ليس عيبا أن يُخطئ المرء، لكن العيب هو أن يرتكب نفس الخطأ أكثر من مرة ولا يتعلم منه! فكم مرة أخطأ المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، ولم يتعلم من خطئه؟ لقد أصبح واضحا للجميع أن غوارديولا يبالغ في تعقيد مباريات خروج المغلوب لدرجة أنه من المستحيل أن تتوقع ما سيفعله في المباريات. ومرة أخرى، أصاب غوارديولا فريقه بالارتباك الخططي والتكتيكي وتسبب في خروجه مرة أخرى من الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا. ففي مباراة مانشستر سيتي أمام ليون الفرنسي في الدور ربع النهائي للبطولة الأقوى في القارة العجوز، اختار غوارديولا تشكيلة سيئة لا يمكنها اللعب بالطريقة التي اعتاد الفريق اللعب بها في السنوات الأخيرة، والتي تعتمد بشكل كبير على الاستحواذ على الكرة والتمرير القصير والتحرك المستمر داخل المستطيل الأخضر. والغريب أن غوارديولا غير طريقة لعبه المعتادة ودفع بثلاثة لاعبين في الخط الخلفي أمام ليون، الذي أنهى الموسم الحالي في المركز السابع في جدول ترتيب الدوري الفرنسي الممتاز!
ولكي نفهم الأمر بصورة بسيطة، يجب أن نعلم أنه حتى الدقيقة 50 من المباراة، كان كل من جواو كانسيلو، وكايل ووكر، ورودري، وفرناندينيو، وإيلكاى غوندوغان، قد لمسوا الكرة 288 مرة. أما رياض محرز، وبرناردو سيلفا، وفيل فودين، وديفيد سيلفا، فلم يلمسوا الكرة ولا مرة حتى تلك الدقيقة، ببساطة لأنهم كانوا يجلسون على مقاعد البدلاء! لقد قضى مانشستر سيتي أكثر من نصف هذه المباراة - التي انتهت بفوز ليون بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد - وهو يلعب بشكل دفاعي على غير العادة.
لقد قرر غوارديولا فجأة أن يعتمد على كايل ووكر كلاعب مبتكر يقوم بأدوار الظهير والجناح الأيمن في نفس الوقت، فهل كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك؟ من المؤكد أن ووكر قد بذل مجهودا كبيرا وتحرك كثيرا في النواحي الدفاعية والهجومية، وفي مناطق لم يعتد عليها من قبل، لكن ماذا عن لاعبي خط الوسط الذين دائما ما يكونون هم أصحاب الكلمة العليا في طريقة اللعب التي يعتمد عليها غوارديولا؟ وعلى مدار 60 دقيقة كاملة، كان مانشستر سيتي ينقل الكرات من أحد طرفي الملعب إلى الطرف الآخر، بينما كان النجم البلجيكي كيفن دي بروين، الذي يعد أبرز موهبة في الدوري الإنجليزي الممتاز بأكمله - وحصد جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد أداء مذهل قدمه في الموسم المنقضي - يعاني من أجل إيجاد مساحة للتحرك داخل الملعب.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا فعل غوارديولا ذلك؟ ولماذا سلب الفريق الحرية التي كان يلعب بها في الوقت الذي كان في أشد الحاجة إليها؟ وبالنسبة للاعبي مانشستر سيتي، فإن تغيير طريقة اللعب بهذا الشكل المفاجئ يشبه قيام فريق غنائي بالتوجه إلى الاستوديو لأداء أغنيته الجديدة التي تحقق نجاحا كبيرا، لكنه في اللحظة الأخيرة طُلب منه أن يغني أغنية قديمة، وهو الأمر الذي أصابه بالارتباك الشديد! وبنفس الشكل، اعتاد مانشستر سيتي على اللعب بطريقة معينة طوال العامين الماضيين، وفجأة قرر غوارديولا تغيير طريقة اللعب بشكل غريب، وهو الأمر الذي أصاب لاعبيه بالارتباك.
لقد فاجأ غوارديولا الجميع في بداية اللقاء بالاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي، والدفع بثلاثة لاعبين آخرين في خط الوسط يغلب على أدائهم الطابع الدفاعي. لا شك أن مانشستر سيتي كان يشعر بالقلق من التحركات السريعة للاعبي ليون في خط الوسط وخط الهجوم، لكن الفريق الفرنسي لم يشكل خطورة تذكر خلال أول 20 دقيقة من اللقاء، فلماذا أصر غوارديولا على الاستمرار في اللعب بنفس الطريقة؟ ثم جاء الهدف الأول لليون من خطأ دفاعي قاتل من لاعبي مانشستر سيتي، حيث ظل ووكر واقفا في مساحة خالية ولم يتقدم للأمام حتى يوقع كارل توكو إكامبي في مصيدة التسلل، ووصلت الكرة إلى ماكسويل كورنيه، الذي أنهى الهجمة ببراعة ووضع الكرة في الشباك.
وبعد الهدف، بذل لاعبو مانشستر سيتي مجهودا كبيرا، وكان دي بروين جيدا للغاية، رغم أن الطريقة التي لعب بها الفريق في هذه المباراة قد قللت من خطورته كثيرا. وكان المدير الفني لنادي ليون، رودي غارسيا، يقف ولا يحرك ساكنا بجوار خط التماس، نظرا لأنه لم يكن مطلوبا من فريقه أن يفعل أي شيء يختلف عما يقوم به، حيث كان يلعب بشكل مريح تماما في ظل الارتباك الذي أصاب مانشستر سيتي. وما الذي كان يتعين على غارسيا القيام به، وهو يرى المدير الفني العبقري للفريق المنافس يفسد كل شيء على فريقه بنفسه، ويلعب بشكل دفاعي مختلف تماما عما اعتاد عليه خلال السنوات الماضية؟
وفي النهاية، قرر غوارديولا الدفع برياض محرز بدلاً من فرناندينيو، وتمكن مانشستر سيتي من إدراك هدف التعادل بشكل رائع عن طريق دي بروين بعد تلقيه تمريرة سحرية من رحيم سترلينغ في الجهة اليسرى. ومع ذلك، تفوق غارسيا فيما يتعلق بتحرك لاعبيه داخل الملعب وشن هجمات مرتدة سريعة وخطيرة، وقرر الدفع بموسى ديمبيلي وطلب من لاعبيه التقدم للأمام في مغامرة كان من الممكن أن تؤدي بنتيجة عكسية.
وكانت هناك بعض التفاصيل الصغيرة التي كان من الممكن أن تغير نتيجة المباراة، حيث جاء الهدف الثاني لليون من لعبة مثيرة للجدل، ففي البداية تسلم إيكامبي الكرة من حسام عوار وهو في موقف تسلل، لكنه قفز من فوق الكرة، لكن حكم المباراة رأى أن هذا لم يكن تدخلا في اللعبة، وهو أمر غير منطقي على الإطلاق. وبعد ذلك، اصطدم إيمريك لابورت بديمبلي، الذي ركض وسجل الهدف الثاني، دون أن يتم احتساب أي خطأ.
وبعد ذلك، وقبل نهاية المباراة بأربع دقائق فقط، أهدر سترلينغ هدفا محققا والمرمى كان مفتوحا على مصراعيه أمامه من على بعد ثماني ياردات، وهو ما كان يعني إدراك التعادل في ذلك الوقت لو تمكن من وضع الكرة في الشباك الخالية. وفي غضون دقيقة واحدة، أطلق ليون رصاصة الرحمة على مانشستر سيتي، عندما سجل ديمبيلي الهدف الثالث الذي حسم الأمور تماما.
وبعد ذلك، استسلم غوارديولا وجلس على مقاعد البدلاء وكأنه بات يشعر بالراحة للهروب من هذا الموسم السيئ والغريب والمليء بالمفاجآت. وكان هذا هو الخروج الثالث لمانشستر سيتي من الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا تحت قيادة غوارديولا، الذي لم ينجح في الوصول للمباراة النهائية للبطولة الأقوى في القارة العجوز منذ عشر سنوات كاملة، رغم أنه يعد أفضل مدير فني في العالم في الوقت الحالي. وربما يأتي اليوم الذي لا يبالغ فيه غوارديولا في التفكير في مباريات الأدوار الإقصائية ويلعب بشكل طبيعي ويفوز بالبطولة في نهاية المطاف. لكن الشيء المثير للإحباط هو أن مانشستر سيتي قد ودع البطولة دون أن يلعب بشكله الطبيعي والمعتاد ودون أن يقدم لاعبوه المميزون أداءهم المعتاد داخل الملعب.
على مدار أربع سنوات قضاها مع الفريق، غوارديولا فريق مانشستر سيتي لعدد كبير من الألقاب المحلية، ولكنه واصل إخفاقه الأوروبي مع الفريق وسقط في محاولته الرابعة مع الفريق الإنجليزي في دوري أبطال أوروبا. ومع البصمة التي تركها غوارديولا في أداء الفريق على مدار السنوات الماضية، تعرض المدرب الشهير لانتقادات عنيفة بعد سقوطه أمام ليون الفرنسي. وبدا غوارديولا في حيرة من أمره وذهول وصدمة كادت تدفعه إلى الاستقالة من تدريب الفريق. وكانت خيبة الأمل هائلة هذه المرة إزاء الخروج الجديد للفريق من دوري الأبطال. وقال غوارديولا: «سنحاول مرة أخرى في الموسم المقبل». وهذه هي المرة الرابعة على التوالي، التي يفشل فيها مانشستر سيتي مع غوارديولا في البطولة، حيث لم يسبق للفريق بقيادة هذا المدرب أن بلغ المربع الذهبي لدوري الأبطال. لقد فشل غوارديولا مرة أخرى في الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا، فهل يتوقف عن المبالغة في التفكير حتى يتمكن من حصد اللقب في نهاية المطاف؟
هل فقد مانشستر سيتي الثقة في غوارديولا؟
الفريق الإنجليزي والمدرب الإسباني وصلا فجأة إلى مفترق طرق بعد النجاحات المحلية
هل فقد مانشستر سيتي الثقة في غوارديولا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة