مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً عقب «خلافات المسودة الموحدة»

القاهرة تؤكد استمرار عدم التوافق... وأديس أبابا تعلن استئناف المحادثات

مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً عقب «خلافات المسودة الموحدة»
TT

مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً عقب «خلافات المسودة الموحدة»

مفاوضات «سد النهضة» تتعثر مجدداً عقب «خلافات المسودة الموحدة»

تعثرت من جديد مفاوضات «سد النهضة» بين مصر والسودان وإثيوبيا، بسبب عدم التوصل لتوافق على دمج المسودات التي تقدمت بها الدول الثلاث لـ(نقاط الخلاف) في (مسودة واحدة) وذلك لتقديمها لرئاسة الاتحاد الأفريقي بحسب تصريحات رسمية مصرية وسودانية، الأمر الذي تقرر على إثره «مخاطبة كل دولة للاتحاد الأفريقي بشكل منفرد، وعرض رؤيتها للمرحلة المقبلة من المفاوضات»، وجاء هذا القرار إثر اجتماع وزراء الري في الدول الثلاث مساء أول من أمس.
وبينما أكدت مصر «استمرار (عدم التوافق) بين الدول الثلاث حول العديد من النقاط القانونية والفنية بشأن (النسخة الأولية المجمعة)، والتي لم ترق بعد لعرضها على هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي برئاسة جنوب أفريقيا». أعلن وزير الري الإثيوبي، سيليشي بيكلي، أمس، أنه «من المتوقع استئناف اجتماعات (سد النهضة) في 14 سبتمبر (أيلول) المقبل، وذلك بعدما تعثرت المفاوضات الثلاثية الأخيرة».
وتجري مصر مفاوضات، برعاية الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع اتفاق ملزم ينظم قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة»، الذي تبنيه أديس أبابا على نهر «النيل الأزرق»، الرافد الرئيسي لنهر النيل. وتتمسك مصر والسودان بضرورة «الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم، ينظم عمليتي الملء والتشغيل، بما يؤمن مصالحهما المائية ويحد من أضرار السد، خصوصاً في أوقات الجفاف والجفاف الممتد». في حين ترفض إثيوبيا ما تصفه بـ«تقييد حقوقها في استخدام مواردها المائية».
وأكدت «الري المصرية» في بيان لها مساء أول من أمس، أن «اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي، وبحضور مراقبين من الدول الأعضاء بهيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، استعرض فيه الوفد المصري نتائج أعمال اللجنة القانونية والفنية بشأن النسخة الأولية لمقترحات الدول الثلاث». وأضافت «الري المصرية» أنه «بعد نقاش مطول، توافق وزراء المياه على قيام كل دولة منفرده بإرسال خطاب إلى رئيس جنوب أفريقيا، يتضمن رؤيتها للمرحلة المقبلة من المفاوضات».
وكان مقرراً أول من أمس (الجمعة) عرض «المسودة الأولية» على رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بوصفه الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي. ويرعى الاتحاد الأفريقي المفاوضات منذ يوليو (تموز) الماضي، على أمل الوصول لاتفاق يُنهي النزاع المائي.
وبدأت إثيوبيا في تشييد السد منذ عام 2011 بهدف توليد الكهرباء. وتسعى أديس أبابا لأن يكون السد أكبر المشاريع الكهربائية في القارة الأفريقية. وتخشى القاهرة من تأثير السد على حصتها من المياه، والتي تتجاوز 55 مليار متر مكعب سنوياً، تحصل على أغلبها من «النيل الأزرق». وتشكو القاهرة من ضعف مواردها المائية، إذ تعتمد بأكثر من 90 في المائة على حصتها من النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
ولفتت «الري المصرية» أن «اجتماع أول من أمس، عُقد بناءً على مخرجات (القمة الأفريقية) المصغرة في يوليو الماضي، والاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والري من الدول الثلاث في 16 أغسطس (آب) الجاري».
في سياق متصل، أعلن السودان «تعثر المفاوضات وعدم التوصل لـ(مسودة الموحدة) لمقترحات الملء والتشغيل». وأكد السودان أن «المفاوضات، هي الطريق الوحيد للتوصل لاتفاق، وأنه سيكون مستعداً لاستئناف المفاوضات في أي وقت، بعد التواصل مع رئاسة الاتحاد الأفريقي». وقال وزير الري السوداني، ياسر عباس، مساء أول من أمس، إن «استمرار المفاوضات بصيغتها الحالية، لن يؤدي إلى تحقيق نتائج عملية، وأن الوصول لاتفاق يحتاج إلى إرادة سياسية».
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في وقت سابق، عن إتمام عملية الملء الأولى للسد، دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، ما أثار حفيظة دولتي المصب... ويشار إلى أنه رغم توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا في مارس (آذار) عام 2015. والذي اعتمد التفاوض كسبيل للتوصل لاتفاق حول قضية مياه النيل و«سد النهضة»؛ إلا أن المفاوضات لم تسفر عن اتفاق منذ ذلك الحين.
من جهته، قال وزير الري الإثيوبي في تغريدة له على «تويتر» أمس، إن «الدول الثلاث، لم تتوصل إلى (مسودة الاتفاق المرجوة) حول (سد النهضة) خلال المفاوضات التي استمرت على مدار الأسبوعين الماضيين»، لافتاً إلى أن «الموعد المتوقع لاستئناف الاجتماعات هو الشهر المقبل»، مضيفاً أن «الموعد بانتظار تأكيد السودان».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.