اتفاق بين «حماس» وإسرائيل برعاية قطرية

فتح معبري كرم أبو سالم و«إيرز» اليوم مقابل وقف البالونات

بانتظار دورهم للحلاقة في غزة (رويترز)
بانتظار دورهم للحلاقة في غزة (رويترز)
TT

اتفاق بين «حماس» وإسرائيل برعاية قطرية

بانتظار دورهم للحلاقة في غزة (رويترز)
بانتظار دورهم للحلاقة في غزة (رويترز)

أعلنت إسرائيل و«حركة حماس»، أمس، التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة برعاية قطرية، وقالت الحركة إنه يشمل البدء بإنشاء مشروعات في القطاع، وقالت إسرائيل إنه مجرد هدوء يقابله هدوء.
وأعلن مكتب رئيس «حركة حماس» في قطاع غزة التوصل إلى تفاهم لاحتواء التصعيد مع الاحتلال. وأضاف بيان صادر عن «حماس»: «بعد جولة حوارات واتصالات، كان آخرها ما قام به الممثل القطري السفير محمد العمادي، فقد تم التوصل إلى تفاهم لاحتواء التصعيد ووقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا». وأكد البيان: «سيتم الإعلان عن عدد من المشروعات التي تخدم أهلنا في قطاع غزة، وتساهم في التخفيف عنهم في ظل موجة (كورونا) التي حلت بقطاع غزة، فضلاً عن عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد».
وأكدت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة، بيان «حركة حماس» بخصوص التوصل إلى اتفاق تهدئة مع إسرائيل، لكنها شددت على أن ما سيتم تحديده هو ما يحدث على الأرض، وأضافت: «سننتظر لنرى الواقع». وقال مسؤول إسرائيلي كبير لـ«قناة 12»: «الهدوء سيقابل بهدوء».
كما أكد المراسل العسكري لـ«قناة 13» التقارير الواردة من «حماس» بغزة، وقال إنه سيتم إعادة فتح معبر كرم أبو سالم و«إيرز»، اليوم (الثلاثاء)، وإعادة فتح البحر مقابل وقف البالونات.
ويأتي هذا البيان متزامناً مع تلقي هنية اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني. وفوراً اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي البديل ووزير الأمن بيني غانتس مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين (روبي) ريفلين، وناقش الجانبان الجهود والإجراءات لتحقيق الهدوء في الجنوب والجاهزية في الشمال، وكذلك الفرص الجديدة التي أتيحت بعد تعزيز التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، كما أطلع غانتس الرئيس على جهود المنظومة الأمنية لاجتواء «كورونا» في مختلف البلدات، وتشغيل مقر «ألون» في قيادة الجبهة الداخلية.
وتم الوصول إلى اتفاق بعد 3 أسابيع من التوتر، وبعد ساعات من تهديد «حماس» بإرسال المستوطنين في مستوطنات غلاف قطاع غزة إلى الملاجئ، إذا فشلت جهود الوساطة في القطاع.
وعملت قطر في الأسبوع الأخير على الوصول إلى اتفاق «متدرج» بين إسرائيل و«حماس» لوضع حد للتصعيد بين الطرفين، على الرغم من صعوبة وتعقيدات المحادثات. ومكث السفير القطري محمد العمادي في القطاع، والتقى مسؤولين إسرائيليين، في محاولة للوصول إلى اتفاق. وعمل العمادي على إقناع «حماس» بتحقيق متطلبات فورية ممكنة التحقيق، وتأجيل أخرى لمرحلة ثانية، وإقناع إسرائيل بوجوب تقديم شيء ملموس لـ«حماس» مقابل الهدوء. وتنقل العمادي بين الجهتين «مسؤولي حماس» و«مسؤولي إسرائيل» ذهاباً وإياباً في محاولة لوضع اتفاق جديد موضع التنفيذ. وشوهد العمادي، وهو يغادر السبت قطاع غزة، للقاء مسؤولين إسرائيليين عند حاجز إيرز، ثم عاد إلى القطاع. والتقى العمادي مراراً في غزة مع رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار، والتقى مع مسؤول مكتب منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الجنوب إياد سرحان، إلى جانب ضابط الشاباك المسؤول عن قطاع غزة، وممثل حضر من القدس عن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وعرضت إسرائيل مساعدات على غزة لمواجهة فيروس كورونا، مقابل وقف إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة، لكن «حماس» أصرت على تحقيق إنجازات أوسع.
وكان العمادي قد أعلن أمس أنه يجري اتصالات مع «جميع الأطراف» لإعادة الهدوء بين «حماس» وإسرائيل، وأكد أن «هذه الجهود لا تزال مستمرة». وأوضح أنه «منذ وصوله إلى قطاع غزة منتصف الأسبوع الماضي، أجرى سلسلة لقاءات مع الأطراف كافة في إطار الجهود المبذولة للتوصل لاتفاق تهدئة في غزة». وفيما بدا إعطاء فرصة للجهود القطرية، تراجعت حدة التصعيد في القطاع أمس. وسُجل تراجع لحجم الحرائق في محيط قطاع غزة، مقابل تراجع في الهجمات الإسرائيلية على القطاع.
وقال موقع ماكور ريشون الإسرائيلي إن الجيش الإسرائيلي لم يرد على إطلاق البالونات ليلة الأحد - الاثنين، لإتاحة الفرصة أمام الاتصالات التي يجريها العمادي. وأضاف أنه في الأيام الأخيرة لم تكن الحرائق كبيرة أو خطيرة، وهو ما استدعى رداً إسرائيلياً أقل قوة من السابق. وحافظ الطرفان في الأيام الأخيرة على تصعيد لا يقود إلى مواجهة جديدة على أمل التوصل إلى اتفاق.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.