مايرا علي توصل رسالتها إلى دبي وتتعايش مع حروق جسدها الدائمة

صحافية ترفض مفهوم الإعاقة تعاني من مرض جلدي لا دواء له

أجرت مايرا علي حوالي 20 عملية جراحية منذ ولادتها
أجرت مايرا علي حوالي 20 عملية جراحية منذ ولادتها
TT

مايرا علي توصل رسالتها إلى دبي وتتعايش مع حروق جسدها الدائمة

أجرت مايرا علي حوالي 20 عملية جراحية منذ ولادتها
أجرت مايرا علي حوالي 20 عملية جراحية منذ ولادتها

لفتتني صورة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، امرأة في مطلع الثلاثينيات من العمر، جميلة الوجه، شعر أسود طويل، عينان واسعتان داكنتا اللون، ثيابها زاهية الألوان وأنيقة وضمادات دائمة على يديها وعلى أعلى كتفيها، أردت معرفة المزيد عنها وعن حياتها، دوّنت اسمها «مايرا علي» في محرك غوغل، وقادتني «حشريتي» للتعرف إلى تلك الصحافية الناجحة المتخصصة بمقابلة المشاهير في لندن والعالم. ولفتتني أيضاً بالصور الكثيرة التي تنشرها التي لا تخفي فيها جلدها الهش، تمسك في غالبيتهم فنجان القهوة بيديها الملفوفتين بقماش ناعم أبيض اللون يغطي القليل مما يبدو على شكل حروق تغطي مساحات كبيرة من جسمها.
قرأت الكثير وتعلمت الكثير من مايرا التي ولدت من دون جلد على رجليها، وتعاني من حالة قليلة الوجود يطلق عليه اسم Epydermolysis Bullosa وهذه الحالة تؤثر على نمو الجلد وتجعله هشاً لدرجة الالتهاب، يرافقه الوجع الدائم الذي يشبه الحروق من الدرجة الرابعة.
هذه الحالة تصيب نحو 5 آلاف شخص في المملكة المتحدة، فهو مرض جلدي لا يوجد علاج له، ويتحول في مرحلة لاحقة من العمر إلى سرطان جلدي.
باختصار، هذه هي الحالة الصعبة التي تعيشها مايرا علي التي ترفض فكرة الإعاقة وتعمل مثلها مثل أي صحافي آخر، تعشق عملها وتنشر الإيجابية بشكل لافت على صفحتها على «إنستغرام» و«تويتر» وغيرهما من المنصات الاجتماعية الافتراضية.
في مقابلة مع مايرا علي، مع «الشرق الأوسط»، استهلت كلامها بكيفية تمضيتها أيامها، فقالت: «أبدأ يومي بتناول مسكنات وتتولى ممرضة تغيير الضمادات لي. في الواقع، أعاني من حالة جلدية خطيرة تؤثر على جسدي، حتى حلقي وسطح العينين. كما أنه من المتعذر التكهن بها. ولذلك، فإنني قد أشعر بطاقة كبيرة في يوم ما، بينما ينتابني ألم شديد في اليوم التالي مباشرة. الأمر الذي يجعلني أشعر بإرهاق أكبر. وفي بعض الأحيان، يلتهب حلقي بشدة بدرجة تجبرني على تحري الدقة فيما أتناوله، حتى الاستحمام يصبح تجربة مؤلمة لي، وكثير من الأمور البسيطة الأخرى التي لولا حالة جلدي ما كنت لأهتم بها».
يعرف هذا المرض الجلدي باسم «جلد الفراشة «Butterfly Skin إلا أن مايرا لا تحب هذا التعبير، وتفضل تعريفه بانحلال البشرة الفقاعي، وهي حالة تشبه معاناة الجلد من الحروق، والجميع يعرفون ما تعنيه الإصابة بحروق. تقول مايرا: «حياتي تشبه العيش مع حروق دائمة لا تندمل أبداً. أما مصطلح الفراشة فقد أطلقته وسائل الإعلام، وليس أنا، والمقصود منه الإشارة إلى مدى هشاشة الجلد، ومع هذا، ينتهي الحال بجميع وسائل الإعلام للقول إنني فتاة فراشة، بينما أنا في واقع الأمر امرأة أبلغ من العمر 32 عاماً وأعمل صحافية. لا بأس في تصدير صورة الفراشة عن الفتيات الصغيرات، لكنها لا تصح لامرأة ناضجة. في الواقع، النساء مثيلاتي ممن تعانين من إعاقة لا يختلفن عن أي امرأة أخرى، وإنما تصادف فقط أنهن يعانين حالة صحية ما. ومع ذلك، فإنهن يعايشن الرغبات والاحتياجات والطموحات التي يعايشها أي شخص آخر. ولذلك، أولي أهمية كبيرة للصورة التي يراني بها الآخرون».
لم تدع مايرا حالتها الصحية الصعبة ومعاناتها اليومية من الوقوف في وجه مستقبلها المهني، وممارسة حياتها بشكل طبيعي إلى أقصى الحدود، على الرغم من العمليات الجراحية والآلام اليومية الدائمة، حتى غسل جسدها مؤلم، إلا أنها تضع هذه الآلام جانباً وتقوم بعملها على أكمل وجه، وعن الشخصيات التي قابلتها حتى الآن، تقول مايرا: «التقيت كثيراً من كبار نجوم الصف الأول في هوليوود، من توم هولاند وجيمي فوكس ومايكل جوردون، وصولاً إلى تيموثي شالاميه وآخرين. وفي هذا الإطار، بدت حالتي الصحية ميزة جعلتني مميزة عن الآخرين. وقد أجريت مقابلات أثناء مهرجان الأفلام البريطاني على السجادة الحمراء، وفي ذلك الوقت كنت أعمل مع صحيفة أصغر، لكن حالتي لفتت أنظار مسؤول الدعاية المعاون لتيموثي شالاميه، واختارني لإجراء مقابلة معه. ودائماً ما كان المشاهير عطوفين وودودين للغاية، ولا شك أنهم منحوني بعض الوقت الإضافي مقارنة بصحافيين آخرين خلال المؤتمرات الصحافية».
تبدو مايرا إيجابية دائماً، فسألناها عن طريقة تعاملها مع الجاهلين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وعن تعايشها مع الإحباط المرافق لوصف البعض لحالتها، فردّت مايرا: «بعض الأحيان، أشعر بالإحباط عندما ينظر الناس إلى حالتي، ولا يرون ما أنجزته. الحقيقة أن النشأة كامرأة ذات إعاقة داخل ثقافة مسلمة ليست بالأمر اليسير، فالناس هناك ما يزالون يتجنبون الحديث علانية عن هذه الأمور، ولا يجري دوماً النظر إلى النساء صاحبات الإعاقة، باعتبارهن على قدر مكافئ لغيرهن من النساء. وعليه، فإنه عندما توضح حياتي مدى العمل الجاد الذي بذلته والصمود الشديد الذي أظهرته في وجه كثير من الصعوبات التي خلقتها أمامي حالتي الصحية وثقافتي، وأفاجأ في النهاية أن هناك من ينظرون إلى باعتباري مجرد (مريضة) ينتابني شعور بالإحباط».
وعن مشاركتها الأسبوع الماضي في محاضرة عبر «تطبيق زوم» مع طلاب في إحدى جامعات دبي، تقول مايرا إن التجربة كانت جميلة جداً لأنها استطاعت إيصال صوتها إلى منطقة الخليج، كما أن الطلاب كانوا رائعين للغاية، وأظهروا ثقة كبيرة بأنفسهم. وتابعت: «وسألوني عن التحديات التي واجهتها لكوني أعاني من إعاقة. وتحدثوا معي عن المعاناة التي عايشوها في حياتهم. كان الحديث بيننا ملهماً للغاية، وكشف أن الجميع في الحياة يواجهون تحديات، ولا أحد ينعم بحياة مثالية. لقد تعرضت لاختبار في صحتي، لكن هناك آخرين لديهم قصص معاناة خاصة بهم».
وتمنت مايرا أن ينظر الناس إلى أصحاب الإعاقات باعتبارهم أناساً مثلهم مساوين لهم، وليس باعتبارهم أشخاصاً مختلفين. بغضّ النظر عما ترغبه بالحياة، ينبغي أن تتمناه لشقيقتك ولصديقك صاحب الإعاقة. الحقيقة أنه لمجرد أن هؤلاء الأشخاص اختبرهم الله في صحتهم، لا يعني ذلك أنهم أقل عن أي شخص آخر. وأتمنى أن تتغير صورة المرأة ذات الإعاقة في ثقافتنا، وينبغي أن تشعر النساء اللائي يعانين من إعاقة بالتمكين، وألا يشعرن أبداً بأنهم لسن جيدات بما يكفي، وينبغي أن يقدم لهن الجميع الدعم. في الواقع، الحصول على دعم، والصورة التي ينظر بها إلينا الآخرون على قدر بالغ من الأهمية. وينبغي دوماً العمل على دفع النساء ذوات الإعاقة كي يتعلمن ويضعن نصب أعينهن أهدافاً طموحة في الحياة، لأن امتلاك المرء هدفاً في الحياة ييسر عليه التعامل مع السلبيات التي تخلقها الإعاقة بحياته، وهي أمر لا يمكننا التحكم فيه، ولم يرغب أحد منا أن يكون على هذه الهيئة.
وتقول مايرا: «أعتبر نفسي محظوظة لعدم تعرضي للتنمر عبر شبكات التواصل الاجتماعي كثيراً، ويمكنني القول إنه بصورة إجمالية يبدي الناس دعماً كبيراً لي ويتعاملون معي بعطف. إلا أنه في وقت قريب، تحدثت بصراحة عن الماضي والمشاعر التي راودتني عن الزواج والعلاقات، وأنا في العشرينيات من عمري، وكيف أن ما عايشته خلال تلك الفترة لم يكن ينبغي لأحد قط أن يعايشه، وإنني اليوم آمل في الزواج من شخص على ذات القدر من نجاحي أو أكثر نجاحاً، وقلت إنني مثل غالبية النساء أفضّل أن يكون أكثر نجاحاً عني. بعد ذلك، تلقيت رسالة مسيئة قال لي خلالها المرسل إنني أعاني إعاقة خطيرة ولا يمكنني الزواج بشخص ناجح وإنني لم أحقق شيئاً في الحياة».
بالطبع، كان ذلك تنمراً، لكن كل شخص من ثقافتنا يحمل بداخله معتقدات مقيتة ومتخلفة، لدرجة دفعته أن يبعث لي بتلك الرسالة في محاولة منه لإحباطي. وحينها شعرت بغضب شديد، وفضحته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لأنه في العام 2020 لا ينبغي لأي امرأة أن تتعرض لإساءة مثل تلك عبر الإنترنت.
إلا أنها تلقت سيلاً من الدعم من أشخاص جعلوا حالتها المعنوية أفضل. وكانت تلك واحدة من حالات التنمر التي حاولت إحباطها لمجرد أنها تحدثت بصراحة عن الماضي. وعليه، فإنه ليس من السهل دوماً الحديث بصراحة. وتابعت: «يتعين عليّ فعل ذلك من أجل جميع النساء، لأنهن بحاجة لأن يظهرن حقيقتهن دونما خوف. لقد أصبت بالسرطان من قبل، وتطلب العلاج خضوعي لعمليات جراحية مؤلمة. وقد اجتزت ذلك، وبالتالي أملك الشجاعة والقوة لمواجهة محاولات التنمر عبر الإنترنت».
وعن مدى وقوف حالتها الصحية في طريق نجاحها، ردّت بكل ثقة: «لم تقف عقبة في طريقي، فقد التحقت بجامعة عريقة، وعملت بجد في الصحافة، وعبر ذلك لم تعوقني حالتي، ولم تعوقني العمليات الجراحية التي خضتها، وقد تجاوزت 20 عملية. لقد حاولت دوماً التحلي بالإيجابية حتى في أحلك الظروف».
وتشارك مايرا بكثير من البرامج على وسائل الإعلام في بريطانيا للتوعية والتكلم عن حالتها وتشجيع أصحاب الهمم على متابعة حياتهم، بغضّ النظر عن الإعاقة، وقد حلّت أخيراً ضيفة على برنامج تبثّه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» حيث تحدثت عن كونها امرأة تنتمي إلى أقلية عرقية، وعن قضية الزواج، والحديث الذي دار عنها، عندما كانت في مطلع العشرينات.
وعن حيثيات المقابلة، تقول مايرا: «في ذلك الوقت، كنت أشعر بانخفاض شديد في معنوياتي، وعانيت من الاكتئاب بسبب بعض أقاربي الذين أخبروني أنني ربما لن أتزوج أبداً ولن أنجب أطفالاً، حتى إذا تزوجت فإنه لا ينبغي لي التطلع للارتباط بشخص ناجح. وعندما أفكر فيما قيل لي الآن أرى أنه غير صحيح، لأن الله فقط من يعلم القدر. وفي ذلك الوقت، لم أكن أعرف أنني سأصبح صحافية ناجحة يوماً ما، لكن كلماتهم جرحتني، ولم يكن ينبغي أن أكابد ما كابدته في حياتي. ولا ينبغي أن تسمع امرأة أبداً أنها لن تتزوج، ولن يكون لها أطفال، وأنها غير مرغوب فيها، لأن هذا الكلام يجردها من رغبتها الكامنة في الحياة ومن أنوثتها. وإذا كان من غير المقبول أن يقال لامرأة لا تعاني حالة صحية إنها لن تتزوج، فلماذا إذن يرى البعض في بعض الثقافات أنه من المقبول قول ذلك لامرأة تعاني من إعاقة».
وتكلمنا عن المستقبل، فقالت مايرا إنها تتمنى أن تصبح صحافية بارزة جداً، وتريد أن تقدم أفلاماً وثائقية وبرامج خاصة بها، وتمنت الزواج برجل صاحب شخصية مبهرة وناجحة وعطوفة. كما تأمل أن تتمكن دوماً من إظهار الجانب شديد الإيجابية من حالتها لمساعدة الغير ونشر رسالة مفيدة في المجتمع.
وفي نهاية اللقاء، وجّهت مايرا كلمة إلى الذين يعانين من معوقات جسدية وقالت: «أنتم لا تختلفون عن أي شخص آخر، لذا عليكم أن تضعوا نصب أعينكم أحلاماً كبيرة، ولا تظنوا أبداً أن إعاقتكم هي التي تحدد هويتكم. لن يقدم الجميع لكم يد الدعم، لذا سيتعين عليكم أن تكونوا الداعم الأول لأنفسكم خلال الحياة وتتحلوا دوماً بالإيجابية لأنها هي من ستقودكم نحو هدفكم في الحياة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».