باريس تدعم الحريري لرئاسة الحكومة... لكن بشروط ثلاثة

قراءة في المقاربة الفرنسية لملف الأزمة اللبنانية

TT

باريس تدعم الحريري لرئاسة الحكومة... لكن بشروط ثلاثة

ثلاثة أسماء تداولتها أعلى المراجع الفرنسية لاحتلال مقعد رئيس وزراء لبنان الجديد أحدها سحب من التداول وهو نواف سلام بسبب الاعتراض القوي من جانب «حزب الله» ومن يسير في صفه. والثاني هو سعد الحريري رئيس الوزراء السابق الذي استقالت حكومته مع أول موجة احتجاجية عرفها لبنان بدءا من 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. والثالث هو تمام سلام، رئيس الوزراء الأسبق، الاسم «الاحتياط» الذي قد يستدعى مجددا إلى رئاسة الحكومة في حال وجد الحريري أن الشروط التي يتمسك بها والتي حالت دون إعادة تكليفه المرة الماضية ليست متوافرة هذه المرة أيضا. إلا أن التركيز اليوم على الحريري مع السعي الذي تقول عنه مصادر واسعة الاطلاع في باريس إنه «مستعد لتحمل المسؤولية شرط إعطائه الصلاحيات التي تمكنه من التحرك والاستجابة لمطالب الشارع». وكشفت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس ماكرون، خلال اجتماعه برؤساء الأحزاب اللبنانية، أكد لهم أنه «على تواصل مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية لتوفير شبكة أمان لبنان ولتسهيل إخراجه من المستنقع» الذي يزيد غرقه فيه يوما بعد يوم.
من هذا المنطلق، علم أن الرئيس ماكرون ومعه الدبلوماسية الفرنسية المعبأة، وعد بالقيام بالاتصالات اللازمة لذلك. وأشارت هذه المصادر إلى أن الرئيس الفرنسي وإن لم يكن يحمل تفويضا «رسميا» من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ليقود جهود الإنقاذ في لبنان، إلا أنه يتحرك باسم الجميع. وشددت هذه المصادر على أن الرئيس دونالد ترمب ما كان ليتصل مطولا مع الرئيس ميشال عون أو أن يشارك شخصيا في مؤتمر «دعم بيروت ولبنان» لولا تدخل ماكرون الذي أجرى معه اتصالا مطولا لإقناعه بضرورة التحرك لمساعدة هذا البلد. وإحدى الحجج التي ساقها تشدد على أن لبنان «ليس قضية خاسرة» وأن التخلي عنه «سيكون بمثابة خدمة لإيران».
ولا تقتصر جهود ماكرون على الغربيين بل إنه يعمل مع إيران وترجم ذلك بالأمس من خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني. وجاء في البيان الصادر عن الحكومة الإيرانية أمس أن الرئيس الفرنسي «طلب دعم إيران لإيجاد حل للأزمة السياسية في لبنان كما دعاها للانضمام إلى المجموعة الدولية من أجل تحقيق هذا الغرض. وتقليديا، تتحاور باريس مع طهران بخصوص تقلبات الأزمات اللبنانية من باب اعتبار أن التأثير على مواقف «حزب الله» يمر عبر طهران.
وعلى الجانب الآخر، يعمل ماكرون مع الأطراف العربية الفاعلة لـ«إقناعها» بأن الحريري هو اليوم «رجل المرحلة» وأنه تتعين مساعدته.
وثمة ثلاثة شروط متداولة بهذا الخصوص أولها عدم الوقوع بمحظور الحكومة السابقة حيث كانت المماحكات والمساومات سيدة الموقف وبالتالي يتعين على الجميع في الداخل مساعدته. والشرط الثاني تمكينه من تشكيل حكومة «مستقلين» أو «حياديين» حقيقية وليس كما كان الوضع مع وزراء حكومة حسان دياب المستقيلة. والثالث، توفير صلاحيات «استثنائية» لاتخاذ القرارات الجذرية وتحقيق أربعة أهداف: إنقاذ العملة الوطنية التي يصيب تدهورها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين ووضع حد للتدهور الاقتصادي بسبب توقف عجلته عن الدوران وإعادة إعمار المناطق التي دمرها إنفجار المرفأ وأخيرا القيام بالإصلاحات الضرورية التي يطلبها المجتمع الدولي ومنها، كما تقول المصادر المشار إليها، التوصل إلى اتفاق مع البنك الدولي. وإذا توافرت هذه الشروط، فإن باريس ستفعل شبكة اتصالاتها من أجل الدفع باتجاه مساعدة لبنان والتخلي عن سياسة الانتظار والترقب.
يمثل هدف إيجاد حكومة لبنانية جديدة أولوية الأولويات الفرنسية وهذا ما حرص وزير الخارجية جان إيف لودر يان على التركيز عليه في بيانه الأخير الذي أعقب استقالة دياب. وجاء في البيان المذكور أن «الأولوية يجب أن تكون تأليف حكومة (جديدة) سريعا تستجيب لتطلعات السكان وتتصدى للتحديات الرئيسية التي يواجهها لبنان وأولها إعادة بناء بيروت وتحقيق الإصلاحات التي من دونها سيذهب البلد إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي».
وواضح أن باريس تشدد على الحكومة لأنها، كما تقول مصادرها، «متخوفة من الفراغ الحكومي» الذي من شأنه زيادة الإرباكات وتأخير إنجاز المهمات الرئيسية المشار إليها. وبالطبع، يقول الجانب الفرنسي إن المسؤولية تقع على كاهل اللبنانيين وليس لفرنسا أن تسمي هذا أو ذاك ولكنها «جاهزة لتكون المسهل بين الأطراف في الداخل والخارج ولأن موضوع لبنان يهمها تقليديا وهي حريصة عليه».
وتضيف هذه المصادر أن ماكرون «لم يصل إلى لبنان حاملا خطة جاهزة بل طرح أفكارا» والدليل على ذلك مجريات اجتماعه مع قادة الأحزاب والكتل في قصر الصنوبر. وبحسب ما تعلمه «الشرق الأوسط»، فإن ماكرون بدأ الحديث بالتأكيد على أن جميع الحاضرين يريدون الإصلاحات ومحاربة الهدر والفساد وحل مشكلة الكهرباء وإصلاح النظام المالي.
وقال لهم: إذا كان الوضع كما أصفه، فلماذا لا تكونون في حكومة واحدة؟ وأضاف الرئيس الفرنسي لا تستطيعون حل مشاكل الشرق الأوسط، ولبنان كذلك أما إذا أردتم العمل معا، فأنا جاهز لمساعدتكم لكن المهمة هي مهمتكم. والأمر الجيد في الاجتماع كان حضور محمد رعد، رئيس كتلة «حزب الله» في البرلمان الذي أكد أن سلاح الحزب هو لمحاربة إسرائيل وهي عدو وأنه مكمل للجيش اللبناني. وإذ أشار إلى دعمه للإصلاحات الداخلية، أكد أن الحزب مع تطبيق كامل اتفاق الطائف. أما إذا كانت هناك رغبة للذهاب إلى شيء آخر كمؤتمر تأسيسي فهذا بحث آخر.
وبين من يؤكد أن ماكرون أجرى اجتماعا هامشيا مع رعد ومن ينفي، فإن الصحيح، وفق ما علمته «الشرق الأوسط» أنه بعد انتهاء الاجتماع ّسارا معا لدقيقتين أو ثلاث دقائق لا أكثر».
يبقى أنه يتعين على «الوصفة» الفرنسية أن تأخذ بعين الاعتبار أمرين: الأول، نبض الشارع الذي يطالب بترحيل كافة الطبقة السياسية بحيث ليست هناك ضمانات لقبوله حكومة بوجوه سابقة. والثاني، أن نجاح باريس حقيقة في دفع الأطراف المترددة في دعم لبنان بسبب ما تعتبره تحت هيمنة «حزب الله» على قراره لن يكون «مجانيا». ويعني ذلك أنها تريد «ثمنا» لليونتها عنوانه تغيير أداء «حزب الله» في الداخل والخارج.



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.