قصف تركي على حدود العراق... ومطالبات بحفظ سيادة البلاد

تجاوزات ميليشياوية وسط بغداد

صورة أرشيفية لمروحية تركية تحلق داخل الأراضي العراقية في كردستان قرب حدود تركيا (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمروحية تركية تحلق داخل الأراضي العراقية في كردستان قرب حدود تركيا (أ.ف.ب)
TT

قصف تركي على حدود العراق... ومطالبات بحفظ سيادة البلاد

صورة أرشيفية لمروحية تركية تحلق داخل الأراضي العراقية في كردستان قرب حدود تركيا (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمروحية تركية تحلق داخل الأراضي العراقية في كردستان قرب حدود تركيا (أ.ف.ب)

استمرارا لخروقات وتجاوزات سابقة على السيادة العراقية، واصلت، أول من أمس (الثلاثاء)، الدولة التركية من جهة، والفصائل الميليشياوية المسلحة الموالية لإيران من جهة أخرى، خروقهما واعتداءاتهما على العراق عبر عملين، نفذت الأول أنقرة من خلال قصف بآلية عسكرية لحرس الحدود في منطقة سيدكان بإقليم كردستان، وتسبب في مقتل آمر اللواء الثاني بحرس حدود في المنطقة الأولى وآمر الفوج الثالت في اللواء نفسه وسائق الآلية، طبقاً لبيان خلية الإعلام الأمني. أما الثاني فنفذته في العاصمة بغداد «خلايا الكاتيوشا» المتهمة بعلاقاتها الوثيقة بطهران، عبر هجوم صاروخي وقع على الجسر المعلق، حيث المدخل الجنوبي للمنطقة الرئاسية (الخضراء) والقريب من السفارة الأميركية.
وذكرت خلية الإعلام الأمني أن الصاروخ «لم يسفر عن أي خسائر وانطلق من معسكر الرشيد، فيما عثرت القوات الأمنية على صاروخ آخر معد للإطلاق في المكان ذاته».
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها سيادة البلاد من قبل الجارة الشمالية تركيا، أو على يد الجارة الشرقية إيران عبر الميليشيات المسلحة التي تعمل بأوامرها، إذ سبق أن شنت عدة عمليات قصف مماثلة داخل الأراضي العراقية من هاتين الجهتين خلال السنة الحالية والسنوات التي سبقتها، من دون أن تتمكن الحكومات العراقية المتعاقبة من وضع حد لتلك الانتهاكات.
وتشعر قطاعات عراقية واسعة على المستويين الرسمي والشعبي باستياء واسع من تلك التجاوزات والخروقات، وصدرت مطالبات واسعة لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لوقف تلك الاعتداءات وسحب السفير العراقي من أنقرة.
وعلى المستوى الرسمي، رفضت الحكومة العراقية رفضا قاطعا الاعتداء التركي وأدانته بشدة في بيان صدر عن وزارة الخارجية قالت فيه إن «العراق يعدّ هذا العمل خرقاً لسيادة وحُرمة البلاد، وعملاً عدائيّاً يُخالِف المواثيق والقوانين الدوليّة التي تُنظّم العلاقات بين البُلدان؛ كما يخالف - أيضاً - مبدأ حُسن الجوار الذي ينبغي أن يكون سبباً في الحرص على القيام بالعمل التشاركي الأمني خدمة للجانبين».
وهددت الخارجية بأن «تكرار مثل هذه الأفعال، وعدم الاستجابة لمطالبات العراق بوقف الخروقات وسحب القوات التركية المتوغلة داخل حدودنا الدولية، مدعاة لإعادة النظر في حجم التعاون بين البلدين على مختلف الصعد». وتشير بيانات شبه رسمية إلى أن حجم التبادل الاقتصادي بين العراق وتركيا يصل إلى نحو 16 مليار دولار سنويا.
وألغى العراق زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى العراق المُقرّرة (اليوم الخميس)، كما قامت الخارجية العراقية باستدعاء السفير التركي فاتح يلدز وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، وإبلاغه برفض العراق لما تقوم به بلاده من اعتداءات وانتهاكات.
ورغم اللهجة المتشددة التي عبر عنها العراق حيال الاعتداء التركي، غير أن السؤال عن مدى قدرة الحكومة العراقية على الرد بطريقة مناسبة توقف انتهاكات دول الجوار يبقى محل شك قطاعات غير قليلة من العراقيين.
وفي هذا الاتجاه، يتوقع رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، أن «لا يتجاوز رد العراق الحدود الدبلوماسية وعمليات الاحتجاج والاستنكار واستدعاء السفير التركي».
ويقول الشمري لـ«الشرق الأوسط» إن «القصف التركي جزء من تداعيات الحرب بين أنقرة وحزب العمال التركي، لكن استمراره بهذه الطريقة يضع علامات استفهام كثيرة، لجهة عدم وجود رد مناسب من العراق من جهة، واحتمال أن تكون تركيا حصلت من الحكومات السابقة على ما يشبه الضوء الأخضر الخافت لاستمرار عمليات داخل الأراضي العراقية من جهة أخرى».
ويضيف «أتوقع عدم نهاية الاعتداءات التركية إلا بنهاية قضية حزب العمال وتحول طبيعة علاقته مع أنقرة، بل ستحفز طهران على السير بذات النهج من خلال استهداف الأراضي العراقية بإقليم كردستان بذريعة مطاردة حزب الحياة السعيدة (بيجاك) المعارض لها، ويبدو لى أن الأمر بحاجة إلى مؤتمر يجمع الدول الثلاث في بغداد لإيجاد صيغة نهائية لإيقاف مسألة الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي العراقية من قبل أنقرة وطهران».
ويتوقع الشمري أن «تكون مستويات الرد العراقي على أنقرة ضمن دائرة الرد الدبلوماسي وبيانات الاستنكار، ولا وجود لرد خارج هذا الإطار، نظرا لوضع العراق الحالي السياسي الذي لا يسمح برد مماثل».
بدوره، قال النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي إن «الاعتداءات التركية على سيادة العراق من شأنها أن تلحق الضرر بالعلاقات التاريخية بين العراق وتركيا بشكل كامل». واستنكر الكعبي في بيان، بشدة، تمادي القوات التركية بعدوانها.
إدانات عربية
وأدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أمس، «الانتهاكات التركية المتكررة في العراق». وقال الأمين العام للجماعة العربية أحمد أبو الغيط في بيان إن «الجامعة العربية تدين الانتهاكات التركية المتكررة للسيادة العراقية وتدعم أي تحرك تقوم به الحكومة العراقية على الساحة الدولية».
كما أدان البرلمان العربي القصف التركي وقال رئيس البرلمان مشعل بن فهم السُّلمي في بيان إن «الأعمال العدائية السافرة والخروقات العسكرية المتكررة التي تقوم بها القوات التركية على الأراضي العراقية تُعد تعدياً خطيراً على سيادة جمهورية العراق، وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والأعراف الدولية، وخرقاً واضحاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وعدم احترام لعلاقات حُسن الجوار».
وأعرب السلمي عن «استعداد البرلمان العربي للعمل مع مجلس النواب العراقي لحشد التأييد والدعم الإقليمي والدولي لإيقاف الاعتداءات التركية المتكررة على الأراضي العراقية». وطالب «مجلس الأمن الدولي بالتحرك الفوري والعاجل لإيقاف الاعتداءات التركية المتكررة على سيادة جمهورية العراق حفاظاً على الأمن والسلم في المنطقة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.