إسرائيل و«حماس» تواصلان تصعيداً «لا يقود إلى مواجهة»

بالونات حارقة تسبب عشرات الحرائق في المناطق المحيطة بقطاع غزة

طفل فلسطيني يتفقد أضراراً لحقت بمنزل أسرته جراء غاراة إسرائيلية على مخيم البريج في غزة أمس (أ.ب)
طفل فلسطيني يتفقد أضراراً لحقت بمنزل أسرته جراء غاراة إسرائيلية على مخيم البريج في غزة أمس (أ.ب)
TT

إسرائيل و«حماس» تواصلان تصعيداً «لا يقود إلى مواجهة»

طفل فلسطيني يتفقد أضراراً لحقت بمنزل أسرته جراء غاراة إسرائيلية على مخيم البريج في غزة أمس (أ.ب)
طفل فلسطيني يتفقد أضراراً لحقت بمنزل أسرته جراء غاراة إسرائيلية على مخيم البريج في غزة أمس (أ.ب)

هددت حركة حماس إسرائيل بأنها سترد على استهداف مدنيين في قطاع غزة، بعد سقوط جرحى في القصف الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مواقع عدة في القطاع، رداً على استمرار إطلاق البالونات الحارقة التي تسببت في عشرات الحرائق في المناطق الإسرائيلية القريبة من الحدود مع غزة، لكن لا يُعتقد أن إسرائيل و«حماس» تسعيان إلى تطور هذا التصعيد إلى «مواجهة» مباشرة.
وقال فوزي برهوم، الناطق باسم «حماس»، إن «استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء، يعد تصعيداً خطيراً، وحماقات سيتحمل الاحتلال النتائج المترتبة عليها».
وأضاف: «المقاومة في قطاع غزة لن تسمح باستمرار الحال على ما هو عليه، وهي جاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات، للجم العدوان وكسر الحصار وحماية مصالح شعبنا».
وجاء تهديد «حماس» بعد ليلة شهدت قصفاً مكثفاً، ما أسفر عن إصابتين، إحداهما لطفلة صغيرة.
وشنت إسرائيل، ليلة الجمعة - السبت، هجمات مستمرة على قطاع غزة. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن غارات جوية على عدة أهداف بأنحاء متفرقة من شمال قطاع غزة ووسطه، رداً على مواصلة إطلاق البالونات الحارقة من القطاع.
وقال الجيش، في بيان له: «رداً على مواصلة إطلاق البالونات الحارقة من غزة لإشعال الحرائق في إسرائيل، شنت قواتنا غارات على عدة أهداف تابعة لمنظمة حماس الإرهابية في قطاع غزة». وأضاف بيان الجيش أن من بين الأهداف التي قصفها «موقعاً عسكرياً تابعاً للقوة البحرية التابعة لحماس، بالإضافة إلى بنى تحتية تحت أرضية ومواقع رصد تابعة لها».
وتسبب القصف بخسائر مادية وإصابات. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية إن مواطنة وطفلة أصيبتا في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي ومدفعيته على عدة مواقع في قطاع غزة، وأضافت: «إن امرأة حاملاً وطفلة أصيبتا في قصف طيران الاحتلال على منطقة عزبة بيت حانون، شمال قطاع غزة».
وهذه أول مرة يؤدي فيها القصف الإسرائيلي المستمر منذ 5 أيام إلى إصابات في غزة.
وقال سهيل الهندي، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن ما حدث من «اعتداءات من الاحتلال، وقصف لمناطق المواطنين، أمر خطير، والمقاومة لن تصمت على مثل هذه الاعتداءات». وأضاف لإحدى الإذاعات المحلية في غزة: «إن قصف الاحتلال للقطاع، وإصابة الأطفال والنساء، تجاوز للخطوط الحمراء، والمقاومة لديها ما يكفي من الإمكانات لترد على الاحتلال واعتداءاته».
وجاء التصعيد الإسرائيلي بعد يومين من قرارات عقابية ضد القطاع، شملت تقليص مساحة الصيد البحري، ووقف تزويد القطاع بالوقود، وإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري.
وتريد إسرائيل -كما يبدو- خلق مزيد من الضغط على «حماس»، لتتراجع عن التصعيد متجنبة رداً عسكرياً شديد القسوة قد يؤدي بالمنطقة إلى التصعيد. وتفضل المؤسسة الأمنية توفير فرصة للاتصالات من خلال الوسطاء، مثل قطر ودول أوروبية، لتحقيق الهدوء في المنطقة.
كما تتجنب «حماس»، من جهتها، حرباً جديدة، لكنها تريد عبر سياسة التصعيد المتدرج إرسال رسالة لإسرائيل بأن الأمور قد تتجه إلى الأسوأ، إذا لم تلتزم ببنود اتفاق التهدئة، بما في ذلك الحصول على أموال من قطر.
ونقلت الحركة في وقت سابق، عبر الوسطاء، رسالة لإسرائيل، تطالب فيها بتسريع عمليات المشاريع، وخلق فرص عمل للسكان، وردت إسرائيل بقولها: «إن سبب تأخر تلك المشاريع هو عدم إيجاد دعم دولي لها في ظل أزمة فيروس كورونا».
ودخل وسطاء كثيرون على الخط من أجل تهدئة التوتر. كما دخل «الموساد» الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على خط الأزمة، وطلب من قطر الاستمرار بإرسال الأموال إلى القطاع، في سبيل نزع فتيل التصعيد الحالي.
وتريد إسرائيل التأكد من استمرار القطريين بتحويل الأموال ما بعد أغسطس (آب)، وهو موعد يفترض أن تنتهي معه المنحة القطرية التي مددت سابقاً لعدة شهور، بتدخل آخر من «الموساد».
وانتهاء المنحة القطرية واحد من الأسباب التي دفعت حركة حماس إلى تصعيد ميداني في الأيام الأخيرة، في محاولة للضغط على إسرائيل من أجل إدخال تسهيلات متفق عليها سابقاً.
وانتهت المنحة القطرية أصلاً في مارس (آذار) الماضي، لكن رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، زار قطر في فبراير (شباط)، وطلب تمديدها عدة شهور، تنتهي الشهر المقبل.
ومستبقة ذلك، كثفت «حماس» من إطلاق البالونات الحارقة، وسجل في إسرائيل اندلاع حرائق كبيرة في مستوطنات غلاف القطاع.
وواصلت «حماس» إطلاق البالونات الحارقة، أمس، بصفتها واحدة من أهم أساليب الضغط.
وشبت 4 حرائق، أمس، في غابة كيسوفيم الإسرائيلية، قرب الحدود مع قطاع غزة، كما عثر في إحدى بلدات «سدوت النقب» على بالون حارق يحمل عبوة ناسفة، قام خبير متفجرات في الشرطة الإسرائيلية بتفكيكه.
ولاحقاً، اندلع حريق في غابة «بئيري». والجمعة، اندلع ما لا يقل عن 21 حريقاً في مناطق غلاف غزة، نتيجة سقوط بالونات حارقة تم إطلاقها من القطاع.
لكن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أكد في محادثة مع رؤساء السلطات في غلاف غزة أن هذه الظاهرة ستنتهي قريباً، حيث قال كوخافي: «الجيش عاقد العزم على وضع حد لإرهاب البالونات، وسيعمل كل ما بمقدوره لتحقيق ذلك».
وأكد كوخافي أنه «يتفهم مشاعر السكان»، متعهداً بأن الجيش «سيرد بكل قوته على إرهاب البالونات»، وأردف: «نعتقد أن اتباع الخطوات المتخذة سيوقف إطلاق البالونات الحارقة في الأيام المقبلة».
وكان الجيش الإسرائيلي، في إطار مواجهة البالونات الحارقة، قد أعد منظومة أطلق عليها «لاهاف أور»، وهي منظومة ليزر قادرة على التصدي لهذه البالونات، وسيتم استخدامها بصورة ثابتة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.