برلين تشدد على ضرورة تغيير سلوك طهران في المنطقة

مدير «الطاقة الذرية» يؤكد أن تفتيش موقعين إيرانيين «قريب جداً»

المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي يتحدث للصحافيين بعد وصوله إلى فيينا قادما من طهران أول من أمس (إ.ب.أ)
المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي يتحدث للصحافيين بعد وصوله إلى فيينا قادما من طهران أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

برلين تشدد على ضرورة تغيير سلوك طهران في المنطقة

المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي يتحدث للصحافيين بعد وصوله إلى فيينا قادما من طهران أول من أمس (إ.ب.أ)
المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي يتحدث للصحافيين بعد وصوله إلى فيينا قادما من طهران أول من أمس (إ.ب.أ)

أعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن تأييده لإجراء محادثات مع إيران بشأن برنامجها الصاروخي وتعديل سلوكها الإقليمي، خاصة تصرفاتها في سوريا والعراق ولبنان، فيما كشف المدير العام للوكالة الدولية، رافائيل غروسي، دخول المفتشين الدوليين إلى موقعين إيرانيين، قريبا.
وقال ماس، أمس في أعقاب محادثات مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي، على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في برلين، «يجب على إيران أن تغير سلوكها في المنطقة»، مضيفا «نحن لسنا ساذجين بشأن إيران ونعرف أنها تلعب دورا خطيرا في المنطقة»، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
وكان الدور الإقليمي والصواريخ الباليستية من أهم دوافع انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران. وتتحفظ الدول الأوروبية على «استراتيجية الضغط الأقصى» الأميركية. وتقول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا المعروفة باسم مجموعة (إي3) إنها تسلك نهجا مختلفا، إذ ترغب هذه الدول في التمسك بالاتفاق النووي، وتحاول، بناء على هذا، دفع إيران إلى تقديم المزيد من التنازلات في القضايا الخلافية.
وانتقدت الإدارة الأميركية، الموقف الأوروبي من رفض تمديد حظر السلاح الأممي على إيران، قبل أن تتجه إلى تفعيل آلية «سناب بك».
والثلاثاء، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال استقباله لوزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، على تغيير سياسة لندن حيال طهران والانضمام للعقوبات الأميركية وقطع الطريق على أي محاولة إيران للحصول على امتلاك أسلحة نووية.
وقبل ذلك بيوم، أبلغ وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بأنه قلق بشأن انتهاء أجل حظر الأسلحة المنصوص عليه في القرار 2231. مشيرا. إلى أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا «عازمة على إيجاد حل».
وسُمح هذا الأسبوع لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بزيارة طهران شخصياً في ظل التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين حول محاولة واشنطن تمديد حظر السلاح المفروض على إيران وتفعيل «سناب بك».
ومن المقرر أن يجتمع ممثلون من المجموعة (إي3) الأوروبية، مع روسيا والصين، إضافة إلى إيران، في فيينا، الأربعاء المقبل، لبحث مسار الاتفاق النووي. وقالت نائب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، هلغا شميد، إنها سترأس الاجتماع، ورحبت عبر تويتر، أول من أمس، باتفاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، على دخول مفتشي الوكالة موقعين نووين مشبوهين في إيران.
ولدى عودته إلى فيينا، أفاد غروسي، أن مفتشي الوكالة سيتوجهون «قريباً جداً جداً» إلى الموقعين، لكنه أضاف أنه «غير قادر في الوقت الراهن على تحديد متى بالضبط سيقومون بذلك»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وبعد ختام مشاورات غروسي في طهران، قال بيان مشترك إن إيران «تتيح طواعية للوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول الموقعين اللذين حددتهما الوكالة» وأضاف أنه حتى الآن على الأقل لا تريد الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول مزيد من المواقع غير المعلنة.
ومع ذلك فإنها ما زالت تبحث عن إجابات بخصوص أصل ومكان وجود قرص معدني من اليورانيوم قد يكون في موقع ثالث لا ترى جدوى من دخوله بسبب «التطهير الشامل وأعمال التسوية» التي تمت هناك عامي 2003 و2004.
ونقلت رويترز عن البيان «في هذا السياق الراهن وبناء على تحليل المعلومات المتاحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليس لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أي تساؤلات أخرى لإيران أو أي طلبات أخرى لدخول مواقع بخلاف تلك التي أعلنتها طهران».
وكان غروسي قد أبلغ وكالته في مارس (آذار) أن إيران منعت مفتشيها من الوصول للموقعين اللذين يُشتبه أنه يجري فيهما تحويل اليورانيوم واختبارات المتفجرات منذ مطلع الألفية الجديدة. ويبدو أنه جرت منذ ذلك الحين عمليات هدم وغيرها من الأعمال التي قد تكون أزالت آثار الماضي، وهو ما يطلق عليه «التطهير» بلغة المفتشين.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالب بدخول الموقعين منذ يناير (كانون الثاني) للاشتباه في أنهما يحتويان على مواد نووية، يجب أن تحاط بها الوكالة علما بشكل كامل من أجل التحقق من أن الأنشطة النووية للبلد سلمية تماما.
وبموجب الاتفاق النووي المبرم مع القوى الكبرى، تنفذ إيران ما يسمى البروتوكول الإضافي، وهو اتفاق مع الدول الأعضاء بشكل فردي يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلطة إجراء عمليات تفتيش مفاجئة حتى في أماكن لم يُعلن أنها مواقع نووية.
وتعتقد أجهزة المخابرات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كان لديها برنامج أسلحة نووية سري أوقفته في عام 2003 خشية اكتشافه.
وقالت صحيفة افتتاحية «رسالت» المحافظة تحت عنوان «متاهة الوكالة» إن زيارة غروسي إلى طهران والبيان المشترك «سيؤديان إلى هواجس مهمة فيما يخص علاقات إيران والوكالة الدولية»، منتقدة مدير الوكالة على «عدم تلبية توقعات إيران حيال أنشطتها السلطة».
واعتبرت الصحيفة أن أداء الوكالة في الوقت الحالي والسابق، «لم يترك أي مجال للثقة بالوكالة»، محذرة من أن «الثقة بالوكالة مثل الثقة بالغرب، خطأ استراتيجي في الحسابات التقنية والاستراتيجية لإيران».
واتهمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالعمل على ممارسة الضغوط عبر الوكالة الدولية للوصول إلى عمليات تفتيش غير محدودة في المراكز العسكرية الإيرانية» واعتبرت التفتيش «غير قانوني وغير متعارف». وذهبت ابعد من ذلك عندما اتهمت غروسي بتقديم تعهدات إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «سيدعم استراتيجية الضغط الأقصى على إيران».
أما صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، فأشارت في التقرير الرئيسي تحت عنوان «اتفاق غروسي في طهران»، إلى خلفية العلاقات الإيرانية والوكالة الدولية في زمن المدير العام السابق للوكالة الدولية، يوكيا أمانو، وتأثير «علاقة التعاون» على تقارير الوكالة حول التزام إيران بالاتفاق النووي. وقالت «خلال عام من حضور غروسي في منصب المدير العام للوكالة، اتخذت إيران خطوات لوقف التزاماتها في الاتفاق النووي، وكانت العلاقة مهددة بالدخول في مسار قائم على عدم الثقة المتبادل تحت تأثير المساعي الأميركية».
انطلاقا من هذه النقطة، شددت الصحيفة في تقييمها لزيارة غروسي والبيان المشترك، على «بدء فصل جديد من العلاقة بين إيران والوكالة الدولية ومحاولة الترميم وعودة الثقة المتبادلة».



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».