لبنان: مستوردو السلع الأساسية يحذرون من رفع «الدعم»

صفيحة البنزين قد تتجاوز الـ60 ألفاً والدواء سيصبح بلا سقف

السلع الأساسية قد تسعّر بدولار السوق السوداء إذا رفع الدعم عنها (الشرق الأوسط)
السلع الأساسية قد تسعّر بدولار السوق السوداء إذا رفع الدعم عنها (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: مستوردو السلع الأساسية يحذرون من رفع «الدعم»

السلع الأساسية قد تسعّر بدولار السوق السوداء إذا رفع الدعم عنها (الشرق الأوسط)
السلع الأساسية قد تسعّر بدولار السوق السوداء إذا رفع الدعم عنها (الشرق الأوسط)

منذ بداية العام الحالي، واللبنانيون يعانون من ارتفاع أسعار السلع بشكل «جنوني» مستمر؛ وذلك بسبب أزمة شحّ الدولار (سعره الرسمي 1515 ليرة) وارتفاع سعره في السوق السوداء إلى فوق 7 آلاف ليرة. إلا أنه وعلى الرغم من المعاناة، كان دعم مصرف لبنان للسلع الأساسية يشكل عكّازة يتكئون عليها لتأمين رغيف الخبز والدواء وما يحتاجون إليه من وقود للتدفئة أو التنقل. ولكن حتى هذه السلع قد تصبح قريباً على سعر صرف دولار في السوق السوداء، وذلك في ظل الحديث عن اتجاه مصرف لبنان إلى التوقف عن دعم القمح والمحروقات والدواء، أي السلع الأساسية الثلاث التي يؤمّن المصرف دولار استيرادها على أساس سعر الصرف الرسمي.
رفع الدعم عن الدواء سيكون بمثابة «الكارثة الإنسانية»، على حد تعبير نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة؛ وذلك لأسباب عدة، منها أن المواطن يدفع حالياً 35 في المائة من فاتورة الدواء وهو بالكاد يستطيع تحملها، فكيف إذا رُفع الدعم وتضاعفت قيمة هذه الفاتورة؟
وعن الزيادة التي ستطرأ على سعر الدواء، لفت جبارة في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه «من الصعب تحديدها؛ إذ لن يكون هناك سعر ثابت أو سقف، فسعر الدواء سيرتبط مباشرة بسعر صرف الدولار في السوق السوداء والتي سيزيد الطلب عليها من قبل جميع المستوردين الذين رفع الدعم عن السلع التي يستوردونها، وبالتالي سيرتفع سعر الدولار بشكل مستمر ويرتفع معه سعر الدواء»، لكن إذا ما احتسبنا أن سعر الصرف سيكون كما هو هذه الأيام، أي 7500، فهذا يعني مضاعفة سعر أي دواء خمس مرات.
وفي حين أشار جبارة إلى أن الصناديق الضامنة تدفع 65 في المائة من قيمة فاتورة الدواء، ذكر أن «ميزانية هذه الصناديق بالليرة اللبنانية وهي لا تملك إيرادات باستثناء صندوق الضمان الاجتماعي والذي تضاءلت إيراداته بسبب توقف الكثير من الموظفين عن العمل أو خفض رواتبهم»، معتبراً أنه أمام هذا الواقع وفي حال اعتمد رفع الدعم «لن يكون لدى هذه الصناديق ما يكفيها من أموال لتغطية فاتورة الدواء؛ ولذلك ستصبح أمام خيارين: إما الإقفال أو الترشيد عبر تقليل نسبة المستفيدين وحصرهم بـ20 في المائة على سبل المثال» وهذا سيضع المواطنين أمام أزمة حقيقية تحول دون حصولهم على الدواء.
بالإضافة إلى ما تقدم، اعتبر جبارة أن رفع الدعم «سيتسبب أيضاً في انقطاعات مستمرة في الدواء»؛ إذ إن المستوردين يواجهون حالياً مشكلة بتأمين الـ15 في المائة من فاتورة الدواء بالدولار، فكيف إذا رُفع الدعم وأصبحت فاتورة الاستيراد كاملة بالدولار؟
وأكد جبارة أنه حتى اللحظة لم يتم تبليغ النقابة بشكل رسمي أو غير سمي باتجاه نحو رفع الدعم، آملاً ألا يطال رفع الدعم القطاع الطبي ليظل على الأقل الدواء متوافراً للبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية.

سعر صفيحة البنزين قد يتجاوز الـ100 ألف
تماماً كما في قطاع الدواء، لم يبلّغ قطاع المحروقات بشكل رسمي عن رفع الدعم، لكنه يحذر من أزمة حقيقة قد تواجه القطاع والمواطنين في حال المضي في هذه الخطوة. وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات في لبنان سامي البراكس، أن رفع الدعم يعني تلقائياً تعديلاً بأسعار المحروقات، لافتاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه في حال احتساب الدولار على أساس الـ4000 ليرة سيرتفع سعر صفيحة البنزين إلى 60 ألف ليرة، أما إذا احتسبناه على أساس الـ7500 فسيتجاوز سعر الصفيحة الـ100 ألف ليرة.

رفع الدعم بات حتمياً
وفي حين يؤكد مستوردو هذه السلع أنهم حتى اللحظة لم يسمعوا كلاماً رسمياً في هذا الشأن، يعتبر الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أن رفع الدعم بات حتمياً و«سنصل إليه عاجلاً أم آجلاً مع الإشارة إلى أن الآجل أيضاً لم يعد بعيداً».
يشوعي وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، أوضح أنه في ظل تراجع احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية بشكل كبير «بدأ المصرف في التصرف بالاحتياط الإلزامي، وذلك بعدما تصرف بأموال المودعين فلم يعد لديه ما يكفي لدعم السلع الأساسية أو حتى الـ300 سلعة ضمن السلة الغذائية والتي يوفر لها الدولار على أساس سعر صرف وسطي أي 3900»، لافتاً إلى أن «رفع الدعم يعني عملياً ربط سعر هذه السلع بشكل مباشر بسعر الدولار في السوق السوداء والتي تُعتبر السوق الحقيقية والأساسية؛ إذ لا المصارف توفر الدولار ولا الصرافون الرسميون يقومون بذلك».
وفي الإطار نفسه، أشار يشوعي إلى أن مصرف لبنان «سيلجأ بطبيعة الحال إلى زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية»، وفي الوقت نفسه «سيزداد الطلب على الدولار من المصدر الوحيد أي السوق السوداء»؛ ما يعني «استمرار ارتفاع سعر الصرف مقابل الدولار والمزيد من انهيار قيمة الليرة اللبنانية»، وأيضاً «استمرار ارتفاع أسعار السلع في ظل واقع اقتصادي سيئ وازدياد نسبة البطالة مما سيؤدي حتماً إلى انفجار اجتماعي».
وفي حال ارتباط سعر السلع بسعر الدولار في السوق السوداء سيتجاوز سعر ربطة الخبز الـ5000 ليرة، وسعر كيلو الدجاج الـ50 ألفاً، وكيلو اللحم الـ80 ألفاً، وعلبة دواء البانادول الـ15 ألفاً، هذا إذا كان سعر الصرف كما هو حالياً، أي 7500.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.