وكالة استخبارات ألمانية تؤكد مساعي إيران لتطوير برنامجها النووي

طهران تعرض على المنشقين إما التجسس أو الانتقام من أقاربهم

صاروخ «كروز» عرضته إيران في 2 أغسطس (رويترز)
صاروخ «كروز» عرضته إيران في 2 أغسطس (رويترز)
TT

وكالة استخبارات ألمانية تؤكد مساعي إيران لتطوير برنامجها النووي

صاروخ «كروز» عرضته إيران في 2 أغسطس (رويترز)
صاروخ «كروز» عرضته إيران في 2 أغسطس (رويترز)

أضافت وكالة الاستخبارات المحلية لولاية سارلاند الألمانية، وزناً جديداً للتقارير الاستخباراتية الواردة من دول أخرى، التي تحدثت في السابق عن أن إيران سعت إلى الحصول على تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل وأنظمة الصواريخ الباليستية خلال عام 2019.
يذكر أن لكل من الـ16 ولاية فيدرالية في ألمانيا، أجهزة استخبارات محلية خاصة بها، وتصدر كل ولاية تقريراً سنوياً يوثق التهديدات للنظام الديمقراطي للدولة.
وأثبتت تقارير استخباراتية ألمانية متعددة من ولايات مختلفة محاولات إيران شراء مكونات تستخدم في تطوير الأسلحة النووية والصاروخية خلال عام 2019. على سبيل المثال، ورد في وثيقة وكالة مخابرات ولاية بادن فورتمبيرغ، المؤلفة من 181 صفحة، في فصل بعنوان «الانتشار»، أن كلاً من إيران وباكستان وكوريا الشمالية وسوريا «ما زالت تسعى بجهد» في هذا المجال.
وأضاف التقرير «أنهم يهدفون إلى استكمال ترساناتهم، وتحسين نطاق أسلحتهم وقابليتها للتطبيق وفعاليتها، وتطوير أنظمة أسلحة جديدة. فهم يحاولون الحصول على المنتجات الضرورية والمعرفة التقنية، من خلال جهود الشراء غير القانونية في ألمانيا».
وأوضح التقرير أن مصطلح «الانتشار» يشير إلى «زيادة انتشار أسلحة الدمار الشامل الذرية والبيولوجية والكيميائية - أو المنتجات والمعرفة اللازمة لتصنيعها - وأنظمة إطلاق هذه الأسلحة».
وكشفت وكالة الأمن الداخلي الألمانية الفيدرالية، في تقريرها الصادر في يوليو (تموز) من هذا العام، أن «جهاز الاستخبارات المحلية الفيدرالية استطاع العثور على مؤشرات لمحاولات شراء إيرانية متعلقة ببرنامجها النووي. وتبدو هذه المؤشرات واضحة عندما يشير النهج المتكرر لشراء منتجات مع طُرق تطبيقاتها في برنامج نووي، بالإضافة إلى التعرف على المتلقي النهائي وربطه بنقطة الاستفسار حول إمكانية شراء منتجات ذات صلة بالانتشار النووي».
من جانبها، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست»، إنها استعرضت تقرير المخابرات الألمانية المكون من 112 صفحة، الذي صدر الأسبوع الماضي بعنوان «نظرة عامة على الوضع»، وتناول التهديدات الأمنية التي تواجهها ولاية سارلاند الألمانية.
وقال مسؤولو الاستخبارات الألمانية، في تقريرهم، إن «كلاً من إيران وباكستان، وبدرجة أقل سوريا، بذلت جهوداً لشراء مواد تساعدها في زيادة تطوير أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها»، التي تعني عادة القدرة على إطلاق الصواريخ.
وتعتقد الولايات المتحدة، والعديد من دول الخليج، أن النظام الإيراني يسعى لتطوير أسلحة نووية منذ سنوات. واتصلت الصحيفة بوكالة الاستخبارات المحلية في ولاية سارلاند الألمانية، لكي تستفسر عن طبيعة المواد التي سعت إيران للحصول عليها في عام 2019. وردت على الصحيفة كاترين توماس، المتحدثة باسم وكالة الاستخبارات المحلية، عبر البريد الإلكتروني بقولها، إن «دستور ولاية سارلاند لا يسمح بنقل أي معلومات عن أنشطة الجماعات أو الأفراد».
وذكر التقرير أن «أفراد أجهزة الاستخبارات الأجنبية موجودون في ألمانيا في مواقع مختلفة مثل البعثات الرسمية وشبه الرسمية، مثل السفارة أو القنصلية العامة، أو تمثيل شبه رسمي مثل وكالة الأنباء وشركات الطيران في البلد المضيف كنقطة انطلاق لأنشطة الاستخبارات».
ووفقاً لوثيقة استخبارات سارلاند، فإن «موظفي المخابرات في الدول الأجنبية، الذين يفترض أنهم يعملون كدبلوماسيين أو صحافيين في ألمانيا، يقومون بجمع معلومات مفتوحة أو سرية بأنفسهم، أو يقدمون الدعم في العمليات الاستخباراتية التي يتم تنفيذها مباشرة من قبل المقرات الرئيسية لأجهزة المخابرات في بلدانهم الأصلية. ويستند تركيز أنشطة المشتريات الخاصة بهم على المتطلبات السياسية أو الأولويات الاقتصادية لدى دولهم».
وأشار مسؤولو المخابرات إلى أن الصين وإيران تكرران التكتيكات العدائية التي تتبعها روسيا في استهداف المنشقين والمعارضين داخل ألمانيا. ولاحظنا أن أجهزة المخابرات الإيرانية والصينية تنشط في هذا المجال. وأوضح التقرير أنه لكي تحقق إيران هدفها «تقوم بالاتصال بأشخاص مختارين من المعارضة، وتعرض عليهم التعاون الاستخباراتي معهم مقابل العفو عنهم، وتزويدهم بالمال. وفي حالة الرفض، تهددهم بالتعرض لأقاربهم الذين يعيشون داخل وطنهم، وتهددهم بالانتقام».
واستخدم النظام الإيراني الأراضي الألمانية لعمليات المراقبة والاغتيال التي استهدفت المنشقين الإيرانيين والموالين لإسرائيل والمؤسسات الإسرائيلية واليهودية.
وقام ريتشارد غرينيل، مدير المخابرات الأميركية السابق بالإنابة، بتوجيه اتهام لاذع للحكومة الألمانية، لفشلها في التصويت لصالح تمديد حظر الأسلحة على إيران. وكتب غرينيل، وهو أيضاً سفير سابق في ألمانيا، قائلاً: «كان هذا قراراً مقلقاً بشكل خاص من جانب ألمانيا، التي اتخذت مؤخراً خطوة جريئة للالتفاف على سياسة الاتحاد الأوروبي من خلال تصنيف (حزب الله) بأكمله منظمة إرهابية». وأضاف أن «قرار ألمانيا بعدم منع إيران من استيراد أنظمة الأسلحة الصينية والروسية له أهمية كبيرة بالنسبة لقدرات (حزب الله) في توفير الموارد، بحيث إنه يحيد بشكل فعال الخطوة الإيجابية التي اتخذتها برلين من خلال مراجعة سياسة (حزب الله)» الذي تصنفه ألمانيا منظمة إرهابية.



الدبلوماسية الفرنسية تنشط لتجنب الحرب الواسعة والرئيس ماكرون يسير على خُطى سلفه جاك شيراك

البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
TT

الدبلوماسية الفرنسية تنشط لتجنب الحرب الواسعة والرئيس ماكرون يسير على خُطى سلفه جاك شيراك

البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)

كثّفت الدبلوماسية الفرنسية نشاطها في نيويورك؛ حيث حضر في وقت واحد الرئيس إيمانويل ماكرون ومستشاروه وكذلك وزير الخارجية الجديد جان نويل بارو. وبذلت باريس جهوداً في العمل من أجل احتواء التصعيد العسكري بين «حزب الله» وإسرائيل، والتوصل إلى وقف للعمليات العسكرية.

ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي بدفع من الرئيس ماكرون، الذي يريد أن يكون لبلاده دور في حماية لبنان، بعد الإخفاق الذي واجهه منذ العام 2020 وقت انفجاري المرفأ، ورغم الزيارتين اللتين قام بهما إلى بيروت خلال أقل من شهر (في 6 أغسطس «آب» والأول من سبتمبر «أيلول»)، مقدماً خطة إنقاذ اقتصادية وسياسية ومالية واجتماعية، ودفع الطبقة السياسية من أجل التفاهم فيما بينها لإخراج البلاد من ورطتها متعددة الأشكال.

بيد أن شيئاً من هذا لم يتحقق، كما لم تنجح الجهود الفرنسية في الدفع لملء الفراغ على رأس المؤسسات اللبنانية، رغم تعاقب زيارات وزراء الخارجية الفرنسيين من جان إيف لودريان إلى كاترين كولونا وستيفان سيجورنيه، إضافة إلى المكلفين في قصر الإليزيه بالملف اللبناني.

سيجورنيه زار لبنان 3 مرات، بتكليف من ماكرون، ومنذ زيارته الأولى، بداية العام 2024، حمل خطة مفصلة لخفض التصعيد على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وعمد إلى صياغة بعض فقراتها نزولاً عن طلب رئيس الوزراء المستقيل نجيب ميقاتي، الذي استقبله ماكرون في قصر الإليزيه، كما استقبل قائد الجيش العماد جوزيف عون، والرئيس السابق للحزب الاشتراكي، وليد جنبلاط، وشخصيات لبنانية أخرى.

وخلال أشهر طويلة، كانت رسالة باريس للسلطات والسياسيين اللبنانيين، بمن فيهم مسؤولون من «حزب الله»، دعوتهم إلى التنبه من المخططات الإسرائيلية، ومن أن «حرب الإسناد» التي يقوم «حزب الله» «لن تبقى محصورة الإطار، ويمكن أن تتطور في أي يوم»، وفق تأكيدات مصادر فرنسية واكبت الجهود الدبلوماسية. كذلك نبهت باريس من «الخفة» التي يتعامل بها اللبنانيون مع المخاطر المقبلة.

ورغم التنافس بين باريس وواشنطن، التي قدمت هي الأخرى بشخص مبعوثها الرئاسي، آموس هوكشتاين، خطة موازية، فإن العاصمتين توصلتا، في النهاية، إلى العمل معاً، وفي اتجاه واحد. إلا أن النتيجة جاءت مخيبة، إلى أن حلّ التصعيد الأخير.

على خطى شيراك

اليوم تغير الوضع، والكارثة حلّت، ويمكن أن تتبعها كوارث أكبر، ومن عناوينها قد تكون الحرب البرية، وسعي إسرائيل لاحتلال أقسام من الجنوب اللبناني (وهو ما فعلته سابقاً) وتمددها لتتحول إلى حرب إقليمية مع احتمال أن تتدخل بها إيران المتأرجحة حالياً بين رغبتها في الانفتاح على الغرب، وعدم التصادم مع إسرائيل والقوات الأميركية المنتشرة بقوة في المنطقة وبين «واجبها» دعم «حزب الله» ومنع هزيمته.

من هنا، فإن الحراك الفرنسي ارتقى إلى درجة أعلى، فالرئيس ماكرون لم يتردد في بث شريط فيديو قبل 5 أيام وجهه إلى «اللبنانيين واللبنانيات الأعزاء»، ليؤكد «مساندتهم في أي محنة يمرون بها»، وليشدد على أن لبنان «لا يمكن أن يعيش في حالة التخوف من حرب مقبلة».

ومع انتقاله إلى نيويورك، كان ماكرون الرئيس الغربي الوحيد الذي التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان؛ حيث عمد إلى «تسليط الضوء على مسؤولية إيران في دعم تهدئة عامة (في الشرق الأوسط بما فيه لبنان) واستخدام نفوذها في هذا الاتجاه لدى الأطراف المزعزعة للاستقرار التي تتلقى دعمها».

وزاد ماكرون: «نحضّ إسرائيل على وقف هذا التصعيد في لبنان، ونحضّ (حزب الله) على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. نحضّ كل من يزوّد (حزب الله) الوسائل اللازمة للقيام بذلك على التوقف»، عادّاً في الوقت نفسه أنّه لا يمكن لإسرائيل أن «توسّع عملياتها في لبنان من دون عواقب».

ونبه ماكرون، متحدثاً عن التطورات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية من أن «الخطر الرئيسي راهناً هو (خطر) التصعيد» في الشرق الأوسط، معرباً عن تعاطفه مع لبنان والشعب اللبناني. وإذ انتقد «حزب الله» الذي «يجازف منذ وقت طويل جداً بجر لبنان إلى الحرب»، دعا جميع الفرقاء إلى الوفاء بالتزاماتهم على طول الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان.

وأكد أن باريس ستتحرك «من أجل بلورة مسار دبلوماسي لا غنى عنه، يهدف إلى تحييد السكان المدنيين والحؤول دون انفجار إقليمي». وأعلن أنه طلب من وزير خارجيته التوجه إلى لبنان نهاية الأسبوع. وبطلب من فرنسا، عقد مجلس الأمن لبحث التصعيد العسكري والتطورات الخطيرة.

باريس تسعى لدفع واشنطن للتحرك الجدي

لم يتوقف الحراك الفرنسي عند هذا الحد، إذ إن باريس ترى أن مساعيها لا يمكن أن تؤتي أُكلها من غير مشاركة أميركية فاعلة. من هنا، انكب فريقا البلدين على بلورة مبادرة مشتركة، كشف عنها وزير الخارجية في كلمته أمام مجلس الأمن؛ حيث قال إن «فرنسا عملت، في الأيام الأخيرة، مع شركائنا الأميركيين على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوماً لإفساح المجال أمام المفاوضات»، مضيفاً أن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» «ليس حتمياً» بشرط أن تنخرط كل الأطراف «بحزم» في إيجاد حلّ سلمي للنزاع.

ووفق القراءة الفرنسية، فإن «التوترات بين (حزب الله) وإسرائيل اليوم تُهدّد بدفع المنطقة إلى صراع شامل لا يمكن التكهن بعواقبه». وما كان للمبادرة المشتركة المستعجلة أن ترى النور من غير حصول اجتماع في نيويورك بين الرئيسين الفرنسي والأميركي. وما تتخوف منه باريس، وفق مصادرها، أن يكون الانخراط الأميركي في الملف اللبناني - الإسرائيلي شبيهاً بانخراطها فيما خص حرب غزة، حيث «الخطوط الحمراء» التي وضعتها واشنطن لإسرائيل ول نتنياهو تهاوت تباعاً، ولم تنجح واشنطن في إلزام الأخير بهدنة دعت إليها مراراً وتكراراً وتوقعت حصولها.

ويتضح مما سبق أن الرئيس ماكرون يريد أن يكون له دور فاعل في الأزمة الراهنة، وربما أنه استوحى الدور الذي لعبه جاك شيراك، الرئيس الأسبق، في وضع حد للحربين اللتين شنتهما إسرائيل على لبنان في 1996 وفي 2006. ففي الأولى، أرسل شيراك وزير خارجيته هيرفيه دو شاريت إلى المنطقة، وطلب منه البقاء فيها حتى انتزاع اتفاق. وفي الثانية، كان لباريس دور كبير في دفع مجلس الأمن لتبين القرار الشهير 1701 الذي وضع حدّاً للحرب، ولكن ليس للنزاع المستمر بين إسرائيل ولبنان، الذي ما زال الأساس الذي تدور حوله المناقشات في الأمم المتحدة.

وثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها؛ أولها يتناول مدى الجدية الأميركية، وثانيها الطريق إلى بلورة آلية تمكن من تنفيذ القرار المذكور، وثالثها الموقف الإيراني ورغبة طهران في المساعدة، ورابعها المدة الزمنية اللازمة للحصول على موافقة الأطراف المعنية المبادرة المشتركة، وآخرها معرفة ما يريده حقيقة نتنياهو من حربه الراهنة على لبنان، والأهداف التي يريد تحقيقها قبل أن يقبل الهدنة.