اضطرابات بيلاروسيا: ثورة للتحرر أم اقتحام لبوابة روسية أخرى؟

موقع بيلاروسيا في قلب اوروبا الشرقية (بريتانيكا)
موقع بيلاروسيا في قلب اوروبا الشرقية (بريتانيكا)
TT

اضطرابات بيلاروسيا: ثورة للتحرر أم اقتحام لبوابة روسية أخرى؟

موقع بيلاروسيا في قلب اوروبا الشرقية (بريتانيكا)
موقع بيلاروسيا في قلب اوروبا الشرقية (بريتانيكا)

قبل أشهر قليلة، لم يكن العالم متنبّهاً إلى أن هناك دولة أوروبية اسمها بيلاروسيا (أو روسيا البيضاء)، وأن على رأسها رئيساً يحكمها بـ «الحزم السوفياتي» منذ 26 سنة، عندما كان في الأربعين من العمر، بعدما كان مزارعاً يدير مزرعة تابعة للدولة (سوفخوز)، وقبلها عسكرياً، وبعدهما سياسياً معروفاً بمحاربته الفساد والفاسدين.
أُجريت انتخابات روتينية في التاسع من أغسطس (آب)، فاز فيها ألكسندر لوكاشينكو على منافسته سفيتلانا تيخانوفسكايا التي سارعت إلى اتهامه بتزوير الانتخابات وتشويه إرادة الناخبين، قبل أن تتوجه إلى ليتوانيا مخافة أن يكون مصيرها السجن، مثل زوجها سيرغي تيخانوفسكي، فيما راحت البلاد تغلي ونزل الناس إلى الشوارع مطالبين بتنحّي لوكاشينكو وبالحرية والديمقراطية...
هل هي بداية ثورة وانتفاضة تحررية لشعب يريد أن يحذو حذو دول مجاورة تخلصت من الإرث السوفياتي، مثل جمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا وأوكرانيا...؟ أم إنها ثورة ملوّنة أخرى هدفها اقتحام بوابة حيوية من بوابات الداخل الروسي الكبير؟

*بطاقة تعريف
بيلاروسيا دولة من دول أوروبا الشرقية، هي مغلقة لا حدود بحرية لها. تبلغ مساحتها نحو 207 آلاف و600 كيلومتر مربع. وتحدّها روسيا وأوكرانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا.
حول أصل التسمية فرضيات عدة، منها رداء الثلج الأبيض الذي يغطي أراضيها طويلاً، ومنها فشل التتار في غزوها، وسوى ذلك.
هي بلاد متوسطة الحال اقتصادياً، يبلغ ناتجها القومي الإجمالي نحو 200 مليار دولار سنوياً (المرتبة الـ 69 عالمياً)، وللفرد نحو 21 ألف دولار أميركي سنوياً (المرتبة الـ 66 عالمياً)، علماً أن عدد السكان هو نحو 9 ملايين و500 ألف نسمة.
وقعت روسيا البيضاء في أيدي الثوار البولشفيين وأصبحت جمهورية بيلاروسيا الاشتراكية السوفياتية عام 1919. وقد نالت نصيباً قاسياً ومدمّراً في الحرب العالمية الثانية في مواجهة النازيين الألمان الذين احتلوها من 1941 إلى 1944.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكيكه رسمياً عام 1991 بدأ عهد جديد من الاستقلال، وبعد ثلاث سنوات بدأ «عهد لوكاشينكو»...

*الموقف الغربي
ليس مفاجئاً أن يؤيد الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الانتفاضة ضد لوكاشينكو. فالموقف الطبيعي هنا هو مساندة المطالبين بالحرية والديمقراطية والشفافية في الحياة السياسية.
لكن ما الذي تستطيع الدول المعنية فعله غير التنديد بالأوتوقراطية والتلويح بالعقوبات. فالدول الأوروبية غارقة في أزمات اقتصادية حادة ناجمة عن جائحة «كوفيد - 19»، وارتباطها «الأطلسي» ضعفت وشائجه بسبب الانتقادات المتكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للحلف، وهجماته الكلامية الحادة على أقرب الحلفاء، وليس أقلهم الألمان بشخص مستشارتهم أنجيلا ميركل.
يضاف إلى ذلك بطبيعة الحال أن الولايات المتحدة هي راهناً في خضم الزمن الانتخابي، وبالتالي في نوع من السبات على صعيد السياسة الخارجية.
في أي حال، يجب أن يكون واضحاً أن فرض عقوبات على نظام مينسك أو مؤيديه في موسكو سيكون له فعالية العقوبات في ردع التدخل الروسي في شرق أوكرانيا أو ضم شبه جزيرة القرم، أي لا فعالية على الإطلاق. وبالتالي ثمة محللون يعتقدون أن المواجهة السياسية الدائرة الآن في بيلاروسيا ليست سوى البداية، مدللين على ذلك بأن أوكرانيا لم تفك قيدها إلا بعد سنوات من السعي والكفاح، مع العلم أن مشكلة الجمهوريتين الانفصاليتين المدعومتين من موسكو في الشرق – دونيتسك ولوغانسك – لا تزال قائمة.

* البعد الاستراتيجي
يخبرنا التاريخ أن لبيلاروسيا موقعاً استراتيجياً حيوياً، فهي الطريق الطبيعي للغزو من أوروبا إلى روسيا، كما فعل نابليون عام 1812 وهتلر عام 1941، والعكس صحيح. وحاضراً، تشكل البلاد بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) نقطة انطلاق لأي عمل عسكري روسي مستقبلي ضد الحلفاء في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، وربما العكس.
أما في الجهة المقابلة، فبيلاروسيا هي لروسيا آخر منطقة عازلة تحميها من أوروبا المعادية، ومن الاقتراب الأميركي من ثغورها وحدودها، خصوصاً بعد خسارة أوكرانيا، وتعزيز الحضور العسكري الأميركي في بولندا.
وإذا سلّمنا جدلاً بأن أياً من الطرفين لن يهاجم الآخر في حرب مباشرة، ستبقى بيلاروسيا، مع ذلك، تحتل موقعاً محفوفاً بالأخطار على طول محور الشرق والغرب. ولا بد هنا من القول إن لوكاشينكو أحسن إدارة لعبة التوازن بين المحورين. وهذا ما قبل به فلاديمير بوتين، مع العلم أن الرئيس الروسي لا يكنّ الكثير من المودة لجاره الصغير. لكن لا يمكن أن يتصوّر أحد أن يقبل بوتين بتغيّر البوصلة الجيوسياسية لبيلاروسيا نحو الغرب، وإلا اكتمل الحزام الأميركي الهائل الذي يطبق على روسيا من تلك الجهة.

*الموقف الروسي
لماذا لا يحب القيصر جاره؟ ليس لأنه ديكتاتور، بل لأن ألكسندر لوكاشينكو أخذ من موسكو الكثير طوال عهده من دون أن يكون تابعاً مُنقاداً لها بلا جدال. بل أحسن الرجل كما قلنا الاستفادة من موروثات العهد السوفياتي، ومسايرة الغرب. ولعل من أبرز منجزاته أنه وفر الأطر السليمة لقيام قطاع تكنولوجيا معلومات مشهود له عالمياً، وهذا ما أعطاه داخلياً لمدّة طويلة صورة القائد الضامن للاستقرار.
المهم الآن هو السؤال كيف ستتصرف روسيا حيال الأزمة التي يبدو جلياً أنها ستؤدي إلى تغيير ما؟
وصف فلاديمير بوتين الذي تواصل هاتفياً مع ألكسندر لوكاشينكو مرات عدة خلال الأزمة، بيلاروسيا بأنها «ربما الدولة الأقرب إلينا: الأقرب عرقياً، ولغوياً، وثقافياً، وروحياً».
الحقيقة خلف الكلام الشاعري أن روسيا قلقة على فضائها الجيوسياسي، خصوصاً أن بيلاروسيا أوروبية جغرافياً بامتياز، وكأن بوتين يقول إنها جزء مهم من الأراضي الأوروبية لروسيا.
وحريٌّ بنا ألا ننسى أن إزاحة لوكاشينكو لأنه حكم لمدة 26 سنة، إذا حصلت، قد تكون مُعدية. فعندما سيسعى بوتين إلى إعادة انتخابه عام 2024، كما هو متوقّع على نطاق واسع، فإنه سيكون قد أمضى في السلطة 24 سنة. وبالتالي إذا كان التغيير الشعبي السلمي يمكن أن يحصل في بلاد هي الأقرب إلى روسيا «عرقياً، ولغوياً، وثقافياً، وروحياً»، فلماذا لا يحصل في روسيا نفسها؟
من هنا يجب أن يُنظر إلى الاستعداد الروسي الصريح للتدخل العسكري في بيلاروسيا، ذلك أن حكم هذه البلاد هو مسألة أمنية واستراتيجية لموسكو لا يمكن التهاون فيها. والتطورات الآتية ستكون مثيرة للاهتمام، من دون أن تثنينا عن النظر جنوباً إلى القوقاز ومتابعة ما قد يحدث بين أرمينيا وأذربيجان... وذلك بدوره يستحق بحثاً آخر.



مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، الجمعة، إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية في تكنولوجيا المعلومات تحسباً لصدام محتمل مع واشنطن.

وقال مورغان أدامسكي، المدير التنفيذي للقيادة السيبرانية الأميركية، إن العمليات الإلكترونية المرتبطة بالصين تهدف إلى تحقيق الأفضلية في حالة حدوث صراع كبير مع الولايات المتحدة.

وحذر مسؤولون، وفقاً لوكالة «رويترز»، من أن قراصنة مرتبطين بالصين قد اخترقوا شبكات تكنولوجيا المعلومات واتخذوا خطوات لتنفيذ هجمات تخريبية في حالة حدوث صراع.

وقال مكتب التحقيقات الاتحادي مؤخراً إن عملية التجسس الإلكتروني التي أطلق عليها اسم «سالت تايفون» شملت سرقة بيانات سجلات مكالمات، واختراق اتصالات كبار المسؤولين في الحملتين الرئاسيتين للمرشحين المتنافسين قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ومعلومات اتصالات متعلقة بطلبات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

وذكر مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أنهما يقدمان المساعدة الفنية والمعلومات للأهداف المحتملة.

وقال أدامسكي، الجمعة، إن الحكومة الأميركية «نفذت أنشطة متزامنة عالمياً، هجومية ودفاعية، تركز بشكل كبير على إضعاف وتعطيل العمليات الإلكترونية لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم».

وتنفي بكين بشكل متكرر أي عمليات إلكترونية تستهدف كيانات أميركية. ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن على طلب للتعليق بعد.