بعد خسارة ممتلكاته بانفجار بيروت... إيلي صعب يصمم ثوب الأمل

مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب ونجله إيلي جونيور خلال مقابلة صحافية بعد انفجار بيروت (رويترز)
مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب ونجله إيلي جونيور خلال مقابلة صحافية بعد انفجار بيروت (رويترز)
TT

بعد خسارة ممتلكاته بانفجار بيروت... إيلي صعب يصمم ثوب الأمل

مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب ونجله إيلي جونيور خلال مقابلة صحافية بعد انفجار بيروت (رويترز)
مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب ونجله إيلي جونيور خلال مقابلة صحافية بعد انفجار بيروت (رويترز)

تطايرت فساتين بيروت المشغولة بنول صعب، فتسلل اللون الأحمر خلسة إلى أقمشة المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب الذي وجد عمرانه الناعم قد تهشم أرضاً بفعل انفجار مرفأ المدينة، وفقاً لوكالة «رويترز».
وأتى عصف الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت على إمبراطورية صنعها رجل كان ينام على حرير ويصحو على حياكة أحلام سيدات المجتمع.
وعلى الرغم من أن العصف استمر لثوانٍ معدودات، فقد بدا هذا الوقت بالنسبة إلى إيلي صعب وكأنه دهر، حيث سار للتأكد من أن موظفيه البالغ عددهم 200 فرد بمن فيهم نجله كانوا في أمان.
يجلس إيلي صعب إلى جانب ابنه إيلي جونيور مستذكراً اليوم المشؤوم عندما رأى نجله مضرجاً بدمائه ويقول «عندما رأيته مغطى بالدماء قلت مش معقول، ما صدقت، قلت مصاب لكن لا بأس الحمد الله إنه استطاع أن ينجو. كانت ربع ساعة يمكن طولها شي يومين. ليست قضية أب وابنه وابن وأبوه. القضية أننا نحن نشتغل كلنا كأننا عائلة تحت سقف واحد. نحن نهتم لكل الأشخاص».
ويلخص صعب تلك اللحظات بالقول «كان كأنه منام بشع».

وتسبب انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم كانت مخزنة لسنوات في مستودع بالمرفأ دون إجراءات سلامة في تصاعد سحابة على شكل الفطر يوم الرابع من أغسطس (آب) ومقتل 178 شخصاً وإصابة ستة آلاف وتدمير مناطق بأكملها في بيروت.
ودمر الانفجار محال لمصممين آخرين لديهم دور أزياء في وسط بيروت، منهم زهير مراد، وربيع كيروز، وعبد محفوظ، وغيرهم، وأصيب بعضهم أيضاً بجروح.
وبتنهيدة طويلة، يردد صعب مع ابنه إيلي جونيور تعبيراً مشتركاً مشتقاً من اسم العائلة فيقول الرجلان «كان شي كتير صعب».
واختبر مصمم الأزياء اللبناني كل سنوات الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان بين 1975 و1990 بتفاصيلها وعذاباتها لكونه عاش في منطقة عين الرمانة عند خطوط التماس في بيروت. لكن هذه المرة كانت التجربة مختلفة بالنسبة له.
وأعاد انفجار الرابع من أغسطس إحياء ذكرى الحرب الأهلية عند إيلي صعب؛ إذ قال «طبعاً عدنا لذات التفاصيل، لنفس الرائحة... للغبرة للزجاج. لم نكن نحب أن نعيش هذا الشي».
ومثل الكثير من اللبنانيين، شعر الرجل البالغ من العمر 56 عاماً بأن الانفجار كان على عتبة بابه.

يروي صعب اللحظات الأولى لعصف الانفجار في الرابع من أغسطس، ويصفها قائلاً «الطريقة والدفشة (الدفع) التي أتتنا، لم يبق أحد في مكانه. كنا نقف ونحن نعمل، كل واحد تم دفعه مترين أو ثلاثة جراء الضغط. كانت طعمة (نكهة) من الحرب جديدة علينا».
لم يكن إيلي صعب وفريقه العامل ينتظر أزمة مدمرة من هذا النوع، لا سيما أن اللبنانيين كانوا في أمس الحاجة إلى نهوض اقتصادي معيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد. وقال «اللبنانيون لديهم مشاكل كثير أكبر من ذلك. ولكن هذا الشيء الذي صار لا يمكن وصفه. كان كتير بشع».
ويستعرض الابن المشاهد بدقة قائلاً «كانت البيوت مهدمة والناس ترقد على الطرقات، وكان هناك عجقة سير (زحمة) ولا نعرف إن كان سيحصل شيء ثاني... كنا نطمئن على كل واحد ونسمع إن ناس جرحت، أصيبت، ماتت، اختفت».
وتابع «جدياً هذا النهار كان وكأنه ستة أو سبعة أيام. حتى بعد هذا اليوم لا نعرف كيف يمر الوقت. لا نعرف كيف نقيس الوقت جيداً».
ورغم مأساوية المشاهد، يجلس إيلي صعب مراقباً دولته التي كانت من قماش فاخر وانهارت أمام ناظريه، لكنه يعلن اليوم تصميم ثوب الأمل وإزالة رائحة الدمار والغبار، ولا يدع الزجاج المتكسر يحتل الأمكنة المدمرة.
ولا يعتزم صعب مبارحة بيروت والهجرة؛ إذ يقول «أنا صورة لكثير من الشباب اللبناني، لا أريد المكابرة على نفسي أو التعالي على البوكس (اللكمة) الذي أكلناه. يجب أن أكون مثل بيروت، كل مرة تنفض نفسها وتطلع من تحت الدمار وترجع أحلى مما كانت».
ودار أزياء صعب الواقعة في وسط بيروت لم تكن الخسارة الوحيدة له، حيث أتى الانفجار الصاعق على منزله التراثي في منطقة الجميزة الأكثر تضرراً.
ويمتلك صعب بيتاً تقليدياً لبنانياً في منطقة الجميزة تعلوه الأعمدة التراثية وقبة القناطر والسقوف العالية والرخام وبلاط الأرابيسك وتضيئه ثريات نادرة باهظة الثمن اقتناها من إسطنبول.

وبدأت أعمال الإصلاح في دار الأزياء الضخمة التي يمتلكها في وسط بيروت لإعادة العمل كما كان قبل الانفجار. وفي الوقت ذاته يعتزم العمل على إعادة منزله كما كان.
ووثقت كاميرا تلفزيون «رويترز» مشاهد الدمار والخراب في منزله، حيث دمرت قوة الانفجار كل مقتنياته فتكسرت القناطر والثريات وأزيلت الواجهات واتكأت الشرفات على بعضها بعضاً وامتزج الرخام بالركام.
وفي ثنايا مشهد الخراب، تنزوي شماعات ثياب مخملية كأنها تبحث عن فساتينها من بين الأنقاض.
وفي زاوية أخرى، تظهر أسطوانة موسيقية قديمة للفنانة فيروز تحمل عنوان «لبنان الحقيقي جاي» وقد انشطرت قسمين وطال الدمار أسماء أغنياتها، لكن صعب يقرر العودة إلى صلب الأغنية ليعيد بناء ما هدمه الانفجار.


مقالات ذات صلة

قصف إسرائيلي يستهدف بلدتين في ريف حمص وسط سوريا

المشرق العربي صورة عامة أرشيفية تظهر مباني مدمرة في حمص، سوريا 5 مارس 2013 (رويترز)

قصف إسرائيلي يستهدف بلدتين في ريف حمص وسط سوريا

استهدف قصف إسرائيلي، مساء الثلاثاء، قريتين في ريف حمص في وسط سوريا وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا خلال عمليات الإسعاف بعد انفجار أجهزة «البيجر» التي يستخدمها عناصر «حزب الله» للتواصل في جميع أنحاء لبنان... الصورة في بيروت 17 سبتمبر 2024 (رويترز)

النرويج تلغي تحقيقاً بشأن أجهزة «البيجر» التي انفجرت في لبنان

قالت قوة شرطة الأمن النرويجية، الاثنين، إنها لم تجد أي أساس للتحقيق في صلات نرويجية بتوريد أجهزة الاتصال اللاسلكي (بيجر) الملغومة لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
آسيا جنود باكستانيون (رويترز - أرشيفية)

انفجار سيارة مفخخة بشمال غربي باكستان يسفر عن مقتل 12 جندياً

قال الجيش الباكستاني، اليوم الأربعاء، إن انتحارياً فجّر سيارته المفخخة في نقطة تفتيش عسكرية بشمال غربي باكستان، مما أسفر عن مقتل 12 جندياً.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
المشرق العربي عناصر من قوى الأمن السورية ومدنيون يتفقدون مكاناً تعرّض لقصف جوي بحي المزة في دمشق أمس (إ.ب.أ)

هجوم إسرائيلي يستهدف منطقة المزة بدمشق

أفادت «الوكالة العربية السورية» للأنباء (سانا) بأن هجوماً إسرائيلياً استهدف منطقة المزة بدمشق، اليوم (الجمعة).

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أميركا اللاتينية جثة الشخص الذي قُتل جراء أحد الانفجارين أمام ساحة أمام المحكمة (أ.ف.ب)

إخلاء المحكمة العليا في البرازيل بعد انفجارين بالقرب منها

قالت الشرطة وشهود إنه جرى إخلاء المحكمة العليا في البرازيل بعد وقوع انفجارين خارج مبناها، مساء أمس الأربعاء، فيما قُتل شخص جراء أحد الانفجارين.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
TT

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)

يعمل الباحثون في كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في جامعة تكساس إيه آند إم بالولايات المتحدة مع خبراء الطيران الحر للببغاوات والشركاء في البرازيل، في محاولة لزيادة معدّل نجاح إطلاق الببغاوات الأسيرة في البرية.

في دراستهم المَنشورة في مجلة «بيردز» (Birds)، أطلق الفريق بنجاح قطيعاً صغيراً من ببغاوات المكاو الزرقاء والصفراء، بهدف التّعرض التدريجي للبيئة الطبيعية، من أجل إعداد هذه الببغاوات للبقاء على قيد الحياة في البرية.

وبعد عامين، لا تزال جميع الطيور الستة قيد الدراسة على قيد الحياة، كما أنها نجت حتى من حريق غابات كان قد حدث في المنطقة.

قال الدكتور دونالد برايتسميث، أستاذ في قسم علم الأمراض البيطرية في جامعة تكساس إيه آند إم: «الببغاوات هي واحدة من أكثر مجموعات الطيور المهددة بالانقراض في العالم».

وأضاف في بيان صادر الثلاثاء: «بالنسبة للعديد من الأنواع، فإن أفضل أمل لدينا لزيادة أعدادها هو تربيتها في الأسر ومن ثَمّ إطلاق سراحها. لكن بعض البرامج تنفق آلاف، بل وملايين الدولارات على تربية الببغاوات في الأسر، فقط لتكتشف أن هذه الطيور غير قادرة على البقاء على قيد الحياة في البرية لأنها لا تمتلك ما يكفي من «الخبرة في العالم الحقيقي».

وتستخدم الطريقة الجديدة استراتيجية «تدريب الطيران الحر» الواعدة لأنها تستفيد من التّطور الطبيعي للببغاوات مع السّماح للباحثين بالتحكم في متغيرات معينة مثل الموقع، على سبيل المثال.

«نحن نسهل على الببغاوات الصغيرة تعلّم الطيران والانضمام إلى القطعان والهرب من الحيوانات المفترسة من خلال تعريضها بعناية للمواقف التي قد تواجهها عادةً على أي حال، ويجري كل ذلك بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو»، كما قال كريس بيرو من منظمة «أجنحة الحرية» (Liberty Wings).

وشدّد الدكتور كوني وودمان، مدير برنامج منح الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تكساس إيه آند إم، على أن «هذه الطريقة فعالة بشكل لا يصدق لأنها لا تتطلّب أجيالاً من النوع نفسه تعلم كيفية البقاء في بيئة معينة عن طريق التجربة والخطأ».

وأوضح: «من خلال التحليق في بيئة الإطلاق ومشاهدة البالغين المدربين، يمكن لطيورنا التي أُطلق سراحها أن تتعلّم بسرعة مهارات البقاء الأساسية وزيادة فرص بقائها بشكل كبير».

يبدأ إعداد طيور الببغاوات الأسيرة للبقاء في البرية عندما تكون الطيور صغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه النظر بفضول حول العالم خارج العش.

«قبل أن يبدأ الببغاء الصغير في التحليق يبدأ بالتسلق والنظر إلى العالم الخارجي»، كما قال بيرو. «بالفعل، يقوم هذا الفرخ بإنشاء قاعدة بيانات ذهنية لما هو طبيعي في عالمه. إذا رأى حيواناً مفترساً، فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف، لذا على الفرخ أن يتعلّم كيفية الرد على التهديدات».

في مرحلة لاحقة من النمو، تُشجّع الفراخ على المشي على عصي مصمّمة لهذا الغرض، ثم القفز إلى عصي أخرى قريبة. ومن هناك، تبدأ في تعلّم الطيران.

«لمساعدة الفراخ على تعلّم الطيران سرباً، نُدرّبها حتى مع الفراخ الأخرى والطيور البالغة المدربة، حتى تتعلّم الانتقال من (النقطة أ) إلى (النقطة ب) معاً وفي أسراب»، كما قال برايت سميث.

وفي الليل وبين جلسات التدريب، تستريح الببغاوات بأمان في القفص، حيث تتلقى الطعام والماء. ولكن مع مرور الوقت، تقضي الطيور الصغيرة وقتاً أقل فأقل في القفص ومع الطيور البالغة، كما تتعلم كيفية العثور على الطعام والماء بنفسها.

قال برايتسميث: إن «جزءاً رئيسياً من هذه العملية هو في الواقع كسر الرابط بين الببغاوات والبشر الذين كانوا يطعمونها».

وأوضح أنه في عمله مع الببغاوات، اكتشف كريس بيرو أنه عندما يبلغ عمر الكتاكيت الصغار نحو 8 أشهر، فإنها تبدأ بالابتعاد عن والديها وتصبح مستقلة. نتأكد من فطام الطيور عن التغذية اليدوية بحلول هذا الوقت حتى تنتقل إلى أن تكون طيوراً برّية مستقلة، تماماً كما تفعل مع والديها».