بروفايل: ناصيف حتّي ضحية جديدة لـ«الفشل اللبناني»

أكاديمي دبلوماسي عريق يستسلم أمام استحالة التغيير

بروفايل: ناصيف حتّي ضحية جديدة  لـ«الفشل اللبناني»
TT

بروفايل: ناصيف حتّي ضحية جديدة لـ«الفشل اللبناني»

بروفايل: ناصيف حتّي ضحية جديدة  لـ«الفشل اللبناني»

ودع الأكاديمي الدبلوماسي العربي ناصيف حتّي تجربة العمل الحكومي في لبنان سريعاً. أكاديميته وأفكاره ومبادئه لم تسمح له بالبقاء طويلاً في عمل حكومي يجر لبنان نحو «الدولة الفاشلة»، فاختار أن يغادر المركب، لتكون مغادرته جرس إنذار للطبقة السياسية الحاكمة من أن الوضع لا يمكن أن يستمر. أما على الصعيد الشخصي، فقد رفض حتّي أن يكون «شاهد ما شفش حاجة».
ترك حتّي الحكومة قبل أيام من تفجير مرفأ بيروت الذي وضع المسمار الأخير في نعش هذه الحكومة التي أتت تحت عنوان «إنقاذ البلاد»، فساهمت في تخبطها بتسريع الانهيار، مفوتة على نفسها «فرصة تاريخية» لأن تنجز مستندة إلى «رغبة اللبنانيين بالتغيير، وعدم قدرة الطبقة السياسية على المقاومة»، كما راهن حتّي.
رهان حتّي كان خاسراً في الحالتين، فالطبقة السياسية أثبتت قدرة كبيرة على التأقلم، وجشعاً كبيراً لا يضع في الحسبان أحوال البلاد والعباد. أما حكومة «التكنوقراط»، فقد مارست «الشيزوفرانية» (انفصام الشخصية) السياسية، كما يقول حتّي، حيث «كنا نأخذ قراراً بالإجماع، ثم ما نلبث أن نتصرف فرادى بما لا يتوافق معه».

قرار استقالة الدكتور ناصيف حتّي من منصبه، وزير الخارجية في لبنان، نضج قبل ثلاثة أسابيع من إعلانه. ففي حينه، توصل حتّي إلى «قناعة بعدم وجود إصلاح شامل حقيقي، بل مجرد مراهم». الأمثلة على التخبط الحكومي وسوء الأداء كانت كثيرة، فهناك التوظيفات والتعيينات التي لم تراعِ الكفاءة، بل المحسوبيات، وهناك التدخلات السياسية في كل مفاصل العمل الحكومي. يقول حتّي: «كنت أناقش بداية، ثم بدأت أجلس ساكناً، لأني أدركت أن الإنجاز مستحيل، ولم أرد أن أكون شاهد زور». وهو يرى أن «المشكلة في لبنان أن انقسامات اللبنانيين منذ عام 1958 لم تكن خلافات يمين ويسار، بل كانت خلافات هوياتية، وكان لا بد من أن نختار بين أن نكون سويسرا الشرق أو هانوي الشرق».
- الاستراتيجية الدفاعية
شيء آخر ساهم في قرار الاستقالة، وهو السؤال الكبير حول «الاستراتيجية الدفاعية» (الكلمة اللبنانية الملطفة لوصف مشكلة سلاح «حزب الله»)، ومَن يملك قرار الحرب والسلم في لبنان، ومَن يملك قرار الرد على أي عدوان. برأي حتّي «يجب أن يكون هذا في مجلس الوزراء، لكن للأسف لم يكن هذا هو الواقع، بل بقينا كما الحكومات السابقة».
ويرفض حتّي أن يحمل المسؤولية في قرار استقالته لطرف واحد. وكان قد قيل الكثير عن أنه انزعج من تدخلات جبران باسيل في وزارة الخارجية، وفرضه مواقف عليه، وتأنيبه على أخرى، لكنه يقول: «السبب الحقيقي والأول لاستقالتي أنني أُصبت بخيبة أمل؛ كنت أتمنى أن نمضي بشكل حازم في عملية الإصلاح، وهذا رأيي وقناعتي. ولكن بدل الإصلاحات التي كنت أبحث عنها، وجدت أننا عدنا إلى منطق المحاصصة. وبدل المواجهة والرغبة في الإسراع بها، وجدت غير ذلك: التركيبة السياسية لم تقبل السير بالإصلاحات. أما التفسيرات التي قرأتها أو سمعتها في بعض وسائل الإعلام، فلا أساس لها».
- بطاقة هوية
ولد ناصيف يوسف حتّي في بلدة بصرما بقضاء الكورة، عام 1952، لعائلة مسيحية مارونية ميسورة. والده كان طبيباً معروفاً محبوباً في المنطقة، وكان من الطبيعي لناصيف -الابن الوحيد بين بنات- أن يحذو حذو والده، ويتسلم أعمال العائلة.
وهكذا، درس في مدرسة الإخوة المريميين (الفرير) في مدينة طرابلس، حيث نال شهادة الثانوية العامة في الفرع العلمي، لكن شغف الابن الدائم كان العلوم السياسية. ورضخ الوالد لـ«حلم» الابن، لكنه اشترط عليه أن يكمل حتى الدكتوراه. انتقل للدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تخصص في العلوم السياسية، ونال درجة البكالوريوس عام 1975، وبعدها الماجستير عام 1977، ثم حاز الدكتوراه بالعلاقات الدولية عام 1988 من جامعة جنوب كاليفورنيا.
- المسيرة الدبلوماسية
في عام 1981، رشحته الدولة اللبنانية للالتحاق بجامعة الدول العربية، فعيّن في مكتب الأمين العام للجامعة الشاذلي القليبي، حيث لفت المسؤولين عنها بنشاطه وقدراته. ومن ثم، عين أواخر 1999 مستشاراً دبلوماسياً للأمين العام -يومذاك- الدكتور عصمت عبد المجيد. وبعدها، انتقل ليصبح رئيساً لبعثة الجامعة العربية في فرنسا، والمندوب الدائم لدى «اليونيسكو»، ولدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية في مطلع عام 2000 حتى عام 2013.
وبعد 13 سنة في ذلك المنصب، عاد إلى القاهرة ليشغل منصب مستشار الأمين العام للجامعة العربية -آنذاك- الدكتور نبيل العربي. ولاحقاً، أصبح رئيساً لبعثة الجامعة العربية في إيطاليا والفاتيكان، ومندوباً دائماً لدى منظمات الأمم المتحدة في إيطاليا، بين عامي 2014 و2015.
- التقاعد والحياة الأكاديمية
لما بلغ حتّي الثالثة والستين (سن التقاعد الوظيفي)، عاد إلى بيروت «المدينة التي تسكنه، رغم أنه لم يسكنها طويلاً»، وانخرط في الحراك المدني والأكاديمي.
يقول: «كنت أتصور أنه لا يمكن إلا أن أعود إلى بيروت». وبالفعل، عاد وعين مديراً للمعهد العالي للدراسات والعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس في الكسليك بين عامي 2016 و2019، وكان قد مارس التدريس بصفة أستاذ غير متفرغ في الجامعة الأميركية القاهرة إبان فترة عمله فيها. وهو يقول إنه يحب أن يحاور طلابه ويناقشهم، ويسعى إلى أن يكون قريباً منهم ليفهم ما يحملونه من أحلام وآمال، وما يعانونه من عقبات، وما أكثرها في لبنان «البلد الطارد لأبنائه»، كما يصفه. وكان قد كتب مقالة ذات مرة عنوانها «الانتظار في الطريق إلى المطار»... ولعله أكثر من يعرفها، فولداه يعملان في الخارج أيضاً، ولهذا يتوزع قلبه بين بيروت ونيويورك وباريس.
إلى جانب ذلك، كان الدكتور حتّي، كما تقول سيرته الذاتية الرسمية «أستاذاً زائراً في الأكاديمية المتوسطية للدراسات الدبلوماسية في مالطة، وهو يحاضر في عدة جامعات غربية ومراكز أبحاث. ولقد صدر له كتابان، هما: (نظرية العلاقات الدولية - 1985)، و(العالم العربي والقوى الخمس الكبرى: دراسة مستقبلية - 1987)، وله أيضاً عدد من الدراسات والأبحاث في الشؤون الدولية والعربية نشرت في دوريات متخصصة. وهو يساهم بمقالات سياسية في عدد من الصحف العربية، وقد شارك في كثير من الندوات والمؤتمرات حول قضايا الشرق الأوسط وقضايا المتوسط والسياسة الدولية، وهو عضو في مراكز أبحاث تعنى بالقضايا الدولية وقضايا الشرق الأوسط».
- مزايا وهوايات وعادات
يتصف حتّي بشكل واضح بمزايا الرجل الدبلوماسي، فمسيرة 35 سنة في العمل الدبلوماسي جعلته «أكثر مرونة» في التعاطي مع قضايا حياته. كذلك فهو يحرص على تربية ولديه على مفاهيم حب لبنان «الذي يتعلقان به، كأي لبناني مخلص، رغم أنهما نشأ وتربيا في الخارج»، واصفاً علاقته بهما بأنها «ممتازة؛ علاقة صداقة وحوار، وليس سلطة وتسلط». والمضحك أن كمية النقد الأكبر التي كان يتلقاها خلال عمله وزيراً أتت من أولاده.
أما عن هواياته، فأبرزها المشي «الذي كان فقده من أكبر الخسائر خلال الأشهر الستة من عمر الحكومة»، إذ اضطر أن يتخلى عنه لصالح المشي على الآلات في المنزل، من دون أن يعني ذلك أنه لم يسرق لحظات يمشي فيها في محمية إهدن التي تكون مسرح حراكه اليومي في الصيف خلال وجوده في لبنان. ثم إن حذاء المشي ضيف دائم في سيارته طوال عمله الدبلوماسي، حيث كان السائق غالباً ما يعود من اللقاءات الرسمية وحيداً، بعد أن يتركه حتّي ليعود ماشياً سعياً لتحقيق الـ15 كيلومتراً اليومية التي يحافظ عليها. وعندما عاد إلى بيروت، كان مساره اليومي من منزله في الأشرفية (شرق بيروت) إلى الحمام العسكري في أقصى غربها.
يبدأ حتّي صباحه في السابعة، مع فنجان من القهوة، وقراءة سريعة للصحف، يختار منها المقالات المهمة كي يقرأها في الليل. وهو ما يزال يحب رائحة الورق وملمسه، ويفضل أن يقرأها كذلك، مع أن علاقته بالتكنولوجيا العصرية جيدة، ويستعملها للتواصل مع الأصدقاء والأبناء بشكل دوري.
ومن الهويات الأخرى السباحة في البحر، والجلسات مع الأصدقاء «التي نقلتها خلال عملي الحكومي إلى المنازل للحصول على أجواء هادئة تسمح بحوار صاخب... وخاص. ويجري هذا كله في جو من الالتقاء والاختلاف الهادئ... من يعمل 35 سنة دبلوماسياً، فمن الطبيعي أن يكون لديه مرونة في المقاربات». ومن المقاربات التي تعلمها حتّي من عمله الدبلوماسي أن «وظيفة الدبلوماسي لم تعد اليوم أن ينقل الصور المتعلقة بمكان عمله إلى دولته، فهذا بات من الأمور السهلة في عصر المعلومات، بل غدا التواصل مع القوى الحية في المجتمع الذي يمثل بلاده فيه سعياً إلى فهم حقيقي لواقع هذا المجتمع، وتأثيره على الدولة (أو المجموعة التي يمثلها في حالة حتّي)».
المفاهيم هذه حملها إلى عمله في وزارة الخارجية اللبنانية، فـ«البلدان الصغيرة تحتاج إلى دبلوماسية كبيرة» من أن أجل أن تحمي نفسها، وتحافظ على حقوقها، فالدول مهما كبرت لا تستطيع أن تعيش وحدها. وهنا، يعترف الوزير حتّي بأنه لم يأتِ إلى الحكومة حاملاً «أحلاماً وردية»، لكنه رأى فيه فرصة للمساهمة في إحداث تغيير ضروري وإصلاح نوعي، وكان يأمل بأن تكون خبرته التي تتضمن 35 سنة في العمل الدبلوماسي، وعضويته في مجموعات التفكير الكثيرة، سنداً له في العمل السياسي، لا سيما أن خبرته يتكامل فيها الجانبان الأكاديمي والعملي.
أما لماذا قبل بالمنصب، فببساطة لأنه «كان يعتقد أن التركيبة السياسية اللبنانية لم تعد قادرة على الوقوف في وجه التغيير الذي أصبح حاجة، ولم يعد ترفاً، فالطبقة الوسطى تتآكل... ولم يعد ثمة مصعد اجتماعي يرفع الناس من طبقة لأخرى، بل هبوط مستمر».
لقد دخل حتّي الحكومة، وساهم في البيان الوزاري. وهنا يعلق: «الفريق الحكومي كان مثل أسرتي، وقلت أمامهم أكثر من مرة إنه يجب أن نمضي بالإصلاح بشكل سريع لأن الوقت لم يعد في مصلحتنا، وإن المؤسسة السياسية اللبنانية محتاجة بقوة إلى إصلاح هيكلي فعلي». ولأن «مأساة لبنان تكمن في غياب مأسسة الدولة... في قناعتي، كان يجب أن نمضي في مواجهة سريعة. فإذا نجحنا، تكون ثمة حالة شعبية تدعمنا في مواجهة الطبقة السياسية، لكننا لم نمضِ في هذا الأمر، بل دخلنا في وعاء السياسة التقليدية، فتكبل عمل الحكومة، وفقدنا الزخم».
وحقاً، سياسته في الخارجية لخصها في خطاب التسليم والتسلم في وزارته، حين قال إن «الأسرة العربية تأتي أولاً». وهذا -من وجهة نظر حتّي- يذهب ضد أن يكون لبنان منخرطاً في صراعات المحاور. وهو يوضح: «كان همي أن يكون لبنان أكثر توازناً، وأن يعيد نفسه أكثر نحو العائلة العربية. يجب أن تكون هناك قواعد واضحة لجهة عدم التدخل بشؤون الآخرين»، ليخلص إلى القول: «إذا لم تكن لدينا سياسة ناشطة لرأب الصدع مع الدول العربية، من دون الانخراط في محاور، فلا أمل».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».