مسلسل الاغتيالات يطال ناشطتين في البصرة... ونجاة أخرى في بغداد

جنازة الناشطة رهام يعقوب في البصرة أمس (أ.ب)
جنازة الناشطة رهام يعقوب في البصرة أمس (أ.ب)
TT

مسلسل الاغتيالات يطال ناشطتين في البصرة... ونجاة أخرى في بغداد

جنازة الناشطة رهام يعقوب في البصرة أمس (أ.ب)
جنازة الناشطة رهام يعقوب في البصرة أمس (أ.ب)

استمرت آلة الاغتيالات المجهولة في استهداف وقتل الناشطات والناشطين العراقيين رغم الإجراءات التي تتخذها الحكومة وتعهداتها المتواصلة بإيقاف نزيف الدم المتواصل منذ أشهر طويلة. وفي إطار دوامة الاغتيالات «الجهنمية» قامت عناصر مجهولة (مساء الأربعاء) بفتح النار على سيارة الناشطة المدنية البصرية رهام يعقوب ما أدى إلى مقتلها مع زميلة في الحال وفي ساحة التحرير وسط بغداد، نجت الناشطة والمسعفة الطبية انتصار من محاولة اغتيال بمسدس كاتم للصوت.
في غضون ذلك، وصل وزير الداخلية السيد عثمان الغانمي، صباح أمس الخميس، إلى محافظة البصرة، على رأس وفد أمني رفيع المستوى يضم الفريق الركن عبد الأمير الشمري نائب قائد العمليات المشتركة، ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، لـ«الاطلاع على الأوضاع الأمنية هناك وللوقوف عن كثب على الاغتيالات الأخيرة وغيرها من القضايا الأمنية». طبقا لبيان صادر عن الداخلية.
وقال مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية اللواء سعد معن إن الوزير الغانمي عقد اجتماعات مكثفة مع المسؤولين المحليين في البصرة ركزت على «مناقشة السلاح المنفلت والنزاعات العشائرية وحركة العجلات المجهولة التي لا تحمل لوحات تسجيل، والمخدرات والمنافذ الحدودية، فضلاً عن الملف الأبرز وهو عمليات اغتيال بعض الناشطين والمواطنين».
ولم يوقف قرار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإقالة قائد شرطة البصرة رشيد فليح ومدير الأمن الوطني فيها، على خلفية اغتيال الناشط تحسين أسامة، الجمعة الماضية، في إيقاف التدهور الأمني وحالات الاغتيال المتواصلة ضد الناشطين، حيث نجا ثلاثة ناشطين من عملية مماثلة الثلاثاء الماضي، ثم وصلت إلى استهداف رهام يعقوب وزميلتها.
وأثارت عملية الاغتيال الجديدة موجة غضب واستياء متوقعة أثيرت حول عمليات اغتيال مماثلة سابقة، لكنها أثارت أيضا، وهو أمر يحدث لأول مرة، دعوات صريحة للناشطين لحماية أنفسهم وعدم الاعتماد على حماية الأجهزة الأمنية التي أثبتت الوقائع على الأرض حتى الآن عدم قدرتها على حماية الناشطين، أو إيقاف عمليات الاغتيال وإلقاء القبض على القتلة. لكن اتجاهات غير قليلة داخل جماعات الحراك، رفضت دعوة حماية النفس التي تتضمن الدعوة لـ«حمل السلاح». وتمسكت بالطابع السلمي للحراك «مهما كلف الأمر من تضحيات». ويتحدث كثيرون هذه الأيام عن قوائم بأسماء ناشطين معده للتصفية تعدها فصائل وعصابات مسلحة، خاصة في محافظات البصرة وبغداد وذي قار.
وحظيت قضية اغتيال رهام يعقوب بأهمية استثنائية، نظراً لأنها أتت تتويجا لسلسلة طويلة من عمليات التحريض التي مورست ضدها من قبل الجماعات الموالية لإيران المناهضة للحراك، بل وحتى من قبل وكالات أنباء إيرانية رسمية. ففي سبتمبر (أيلول) عام 2018. نشرت وكالة «مهر» الإيرانية خبرا عن لقاء مجموعة من الناشطين، ضمنهم رهام يعقوب، القنصل الأميركي في البصرة، وزعمت الوكالة حينها أن الناشطين مسؤولون عن تحريك الشارع العراقي وتحريضه على التظاهر ضد السلطات، علما بأن رهام يعقوب كانت قد أعلنت خبر لقائها القنصل على حسابها الشخصي في «إنستغرام». كما أنها شاركت في العديد من التظاهرات الاحتجاجية منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتداولت مواقع التواصل المختلفة «فيديو» مصورا لها وهي تهتف وسط جموع المحتجين ضد السلطة وأحزابها وتطالب بمعالجة ملف الخدمات المتهالك في البصرة.
ولم تتوقف حملة الغضب والتنديد بعمليات الاغتيال على جماعات الحراك، وتعدتها لتصل إلى مجموعة واسعة من المثقفين العراقيين، حيث وقع العشرات منهم وثيقة ضد السلاح المنفلت وطالبت حكومة رئيس الوزراء الكاظمي بإيقاف الاغتيالات.
وقالت الوثيقة التي أصدرتها مجموعة من المثقفين العراقيين وحثت بقية المثقفين والناشطين على التوقيع عليها: «من الواضح أن الحكومة متلكئة في تطبيق ما ألزمت به نفسها من حماية لحق التظاهر السلمي. فها هي دماء الشهداء تلون أرض وسماء الوطن دون أن يلقى القبض على سافحيها ولا الجهات التي يرتبطون بها». وتابع «أننا نضع حكومة السيد الكاظمي أمام هذه المسؤولية العظمى مع تقديرنا لصعوبة الوضع. لم يعد هنالك وقت يسمح بوجود سلاح منفلت بيد الميليشيات والعصابات المنظمة، ولم يعد ممكنا التستر على القاتلين دون عقاب صارم».
ودعا النائب فائق الشيخ الناشطين إلى حماية أنفسهم، وقال عبر تغريدة في «تويتر»: «أدعو ثوار تشرين إلى حماية أنفسكم والدفاع عنها، أكرر: أدعو ثوار تشرين إلى حماية أنفسكم والدفاع عنها أمام الميليشيات القذرة. ‎ فلا توجد دولة تحميكم ولا قوات تدافع عنكم».
وطالبت مفوضية حقوق الإنسان رئيس الوزراء بالتصدي بحزم لظاهرة اغتيال الناشطين المدنيين. وعبرت المفوضية في بيان عن «أسفها وقلقها البالغ» من تزايد حالات ومحاولات الاغتيال للناشطين المدنيين والتي بلغت (9) حالات في محافظات (البصرة وذي قار وميسان) خلال الشهر الحالي، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. وأشارت المفوضية إلى أن «تقاعس الأجهزة الأمنية في ممارسة دورها الدستوري في حماية المواطنين والناشطين يضع علامات استفهام كبيرة على دورها وتخليها عن واجباتها تجاه أمن المجتمع والمواطن».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.