الحريري يتجنب الحديث حول الحكومة الجديدة... تكليفاً وتأليفاً

التوافق على عناوين الإنقاذ يتيح البحث في مرحلة ما بعده

TT

الحريري يتجنب الحديث حول الحكومة الجديدة... تكليفاً وتأليفاً

قالت أوساط سياسية بأن الانفجار المدمر الذي أصاب بيروت أدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل حصوله في 4 أغسطس (آب)، ولا يمكن القفز فوق التداعيات التي خلفها والأضرار الكبيرة التي ألحقها بالبشر والحجر والتعامل معها وكأنها عابرة فور استقالة حكومة الرئيس حسان دياب التي فتحت الباب أمام البحث بحكومة جديدة.
ورأت الأوساط السياسية لـ«الشرق الأوسط» بأن الأولوية يجب أن تعطى لإعادة إعمار بيروت لأن الانفجار أتى على 80 ألف وحدة سكنية وأدى إلى تشريد حوالي 300 ألف شخص هم الآن بلا مأوى وعطل العمل في مرفأ بيروت الذي يُعتبر أحد أبرز المرافئ في الشرق الأوسط نظراً لموقعه الجغرافي الذي يؤمن التواصل بين الشرق والغرب.
ولفتت إلى أنه من غير الجائز التغاضي عن ضرورة لملمة الجروح التي أصابت بيروت وعدم الالتفات إلى إعادة إعمارها بذريعة أن هناك ضرورة لملء الفراغ بسبب استقالة حكومة دياب، وقالت إن إعادة إعمارها يجب أن تتصدر جدول أعمال المرحلة السياسية التي يتحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتأمين شبكة أمان سياسية وإعمارية للبنان لأن من دونها لا يمكن إقحام البلد في تجربة جديدة ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن التجارب السياسية لئلا تدفع باتجاه تمديد الأزمة.
وأكدت أن ماكرون يتحرك على كافة المستويات الدولية والعربية والداخلية لتوفير الضمانات لشبكة الأمان هذه، خصوصا أنه بدأ يتحرك فور حصول الانفجار وكأن الكارثة حلت بفرنسا، وذلك لعدم قدرة رئيس الجمهورية ميشال عون على امتلاك زمام المبادرة لأنه أقحم لبنان في صدامات متنقلة مع المجتمع الدولي وعدد من الدول العربية وأيضاً في خلافات مع أبرز المكونات السياسية.
وتوقفت الأوساط السياسية أمام محاولة البعض التركيز على اسم المرشح الذي سيخلف دياب لتولي رئاسة الحكومة وصولاً إلى ترجيح كفة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة، ما فتح الباب مجدداً أمام الحديث عن أن لديه شروطاً للعودة إلى الرئاسة الثالثة.
ونقلت عن مصادر في تيار «المستقبل» قولها بأن الحريري يعطي الأولوية لإعادة إعمار بيروت، وبالتالي لا علم لنا بما يتردد بأنه يوافق على تشكيل الحكومة الجديدة لكن لديه مجموعة من الشروط.
وأكدت المصادر بأن ما يتردد على هذا الصعيد لا يعبر عن موقف الحريري وإنما يقوم على مخيلات مبنية سابقاً وقبل 4 أغسطس على إدراك بعض القوى الداعمة لحكومة دياب بأنه لا ضرورة لاستمرار حكومته وأن البديل يكون في عودة الحريري الذي بادر إلى طرح شروط لعودته هي نفسها التي طرحها قبل ولادة الحكومة المستقيلة.
وقالت إن استنفار المجتمع الدولي لتقديم مساعدات إنسانية للبنان فور حصول الانفجار يستدعي العمل على تطويره لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي، خصوصا أنه فتح كوة في جدار الأزمة اللبنانية يجب الإفادة منها وعدم التفريط فيها.
وتابعت أن هذه الكوة ما هي إلا مؤشر لإعادة تعويم الاهتمام الدولي بلبنان باعتبار أنه يحصل للمرة الأولى منذ انعقاد مؤتمر «سيدر»، وقالت إن لبنان كان يعاني من عزلة دولية يُفترض أن توظف لانتشاله من الحفرة التي يتموضع فيها حالياً.
ورأت أن الحريري ولكل هذه الاعتبارات يتجنب الحديث حول الحكومة الجديدة تكليفاً وتأليفاً وعزت السبب إلى أمور عدة أبرزها التريث إلى حين تتوضح الأطر العامة لمبادرة ماكرون وصولاً إلى تحضير الأجواء للبحث في كيفية توظيفها بإدراج أبرز ما فيها في صلب البيان الوزاري للحكومة الجديدة شرط أن تحظى بتوافق جميع الأطراف والتعاطي معها على أنها ورقة تفاهم مُلزمة للحكومة.
وقالت المصادر هذه إن مجرد التوافق على العناوين الرئيسة للإنقاذ يتيح للأطراف البحث في مرحلة ما بعد هذا التوافق بدءاً ببدء الاتصالات لتشكيل الحكومة وعندها يمكن الوقوف على رأي الحريري لأنه ليس في وارد تكرار التجارب السابقة، وأكدت بأن أي كلام آخر لا يلزمه بشيء ويقوم على الاجتهادات لأنه لا مجال لهدر الفرص، وهناك ضرورة للتوافق على خريطة الطريق قبل البحث في التكليف، وهذا ما يضع الجميع أمام مدى التزامهم بالخطة الإنقاذية بدلاً من المجيء بحكومة أقرب إلى حكومة دياب مع تغيير رئيسها، وبالتالي ستطيح بمبادرة ماكرون الذي يدق كل الأبواب الدولية والإقليمية لتوفير الدعم للحكومة الجديدة التي سيكون للمجتمع الدولي الرأي الراجح في تركيبها.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.