ماكرون يعدّ الأشهر الثلاثة المقبلة حاسمة للبنان... ومستعد لمؤتمر دعم جديد

رهن إطلاق التعهدات المالية لمؤتمر باريس 2018 بتنفيذ إصلاحات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في بيروت (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في بيروت (د.ب.أ)
TT

ماكرون يعدّ الأشهر الثلاثة المقبلة حاسمة للبنان... ومستعد لمؤتمر دعم جديد

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في بيروت (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في بيروت (د.ب.أ)

أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الثلاثاء)، استعداده لتنظيم مؤتمر دعم دولي جديد للبنان الشهر المقبل بالتعاون مع الأمم المتحدة، بينما يمارس في بيروت ضغوطاً على القوى السياسية للإسراع في تشكيل حكومة بمهمة محددة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
كما أشار ماكرون لصحيفة «بوليتيكو»، اليوم، إلى أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة فيما يتعلق بتحقيق التغيير في لبنان، مضيفاً أنه إذا لم يحدث تغيير؛ فقد يترتب على ذلك فرض إجراءات عقابية.
وصرح ماكرون للصحيفة بأن الإجراءات العقابية المحتملة يمكن أن تتراوح بين تعليق مساعدات إنقاذ مالي وعقوبات على الطبقة الحاكمة، بحسب «رويترز». وقال إنه لن يطلق الأموال التي تم التعهد بها للبنان في مؤتمر باريس 2018 ما لم تنفذ إصلاحات.

وقال ماكرون خلال حوار مع ممثلين عن المجتمع المدني والأمم المتحدة على متن حاملة المروحيات «تونّير» في مرفأ بيروت: «نحن بحاجة إلى التركيز خلال الأشهر الستة المقبلة على حالة الطوارئ، وأن نستمر في حشد المجتمع الدولي»، مضيفاً: «أنا مستعد لننظم مجدداً، ربما بين منتصف ونهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مؤتمر دعم دولياً مع الأمم المتحدة».
ويخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رهاناً صعباً في بيروت في إطار مساعيه للضغط على الطبقة السياسية بهدف تشكيل «حكومة بمهمة محددة» سريعاً، وإجراء إصلاحات من شأنها أن تهدئ غضب اللبنانيين الذين فاقم انفجار المرفأ المروع نقمتهم على السلطات.
وينطلق ماكرون، الذي يزور بيروت للمرة الثانية خلال أقل من شهر، من أنّ مساعيه تعدّ «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ النظام السياسي والاقتصادي المتداعي في لبنان الذي استبق وصوله بتكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة.
ويحفل برنامج عمل ماكرون الطويل اليوم بلقاءات سياسية مهمة؛ أبرزها مع رئيس الجمهورية وممثلي القوى السياسية الرئيسية، وأخرى ذات طابع رمزي، مع إحياء لبنان المئوية الأولى على تأسيسه، بدأه بغرس شجرة أرز في محمية جاج شمال بيروت.
واستبق ماكرون نقاشاته مع القادة السياسيين بالقول: «موقفي هو دائماً ذاته: المطالبة من دون التدخّل»، بعدما كرّر دعوة المسؤولين إلى تشكيل «حكومة بمهمة محددة في أسرع وقت».
ورداً على سؤال حول تكليف أديب، الأكاديمي والدبلوماسي، قال ماكرون: «لا يعود لي أن أوافق عليه أو أن أبارك اختياره».
وكان أديب (48 عاماً) سفير لبنان في برلين، وهو شخصية غير معروفة من اللبنانيين حتى لحظة اختياره بناء على توافق بين القوى السياسية الكبرى، أبرزها «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري و«حزب الله» ورئيس الجمهورية ميشال عون.
ويسعى ماكرون، الذي يعلم أن رهانه في لبنان «محفوف بالمخاطر»، إلى إنجاز مهمته والحصول على نتائج سريعة للحفاظ على مصداقيته أمام المجتمع الدولي، بإصراره على إجراء «إصلاحات أساسية» للحدّ من الفساد المستشري في قطاعات عدة؛ أبرزها الكهرباء والمرفأ والحسابات المالية. ويشترط المجتمع الدولي على لبنان إجراء هذه الإصلاحات لتقديم الدعم المالي له.
وفي خطوة ذات توقيت لافت، وقّع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني اليوم مع 3 شركات أجنبية، عقوداً تتعلق بـ«التدقيق الجنائي والمالي» في الحسابات المالية، وهو ما طالب به ماكرون مراراً.
ومن المفترض، بحسب مسؤولين لبنانيين، أن ينسحب التدقيق لاحقاً على مؤسسات رسمية أخرى، تنفيذاً لمطلب من صندوق النقد الدولي.
وجدّد ماكرون التحذير من أنه «إذا لم نفعل ذلك فسينهار الاقتصاد اللبناني... وسيكون الشعب اللبناني الضحية الوحيدة».
ويكتسب لقاء ماكرون، مساء اليوم، مع ممثلي 9 من القوى السياسية البارزة؛ بينها «حزب الله»؛ القوة العسكرية والسياسية المدعومة من إيران، أهمية كبرى.
وفي تصريحات لموقع «بوليتيكو» الأميركي على الطائرة التي أقلته إلى بيروت، قال ماكرون رداً على مواجهة «حزب الله»: «لا تطلبوا من فرنسا أن تشن حرباً على قوة سياسية لبنانية»، عادّاً أن ذلك «سيكون عبثياً ومجنوناً».



مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
TT

مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)

شهدت الآونة الأخيرة تصريحات إسرائيلية تضمنت مخاوف بشأن «تسليح» مصر وانتهاكات لمعاهدة السلام، التي أُبرمت بين البلدين في 1979، وسط توتر متصاعد منذ احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية قبل نحو عام، وإصراره على عدم تنفيذ رغبة القاهرة في الانسحاب من محور «فيلادلفيا» الحدودي مع مصر.

أحدث التصريحات الإسرائيلية ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال إن بلاده لن تسمح للقاهرة بـ«انتهاك معاهدة السلام»، وهو ما يرى رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصرية وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي، ورئيس الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري والخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، أنها «رسائل للخارج لجلب مزيد من الدعم وتزيد التوتر الذي صنعته إسرائيل مع القاهرة»، بخلاف أنها «محاولات لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا بزعم المخاوف»، متوقعين رفض مصر تلك الضغوط وتمسكها بموقفها دون أن تجر لصدام أو المساس بمعاهدة السلام.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ومنذ توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، لم تشهد علاقات الجانبين توتراً كما هي الحال مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وزادت حدته منذ مايو (أيار) الماضي، مع احتلال إسرائيل محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وكذلك معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفضها الانسحاب كما تطلب القاهرة.

وذكر كاتس، في كلمة خلال ذكرى وفاة رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، الاثنين، أن معاهدة السلام «أخرجت مصر من دائرة الحرب، في قرار قيادي غيّر وجه التاريخ ووضع دولة إسرائيل - ولا تزال كذلك حتى اليوم، لكننا لن نسمح لهم (المصريين) بانتهاك معاهدة السلام، لكن الاتفاق قائم»، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن تصريحات كاتس جاءت على خلفية شائعات ترددها عناصر من اليمين المتطرف على شبكة الإنترنت عن استعدادات عسكرية مصرية لمهاجمة إسرائيل بشكل غير متوقع، لافتةً إلى أن هذه الشائعات أثارت القلق بين العديد من الإسرائيليين.

تلك المخاوف ليس الأولى إسرائيلياً، إذ أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، في 26 فبراير (شباط) الماضي، عن قلقه من «التهديد الأمني من مصر التي لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة»، معتبراً أنه لا يشكل تهديداً حالياً لتل أبيب لكن الأمر قد يتغير في لحظة، وفق «القناة 14» الإسرائيلية.

جنديان إسرائيليان قرب ممر فيلادلفيا بمحاذاة الحدود المصرية (أرشيفية - أ.ب)

سبق ذلك حديث مندوب تل أبيب الدائم في الأمم المتحدة داني دانون، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي عن مخاوف إسرائيل بشأن تسلح الجيش المصري، مضيفاً: «ليس لديهم أي تهديدات في المنطقة. لماذا يحتاجون (المصريون) إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟».

ورد النائب المصري مصطفى بكري على تلك التصريحات قائلاً عبر منشور بمنصة «إكس»، إن «إسرائيل هي التي تنتهك اتفاقية السلام (..) واحتلت محور صلاح الدين (فيلادلفيا)»، مؤكداً أن «تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ومن قبله رئيس الأركان ومندوب إسرائيل بالأمم المتحدة نوع من التلكيك وجر شكل (استفزاز) ومصر تتعامل بحكمة ولديها دور هام لصالح السلام لكنها لن تقبل إملاءات أو تهديداً من أحد ولا تفرط في سيادتها وثوابتها وأمنها القومي»، محذراً: «فلتكف إسرائيل عن العبث واللعب بالنار، لأنها أول من سيكتوي بها».

وسبق أن رد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق على نظيره الإسرائيلي، في تصريحات فبراير (شباط) الماضي، قائلاً: «الدول القوية والكبرى مثل مصر تلزمها جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومي بأبعاده الشاملة عبر تسليح كافٍ ومتنوع».

ويرى العرابي أن تلك التصريحات الإسرائيلية تعكس ازدياد حالة التوتر بين مصر وإسرائيل، التي صنعتها الأخيرة منذ دخول رفح، وهي تحاول أن تنقل انطباعات غير صحيحة للعالم الخارجي بأن لديها قلقاً من جيرانها للبحث عن دعم.

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أرشيفية - إ.ب.أ)

بينما يرى اللواء فرج أن التصريحات الإسرائيلية محاولة لخلق أزمات مع مصر، مؤكداً أن مصر بالتأكيد حافظت على تنوع تسليحها، لأنها دولة قوية وتحتاج ذلك لكنها لم تنتهك ولم تخترق المعاهدة، بل الجانب الإسرائيلي هو من يفعل ذلك ولا يريد الالتزام بما تم الاتفاق عليه في اتفاق هدنة غزة.

تأتي هذه التصريحات المتصاعدة في إسرائيل، قبل أيام قليلة للغاية من التزام على حكومة نتنياهو بتنفيذ الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا، المقرر أن يتم في اليوم الخمسين من اتفاق الهدنة في غزة، الذي بدأ في 19 يناير الماضي، وسط حديث يسرائيل كاتس، في 27 فبراير (شباط)، عن البقاء في محور فيلادلفيا في المرحلة الحالية، وحديث مماثل متزامن من وزير الطاقة إيلي كوهين.

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل، قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط»، قبل أن تعيد احتلاله خلال حرب غزة ورفض مطالب مصر بالانسحاب.

ويرجح العرابي أن يكون استمرار التصريحات الإسرائيلية بهدف الضغط لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، مستبعداً أن يؤدي التوتر بين البلدين لصدام عسكري أو انهيار معاهدة السلام.

ويرى فرج أن إسرائيل تحاول إثارة تلك المخاوف لتهيئة الرأي العام الداخلي لاستمرار البقاء في محور فيلادلفيا، وعدم الانسحاب كما هو مقرراً، مؤكداً أن التوتر المتصاعد حالياً لن يمس معاهدة السلام ولن يرجع القاهرة عن مواقفها، ولن يقود لصدام خاصة وأن نتنياهو يرى أن العدو الرئيسي إيران وليس مصر.