معاناة ضحايا انفجار بيروت السوريين مضاعفة

بحث عن مدافن وتمييز في العلاج والمساعدات

جانب من الآثار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
جانب من الآثار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
TT

معاناة ضحايا انفجار بيروت السوريين مضاعفة

جانب من الآثار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت (رويترز)
جانب من الآثار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت (رويترز)

منذ عامين ونصف العام، رُزق عبد القادر إبراهيم بلوسو بطفلة، كانت آخر العنقود والوحيدة من أبنائه الأربعة التي ولدت في بيروت المدينة التي التجأ إليها هرباً من الحرب في سوريا. أصر عبد القادر حينها أن يسميها فرح: «ستكون مصدر الفرح، ستجلب لنا السعادة والسلام».. قال لزوجته فاطمة، ولكنه لم يكن يعلم حينها أنها ستنتظره يوماً ما من دون أن يعود إليها.
نحو 3 أسابيع مرت على انفجار المرفأ في بيروت الذي كان عبد القادر أحد ضحاياه، وفرح لم تمل الجلوس عند باب البيت تنتظر عودة والدها، تناديه حيناً وتبكي حيناً آخر عله يُشفق عليها ويعود ليأخذها «مشوار»، كما اعتاد أن يفعل كلما عاد من عمله.
لا تعرف فرح أن الأقدار شاءت أن يكون والدها في مكان عمله في منطقة الكارنتينا لحظة وقوع انفجار المرفأ في بيروت، حيث «أصيب بظهره»، كما تقول زوجته فاطمة، مضيفة في حديث مع «الشرق الأوسط» أن أحد الأشخاص الذين كانوا يساعدون في نقل المصابين إلى المستشفى حاول إنقاذ زوجها، ولكنه لم يستطع إيجاد مشفى يستقبله إلا بعد ساعتين، وكان حينها قد فارق الحياة، فبدأت رحلة البحث عن مشفى يستقبل جثته، وقد «أخذ الأمر أيضاً ساعتين تقريباً. فعند الساعة العاشرة ليلاً، استقبل أحد المشافي في منطقة بصاليم (جبل لبنان) جثته».
في عام 2013، قدم عبد القادر، هو وعائلته (زوجته وثلاثة أبناء حينها)، إلى لبنان هرباً من الموت في حلب، حيث سكن في منطقة سن الفيل، وعمل حداداً. «كانت أمورنا ميسّرة، ولو بصعوبة، كنا مستورين في منزل نأكل ونشرب، وأولادنا يذهبون إلى مدارسهم».. تقول فاطمة، مضيفة: «اليوم، ذهب المعيل، كيف لي أن أكمل الحياة وأقوم بأمر أبنائي الأربعة وحدي؟».
منزل فاطمة لم يتضرر كثيراً، ولا يزال يأويها وأولادها، حيث يسكنون تحت سقفه ويأكلون مما تيسر في المنزل، أو ما ترسله بعض الجمعيات من وجبات، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، فما في البيت من مؤنة سينفد قريباً، والجمعيات لن تبقى توزع المساعدات طوال الحياة، وحتى المنزل نفسه لن يدوم، فإيجاره 480 ألفاً كان يدفعها زوجها، أما اليوم فما من أحد ليدفع الإيجار.
مشاعر عدة تختلج في صدر فاطمة التي تحمد الله حيناً، وتتمنى لو أن شريك حياتها لا يزال على قيد الحياة أحياناً، وتشعر بالامتنان لأن أطفالها لا يزالون على قيد الحياة، تحزن ثم تؤجل الحزن إلى حين إيجاد حل يضمن استمرار عيش أطفالها بكرامة، تفكر وهي التي ليس لديها أي أقارب في لبنان بالذهاب إلى أهلها في تركيا أو إلى أهل زوجها في ألمانيا: «لا أعلم إن كان ذلك ممكناً، ولكن هذا خياري الوحيد؛ لن أستطيع البقاء هنا».. تقول، مضيفة: «الحمد لله على كل شيء، ولكن حياتي تغيرت 180 درجة؛ لم يعد لي ولأولادي من سند مادي ولا معنوي، موت زوجي كسر ظهري، ولكنني أحاول أن أنجو بعائلتي».
أبناء عبد القادر عهد ونور الهدى وإبراهيم ودعوه قبل أن يرتاح في مثواه الأخير، وأيقنوا أنه لن يعود مجدداً، وأنهم أصبحوا يتامى الأب في بلد غير بلدهم، أما فرح فلا تزال تنتظر عند الباب، تنادي والدها عله يعود.
- البحث عن مقبرة
دُفن عبد القادر في محافظة عكار (شمال لبنان)، في قرية لا تذكر فاطمة اسمها، ولكنها تقول إنها قريبة من الحدود مع سوريا، إلا أن عشرات العائلات السورية لا تزال تواجه مشكلات تتعلق بالدفن، لجهة صعوبة إيجاد مقبرة تستقبل ضحاياهم في لبنان، فضلاً عن الصعوبات المادية المتعلقة بنقل الجثة إلى سوريا، كما يوضح المدير التنفيذي في «بسمة وزيتونة» (منظمة غير حكومية تدعم اللاجئين في لبنان)، فادي حليسو، شارحاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن بعض العائلات السورية «لا تستطيع دفع الرسوم التي فرضتها الحكومة لدخول الأراضي السورية (أي 100 دولار للفرد)، فضلاً عن إجبار المواطنين السوريين العائدين إلى بلادهم على إجراء فحص كورونا الذي تبلغ كلفته 150 ألف ليرة لبنانية».
وانطلاقاً مما تقدم، يحتاج المواطن السوري إلى ما يقارب المليون ليرة لبنانية (كلفة شراء الـ100 دولار من السوق السوداء تبلغ نحو 800 ألف ليرة لبنانية، تضاف إليها كلفة فحص كورنا)؛ أي ما يوازي راتباً شهرياً لبعض العمال السوريين، وذلك فقط لعبور الحدود من دون احتساب كلفة النقل والدفن.
- المستشفيات لا تستقبل السوريين
أمام هذا الواقع، لجأت عائلة سورية إلى إرسال جثة ابنها عن طريق التهريب إلى سوريا، وذلك بسبب عوائق مادية وعملية تحول دون أرسالها بطريقة قانونية. ويقدم الفريق القانوني في «بسمة وزيتونة» الذي كان يساعد اللاجئين السوريين في تسجيل الزواجات والولادات حالياً إلى أهالي ضحايا السوريين في التفجير الدعم المادي والقانوني لإصدار شهادات وفاة وتصاريح بالدفن، إلا أن من استطاعت الجمعية الوصول إليهم 10 حالات فقط، من أصل 43 سورياً قتلوا في الانفجار الذي أودى بحياة 182 شخصاً.
فضلاً عن مشكلات الدفن، يواجه المصابون السوريون مشكلات بتلقي العلاج، إذ يؤكد حليسو أن عدداً كبيراً منهم «لا يتلقى العلاج اللازم لأن بعض المستشفيات لا تلتزم بتعميم وزارة الصحة الذي يوصي بمعالجة جميع جرحى تفجير المرفأ على نفقة الوزارة، فترفض استقبال السوريين الذين باتوا يلجأون إلى المشافي الميدانية»، مضيفاً أن «40 شخصاً مصاباً لجأ إلى الجمعية، بينهم عدد كبير إصابته خطيرة حرجة تحتاج إلى تدخل طبي سريع، إذ تبحث الجمعية عن من يكفل هؤلاء».
الشكوى من عدم التزام المستشفيات بتعميم وزارة الصحة كررها عدد من المصابين السوريين الذين التقينا بهم، بالإضافة إلى الحديث عن تمييز نحوهم في تقديم المساعدات، إذ يقول أحد من التقيناهم، ويُدعى أحمد: «ذهبت إلى أحد المراكز لأسجل أسمي من أجل الحصول على مساعدات، فطلبوا مني بطاقتي الشخصية، وعندما عرفوا أنني سوري الجنسية اعتذروا إلي قائلين إن المساعدات للبنانيين حصراً»، مضيفاً أنه أخبرهم بأن بيته تضرر، وأنهم يستطيعون التأكد من ذلك بأنفسهم، فجاءه الرد: «هناك جمعيات تعنى بالسوريين، ونحن لسنا واحدة منهم».
عدد كبير من السوريين تضررت بيوتهم، وأصبحوا بلا مأوى، تحاول بعض الجمعيات مساعدتهم «ولكن هذه المساعدة تبقى مرحلية، فالموضوع بحاجة إلى حل على المدى البعيد لهؤلاء»، كما يوضح حليسو، مؤكداً أن المشكلة الحالية لا تكمن في تأمين طعام ومسكن هؤلاء في الوقت الحالي، فهذا مؤمن حالياً إما عبر مساعدات جهات معينة أو أقارب لهم. ولكن بعد شهر أو أكثر، سيجد هؤلاء أنفسهم أمام مشكلة حقيقية، لا سيما العائلات التي فقدت معيلها.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.