولوجية لمواجهة تطبيقات البث الإلكتروني».
في هذا الصدد، قال البرماوي إن «الفترة المقبلة ستشهد نمواً في التطبيقات الإعلامية الخاصة بالترفيه والتجارة الإلكترونية التي تهتم بالصحة، والتي تسمح بالعمل من المنزل»، وأوضح أن «التحول الرقمي ما عاد رفاهية؛ بل أمر حتمي، إذ سرّع كوفيد الاتجاه نحوه بثلاث أو خمس سنوات، واقتصادياً ساعد وسائل الإعلام الرقمي على جذب مزيد من الإعلانات، حيث بدأ المعلن في إعادة توزيع ميزانيته على مصادر متنوعة، لا تقتصر فقط على (فيسبوك) و(غوغل)، بل وجه جزءاً من الميزانية لصالح الإعلام الترفيهي مثل (ديزني) و(نتفليكس)، وطبعاً الإعلام الرقمي».
وترى الكعلي أن «أي تطبيقات أو وسائل إعلام لن تتمكن من النجاح في التأقلم مع الواقع التكنولوجي الجديد، لن يكون لها وجود في المستقبل، ويتوجّب على الصحافي أن يتأقلم ويطور أسلوب علمه بما يتلاءم مع التجربة الرقمية». وأشارت إلى أن «أزمة الفيروس أسهمت إلى حد كبير في تطبيع وسائل الإعلام، إن صح التعبير مع ممارسات صحافية جديدة مثل، السرد القصصي الرقمي، وصحافة البيانات». وتعتقد الكعلي أن «الفيروس خدم صحافة البيانات، لأنه فرض علينا جميعاً التعامل مع البيانات التي سيزيد الاعتماد عليها في المستقبل أيضاً».
ويتفق معها في الرأي التوفيق الحبيب، الصحافي التونسي ومدير مجلة «ليدرز»، بقوله: «الفترة المقبلة ستشهد تركيزاً على الوسائط الرقمية، مع دور أكثر للصحافة الورقية، وتكثيفاً للمحتويات العلمية والطبية والوقائية». وأردف أن «التجديد التكنولوجي مُقبل على تسارع حثيث، يختزل في أسابيع عقوداً من البحث والتطوير، كما يعطي أهمية للمعلومة المدققة، وهو ما يفتح المجال لظهور تطبيقات إلكترونية جديدة لصياغة رسائل واضحة مدعمة بالرسوم البيانية والصور والخرائط». واستطرد قائلاً: «تتطلب المرحلة الجديدة من الصحافي مزيداً من التدرّب لامتلاك أدوات التطور التكنولوجي واستخدامها بشكل يحقق التوثق والتأكد من المعلومة، والإبداع في طريقة عرضها».
لكن الدكتورة هويدا مصطفى ترى أن «هذه التغييرات المستقبلية، لا تعني القضاء على وسائل الإعلام التقليدية، إذ لا توجد وسيلة تلغي دوراً من سابقتها». وتؤكد أن «أزمة الفيروس أعادت الحياة لوسائل إعلام تقليدية، خصوصاً التلفزيون، وأعادت القيمة للخبر، وإن كانت الصحافة الورقية، هي الأكثر تضرّراً، حيث لم ينجح؛ إلا من كانت له ذراع إلكترونية».
وحقاً، تشير دارسة «Into the mind» إلى أن «متوسط ساعات مشاهدة التلفزيون ازداد بنسبة 10 في المائة، ليصل إلى أربع ساعات ونصف الساعة في فرنسا، وثلاث ساعات في بريطانيا، تحت ضغط الحاجة للمعلومات». لكن «المواقع الإلكترونية كانت حقاً الرابح الأكبر من الأزمة، خصوصاً تطبيقات بث المحتوى الترفيهي مثل (نتفليكس) و(ديزني)، إذ ارتفع عدد المشتركين في (نتفليكس) بنسبة 22.8 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري - أي نحو 17.8 مليون شخص -، ووصل عدد المشتركين في (ديزني) إلى 50 مليون مشترك، متقدماً بسنتين على الجدول الزمني المُعدّ مسبقاً لزيادة عدد المشتركين». ووفق الدراسة، فإن «أزمة (كوفيد - 19) دفعت وسائل الإعلام إلى تغيير خططها البرامجية وطُرق عملها، والاعتماد على وسائل جديدة مثل تطبيقات (زووم) و(فيس تايم) في ظل تعذّر التواصل المباشر».
وهذا ما أكده الطوقي بقوله إن «الفيروس أجبر المخططين في الشأن الاعلامي على تغيير البوصلة نحو التعامل مع الوضع، بعدما فرض أنماطاً جديدة للتواصل من خلال العمل عن بُعد، باستخدام التقنيات الجديدة والتطبيقات التي ظهرت ووفرت الجهد والوقت».
وفي سياق موازٍ، ذكرت دراسة أخرى نشرها موقع «فوربس» الإلكتروني نقلاً عن شركة «فولسكرين» (Fullscreen) المتخصصة في «السوشيال ميديا»، أنه «من المتوقع أن يزدهر عمل (المؤثرين) على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث زادت نسبة متابعتهم بين جيل الشباب من سن 18 إلى 34 سنة بنسبة 34 في المائة، ما سيربط بين سوق الإعلانات وهؤلاء «المؤثرين» في المستقبل، أخذاً في الاعتبار اهتمام الجمهور بالمواد الأصلية، ورغبته في الاستماع للتجارب الشخصية الحقيقية، وإحجامه عن تقبل الإعلانات الصريحة.



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.