بعد سنوات من «تسامح» ألمانيا والنمسا مع عمليات تجسس واسعة تقودها أنقرة على أراضيهما، يبدو أن الصبر بدأ ينفد؛ فقد تحرك القضاء النمساوي للتحقيق في عمليات تجسس كانت تقوم بها سيدة نمساوية من أصول تركية، لصالح أنقرة، عبر مراقبة معارضين وإرسال تفاصيلهم للسفارة التركية في فيينا.
وفي حين تمهل النمسا القضاء لاستكمال تحقيقاته، بدأت تتحرك كذلك سياسياً لاتخاذ خطوات دبلوماسية على الصعيد الأوروبي، بالتعاون مع ألمانيا التي تعاني مثلها من مشكلة ازدياد أعداد العملاء الأتراك لديها، خصوصاً مع ازدياد أعداد المعارضين الهاربين من نظام الرئيس رجب طيب إردوغان. وفي خطوة أولى، قالت وزارة الخارجية النمساوية إنها تحدثت مع السفارة التركية وطلبت مقابلة.
ويبدو أن القصة قد تطورت أكثر، وعقد وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر مؤتمراً صحافياً قبل يومين للإعلان عن الأمر، تحدث فيه عن «شبكة عملاء» أتراك في النمسا. وقال إن 35 شخصاً دخلوا تركيا قادمين من فيينا بين عامي 2018 و2020، ألقي القبض عليهم قبل أن تتواصل معهم المخابرات التركية وتطلب إليهم أن يصبحوا جواسيس لها مقابل إطلاق سراحهم. ورفضت تركيا الاتهامات الموجهة لها من النمسا، وغداة اعتقال الجاسوسة في فيينا، قال المتحدث باسم الخارجية التركية إن أنقرة «ترفض الادعاءات التي لا أساس لها»، مضيفاً أن «النمسا لا يمكنها الهرب من خطابها الشعبوي وهوسها بمعاداة الأتراك».
واكتشفت النمسا الجاسوسة قبل بضعة أسابيع خلال تحقيقات في أعمال شغب بين أتراك وأكراد في فيينا. ونقلت صحف نمساوية أن الجاسوسة «سيدة» نمساوية من أصول تركية؛ وكانت اعتقلت في السابق في تركيا؛ حسبما أعلن وزير الداخلية النمساوي، وقضت فترة في السجن. ويبدو أن المخابرات التركية قدمت لها حريتها مقابل موافقتها على القيام بأعمال تجسس لصالحها تستهدف معارضين موجودين في النمسا حيث تقيم.
وكان وزير الداخلية النمساوي قد أعلن أن الجاسوسة اعترفت بأنها كان تتجسس لصالح أنقرة، وقال: «لا مكان لعمليات التجسس التركية في النمسا، ويجب أن يكون الأمر واضحاً بأننا لن نتسامح مع هذه المقاربة، وسنتخذ خطوات دبلوماسية، كما أن القضاء سيقدم تهماً بالتجسس».
وأعلن نيهامر أنه أبلغ نظيره الألماني هورست زيهوفر بالقبض على الجاسوسة، طالباً التحرك بشكل ثنائي مع ألمانيا لمواجهة «التأثير التركي» المتزايد في أوروبا، والذي وصفه نيهامر بأنه بمثابة «السم» للاندماج.
وقالت وزيرة الاندماج سوزان راب إن «ذراع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وصلت إلى فيينا»، وإن التأثير على من هم من أصول تركية تتم ممارسته من خلال مراكز دينية ومساجد تركية. واتهمت تركيا بالسعي «لتقسيم المجتمع النمساوي»، وقالت: «علينا أن نبذل كل ما باستطاعتنا لوقف هذا التأثير، لأنه أشبه بالسم بالنسبة للاندماج». وكان خبير ألماني مختص بالمخابرات التركية قد كشف لـ«الشرق الأوسط» عن وجود نحو 800 عميل تركي يعملون مقابل راتب في الدول الأوروبية الناطقة بالألمانية وهي ألمانيا والنمسا وسويسرا، بسبب وجود عدد كبير من الأتراك فيها. وقدر الخبير وجود أكثر من 8 آلاف عميل في ألمانيا يتجسسون على المعارضين من دون مقابل مالي. ويعيش في ألمانيا نحو 4 ملايين تركي أو ألماني من أصول تركية، وفي النمسا يبلغ عددهم نحو 300 ألف. وبحسب وزيرة الاندماج النمساوية، فإن تركيا «تسعى لممارسة تأثيرها في النمسا من خلال الجمعيات التركية»، مشيرة إلى وجود 500 جمعية تركية في النمسا. وحذرت الوزيرة من «المجتمعات الموازية» وما ينتج عن ذلك من مشكلات في الاندماج. وقبضت ألمانيا في الماضي على عدد من الجواسيس الأتراك وأخضعتهم للمحاكمة، منهم من كان حتى يخطط لعمليات اغتيال لأكراد على الأراضي الألمانية. وفي 6 أبريل (نيسان) 2017، نفذت ألمانيا واحدة من كبرى عملياتها التي استهدفت جواسيس أتراكاً وقبضت على 20 عميلاً. وحتى الآن، اكتفت برلين بمحاكمة هؤلاء من دون اتخاذ أي تدابير سياسية أو دبلوماسية إضافية، إلا إن الضغوط الآتية من فيينا الآن، والتوترات الكثيرة من أنقرة خصوصاً بسبب تحركاتها العسكرية في شرق المتوسط، قد تدفع بألمانيا للموافقة على دعم النمسا بالتهديد باتخاذ خطوات دبلوماسية ضد أنقرة لحثها على وقف عملياتها التجسسية في أوروبا.
فيينا تتحرك قضائياً لاحتواء تجسس أنقرة عليها
نمساوية تركية تراقب معارضين وترسل تفاصيلهم للسفارة
فيينا تتحرك قضائياً لاحتواء تجسس أنقرة عليها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة