فيما اتسعت مساحة النزاعات العشائرية من المحافظات الجنوبية، لتصل إلى مقربة من العاصمة العراقية بغداد، فقد رد تحالف «القوى العراقية»، بقوة، على الهجوم الذي تعرض له رئيسه، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بعد مطالبته بضبط السلاح المنفلت.
ففي منطقة الحسينية (30 كم شمال شرقي بغداد) اندلعت مساء أول من أمس معركة بين عشيرتين، استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بما في ذلك القاذفات. وفيما أدت المعركة بين العشيرتين إلى مقتل وجرح 8 أشخاص من كلا القبيلتين، وحرق عشرات المنازل، فقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً حية للمعركة التي اندلعت ليلاً، حيث كان المشهد لا يختلف عن مشهد أي حرب من الحروب الحديثة.
الحسينية التي لا تبعد عن العاصمة بغداد كثيراً، تنام وتستيقظ هي الأخرى على وقع صواريخ «الكاتيوشا»، ما حفز رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، على البدء باتخاذ تدابير حازمة ضد أسلحة العشائر في تلك المنطقة. فطبقاً لما أعلنته وزارة الداخلية، أمس الأحد، فإن رئيس الوزراء أمر بسحب سلاح العشائر التي تندلع في مناطقها نزاعات مسلحة. وفيما تم اعتقال اثنين من المتسببين بالنزاع المسلح في الحسينية، فإنه وطبقاً لما أعلنه الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، للوكالة الرسمية للأنباء، فإن «هنالك أوامر عليا صدرت من القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، وبإشراف ومتابعة وزير الداخلية، منها تفتيش واسع لكل المناطق التي تحصل فيها نزاعات عشائرية، وضبط الأسلحة ومصادرتها، سواء كانت خفيفة أو متوسطة». وأضاف: «هناك توجه لدى الحكومة لردع هذه الأعمال، التي تهدد الأمن الوطني»، مبيناً أن «النزاعات العشائرية، إحدى المشكلات الخطيرة، التي تهدد نسيج المجتمع العراقي». وأشار إلى أن «المرحلة المقبلة ستشهد إجراءات واسعة من قبل قيادة العمليات ومديريات الشرطة لفرض الأمن، ومحاولة ضبط هذه الأسلحة التي تستخدم لترويع المواطنين الأبرياء». وأوضح أن «8 مذكرات قبض صدرت بحق المتبقين من مثيري النزاع المسلح».
وتزامن اندلاع هذا النزاع العشائري بالقرب من بغداد مع تعرض رئيس البرلمان إلى هجمة قوية من قبل قيادات شيعية، على خلفية تصريح متلفز له عد فيه أن السلاح المنفلت في المحافظات الجنوبية يهدد السلم الأهلي، منطلقاً مما حصل في المحافظات الغربية عام 2013، التي مهدت الأحداث التي حصلت آنذاك إلى دخول تنظيم «داعش»، واحتلاله معظم المحافظات الغربية من البلاد. لكن الحلبوسي رد على الهجمة التي تعرض لها بموقف آخر جدد فيه موقفه مما عبر عنه قائلاً في تغريدة على «تويتر» إنه «في مدينتي (الأنبار) استخدم البعض شعاراته الرنانة قبل السلاح لإضعاف الدولة فسقطت المدينة بيد الإرهاب وذقنا الويلات». وأضاف: «كل السلاح خارج نطاق الدولة مخالف للقانون، ويهدد الأمن المجتمعي، بصرف النظر عن جهة حيازته، لا نريد أن تتكرر المأساة، ونعاني وأهلنا في الجنوب من السلاح المنفلت، وضعف مؤسسات الدولة».
من جهته، دعا تحالف «القوى العراقية»، مجدداً، إلى ضرورة ضبط السلاح المنفلت خارج الدولة. وقال التحالف، في بيان، أمس، إن «التحذير الذي أطلقه إنما ينطلق من تجربة مريرة عانتها المحافظات المحررة، وقد أدت إلى النتائج المأساوية المعروفة، التي لا يتمنى عراقي مخلص تكرارها في مكان آخر». وأضاف التحالف أن «احتكار الدولة للسلاح، ورد في البرامج الوزارية لكل الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة الكاظمي». كما أوضح التحالف أن «الفقرة أولاً وثالثاً من المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي، الذي منحت بموجبه الثقة بتصويت مجلس النواب نصت على أن من أولوياتها فرض هيبة الدولة من خلال حصر السلاح بيد المؤسسات الحكومية والعسكرية، وفرض التزام الجميع بالقانون والخضوع لأحكامه». وأكد التحالف أنه «حان الوقت من أجل تنفيذ هذا الهدف بدون تلكؤ، فهذا السلاح أصبح يستخدم لتحقيق مآرب شخصية، أو لتصفية الخصومات المحلية، والتجاوز على ممتلكات الدولة وهيبتها».
وبيّن «تحالف القوى» أنه «سيقوم من خلال التشاور مع كل القوى المؤيدة لمنهج إصلاح الدولة وتعديل مسيرتها إلى العمل على كل ما من شأنه تحقيق هذه الغاية من أجل مجتمع آمن ودولة مهابة الجانب».
إلى ذلك، أكد يحيى غازي عضو البرلمان العراقي عن تحالف «القوى العراقية»، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدعوة التي أطلقها الحلبوسي وكذلك بيان تحالف القوى العراقية بشأن ضبط السلاح المنفلت أياً كان، إنما هما تعبير عن الشعور بالمسؤولية انطلاقاً مما يحصل اليوم من فوضى على هذا الصعيد الجميع يعاني منها، التي بدأت تتمثل في كثرة الاغتيالات وغيرها من الممارسات، وهو مؤشر واضح على عدم حصر السلاح بيد الدولة، وعدم محاسبة من يقوم بذلك». وأضاف غازي أن «عملية حصر السلاح هي من ضمن أولويات جميع القوى السياسية، وقد تم بالفعل تضمين ذلك في المنهاج الوزاري للحكومة الحالية، وبالتالي لا بد من مساءلة الحكومة فيما إذا قصرت في هذا المجال، خصوصاً أن مسألة فرض هيبة الدولة هي الحل الوحيد لتمكينها من ممارسة عملها بصورة صحيحة».
وأوضح أن «دعواتنا ودعوات رئيس البرلمان إنما تنطلق من تجربتنا المرة في المحافظات الغربية، حيث إن التساهل في هذا المجال أدى إلى توغل الإرهاب وسيطرته على تلك المحافظات، ويعرف الجميع ما حصل فيها خلال تلك المرحلة».