بري وحيداً في مواجهة استحقاق الحكومة اللبنانية

عون يحيل كل من يراجعه بأمر سياسي على باسيل «رئيس الظل»

بري متمسكاً برشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة (الوكالة المركزية)
بري متمسكاً برشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة (الوكالة المركزية)
TT

بري وحيداً في مواجهة استحقاق الحكومة اللبنانية

بري متمسكاً برشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة (الوكالة المركزية)
بري متمسكاً برشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة (الوكالة المركزية)

يقول معظم الذين يواكبون ما تسمى بحركة الاتصالات لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي لا تزال تدور في حلقة مفرغة، إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يقاتل وحيداً لإخراج لبنان من التأزم السياسي الذي دفع به إلى الهاوية، ويؤكد هؤلاء أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يبادر حتى الساعة للانضمام للجهود التي يقوم بها بري ويصر على أن يقدم نفسه على أنه الممر الإلزامي لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي وإعادة إعمار ما دمره الانفجار الذي استهدف بيروت، مع أن خصومه وما أكثرهم ينظرون إليه على أنه جزء من المشكلة، وبالتالي ليس في مقدوره توفير الحلول.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس حكومة سابق (فضل عدم ذكر اسمه) أن الأزمة كانت قائمة قبل استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري لكنها سرعان ما تفاقمت وبلغت ذروتها مع ولادة حكومة حسان دياب الذي اضطر إلى الاستقالة تحت وطأة التداعيات التي خلفها الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «من أوجد هكذا حكومة سرعان ما تخلى عنها وضحى برئيسها (حسان دياب) باعتبار أن التضحية به من أسهل الأضاحي».
ويلفت رئيس الحكومة السابق إلى أن المسؤولية السياسية حيال الانفجار في مرفأ بيروت لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية والإدارية في المرفأ، وإنما على رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين لم يبادرا إلى التحرك لتدارك حصول الانفجار بعد أن تلقيا تحذيرات رفعها إليهما رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا في مراسلاته لهما، ويقول إن المسؤولية على الآخرين تبقى في حدود محاسبتهم على التقصير والإهمال والاستخفاف في الإبقاء على المواد المتفجرة مخزونة في العنبر رقم 12.
ويسأل: لماذا لم يتحرك رئيسا الجمهورية والحكومة ويبادر الأول إلى طرح الأمر على المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعاته المتكررة التي سبقت الانفجار؟ وما مدى صحة عدول دياب عن التوجُه إلى المرفأ كما وعد لتسجيل «انتصار سياسي» من خلال معاينته لهذا المخزون المتفجر، وبالتالي الطلب من الأجهزة المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقلها من العنبر رقم 12؟
ويرى أن الرئيس عون يصر في تعاطيه مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة على مصادرته للصلاحيات المناطة برئيس الحكومة المكلف تشكيل هذه الحكومة الذي وحده يجري المشاورات النيابية لتأليفها بعد أن يسمى رئيساً بموجب الاستشارات النيابية المُلزمة التي يقوم بها رئيس الجمهورية، ويؤكد أن على الأخير الاعتراف بأنه لم يعد المقرر الأول والوحيد في عملية التأليف. ويعزو السبب إلى أنه فقد كل أوراق الضغط، وأن إيهام البعض بأنه يجري مشاورات لتسهيل عمليتي التأليف والتكليف لا يلقى أي تجاوب لسببين: الأول لحصر المشاورات في عدد قليل من المكونات السياسية، والثاني لإصراره على انتزاع صلاحية التأليف من رئيس الحكومة المكلف.
لذلك فإن عون لم تعد لديه القدرة على الاستمرار في مناوراته وبات عليه -كما تقول أوساط سياسية معارضة- أن يبادر إلى تحديد موعد لبدء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف وإلا سيقحم نفسه في مشكلة مردها إلى مصادرته لدور النواب في مشاورات التأليف، وبالتالي لم يعد أمامه سوى إطلاق يد بري لنزع الألغام والعوائق التي تؤخر عملية التأليف لأنه الأقدر على التواصل مع جميع الأطراف بعد أن أطاح عون بالفرص التي توافرت له للعب دور الحكم الجامع للبنانيين بدلاً من حصر اهتمامه بتعويم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
وتقول الأوساط نفسها بأن عون أوقع نفسه وبملء إرادته في أزمة مع الآخرين في إحالته لكل من يراجعه بأمر سياسي على باسيل الذي يتصرف على أنه رئيس الظل، وتؤكد أن بري يتصدر وحيداً الاتصالات بحثاً عن مخرج لتدارك الأخطار الداهمة التي تهدد لبنان، فيما الآخرون يتوزعون على محورين: الأول يضع نفسه على لائحة الانتظار لمراقبة ما يجري محلياً وخارجياً، والثاني يدعم توجهه من دون أن يقاتل إلى جانبه، وهذا ما ينطبق على حليفه «حزب الله» الذي يرفض الضغط على عون وباسيل رغبة منه بمراعاتهما، مع أن عون قد أسقط عن نفسه خط الدفاع الأول باستقالة حكومة دياب، إضافة إلى أنه أهدر الفرص بدلاً من أن يوظفها لتحقيق الإنجازات التي تعهد بها في خطاب القسم، فإذا بها تأتي على شاكلة «الإنجازات الموعودة» لحكومة دياب.
وتستغرب الأوساط السياسية ما سُرب أخيراً عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وعد بعودته ثانية إلى بيروت في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، قد أودع القيادات السياسية التي التقاها في قصر الصنوبر ورقة إصلاحية مكتوبة، وتؤكد أنه طرح مجموعة من الأفكار الإصلاحية التي يجب الاتفاق عليها لتحويلها إلى برنامج عمل للحكومة العتيدة، وتقول بأن هذه الأفكار كان طرحها مستشاره سفير فرنسا السابق لدى لبنان إيمانويل بون في لقاءاته في باريس وهي نسخة طبق الأصل عن الأفكار التي تناولها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل، ما يؤكد وجود تطابق بين باريس وواشنطن في نظرتهما لمساعدة لبنان للخروج من أزمته شرط أن تأتي المساعدة أولاً من «أهل بيته».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.