نتنياهو يجدد الحملة ضد المسؤولين عن محاكمته

في الوقت الذي تمكن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي من ليّ يد حليفه بيني غانتس، فأسقط مشروع القانون الذي يمنعه من تولي منصب «رئيس حكومة» بسبب توجيه لائحة اتهام ضده بالفساد، ومن تمرير مشروع قانون يمنحه 100 يوم إضافية لإقرار الموازنة العامة لسنة 2020، جدد بنيامين نتنياهو حملته ضد المؤسسة القضائية المسؤولة عن محاكمته؛ فهاجم المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، بشكل غير مسبوق، واتهمه بأنه «يتيح هدر دمه ودم زوجته سارة وابنه يائير»، وهاجم رئيسة طاقم المحامين في النيابة، ليئات بن آري.
وكان نتنياهو قد استهل يومه، أمس الأربعاء، بخطاب سياسي حاد في الكنيست (البرلمان)، هاجم فيه معارضيه واتهمهم بمحاولة إطاحته بطرق غير ديمقراطية. وجاء الخطاب خلال جلسة خصصت للمداولات حول مشروعي قانونين: الأول يقضي بتأجيل التصويت على الموازنة العامة لسنة 2020، إلى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وقد صوت إلى جانبه غالبية النواب؛ 56 مقابل 41 معارضاً. وتمكن نتنياهو من تمرير هذا القانون بعدما وافق رئيس الوزراء البديل وزير الدفاع ورئيس «كحول لفان»، بيني غانتس، على ذلك بغرض منع فض الائتلاف بينهما. ورغم هذا النجاح الجزئي لبقاء الائتلاف، فإن القرار لا يمنع من أن يعود نتنياهو إلى مبادرة أخرى تهدد الائتلاف، لذلك فقد هاجمت المعارضة غانتس أمس واتهمته بـ«الخنوع أمام نتنياهو المرة تلو الأخرى، من دون وجه حق».
وأما المشروع الثاني، فقد طرحه زعيم المعارضة، يائير لبيد، وينص على منع أي نائب متهم بمخالفات جنائية من تشكيل حكومة. وهنا أيضاً تراجع غانتس وتغيب (يجري عملية في الظهر بالمستشفى) وكذلك جميع نواب حزبه، مما أتاح لنتنياهو أن يسقط هذا القانون بأكثرية 53 مقابل 37. وقال لبيد: «إذا أردتم أن تفهموا لماذا مشروع هذا القانون مهم ومهم جداً، فعليكم أن تقرأوا الرسالة التي بعث بها نتنياهو أمس إلى المستشار القضائي للحكومة. هذا الرجل (نتنياهو) أخذ يخرف أمام أعيننا. رئيس حكومة لا يبعث برسالة كهذه إلى المستشار القضائي للحكومة». وذكر لبيد أن هذا المشروع كان قد أعده مع كل من غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي... «وغايته ليست الإزعاج، وإنما التأكد من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية منشغل بإدارة شؤون إسرائيل، وهذا لا يحدث الآن. إننا في ذروة الأزمة الصحية والاقتصادية الأخطر، ورئيس الحكومة في مكان آخر، وهو ليس معنا، والنتائج تتلاءم مع هذا الوضع».
ورد نتنياهو على لبيد بالقول إن «وزير المالية وأنا نعمل دون توقف على تنفيذ مهمتينا: الصحة والاقتصاد، وفي موازاة ذلك لا نوقف اهتمامنا ولو للحظة واحدة بالتحديات الأمنية. ولكن هنا بالذات في الكنيست؛ هيكل الديمقراطية الإسرائيلية، نشهد اليوم فصلاً مبتذلاً آخر في سلسلة لا تنتهي من جانب الذين نطقوا (الديمقراطية) بحنجرتهم وسيف إعدام الديمقراطية بيدهم. وأقف هنا رئيساً لحكومة إسرائيل، بفضل انتخاب الشعب ورغبته. وجمهور هائل منحني الثقة في الانتخابات الأخيرة. لكن المعارضة لا تؤمن بذلك. وها قد جاء لبيد وعودة (النائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة للأحزاب العربية) ويريدان المس بمشيئة الشعب، مثلما يحدث في الأنظمة الاستبدادية».
بيد أن الهجوم الأشرس الذي أداره نتنياهو، أمس، وأول من أمس، كان ضد المؤسسة القضائية، وجرى بشكل وبصياغات غير مسبوقة. ووجه نتنياهو التهمة بشكل عيني إلى مندلبليت وبن آري، اللذين تفرض عليهما حراسة مشددة من المخابرات بسبب التهديدات بالقتل التي تصل إليهما وإلى عائلتيهما.
ورغم أن نتنياهو يعرف أن هناك 39 ملف تحقيق أمر مندلبليت بفتحها ضد مواطنين هددوا عائلة نتنياهو ووجهوا كلمات بذيئة لزوجته، فإنه هاجمه بشدة واتهمه بعدم فعل شيء. وكتب نتنياهو رسالة إلى مندلبليت يقول له فيها: «أنت تقف مكتوف اليدين في وجه الدعوات لقتلي أنا وعائلتي والتهديدات باغتصاب زوجتي. هذه ليست أقل من هدر فاضح لدمائنا. فكيف كنت ستتصرف لو كانت التهديدات الجنسية التي تتعرض لها زوجتي، سارة، موجهة ضد زوجتك رونيت أو زوجة أحد مقربيك من العاملين في الشأن العام؟ ليس عندي شك على الإطلاق في أنك كنت ستتصرف على الفور وبكل الوسائل المتاحة لتقديم المتهم للعدالة إذا كانت الجريمة موجهة ضدك أو ضد أحد مقربيك».
وقد رد مندلبليت على نتنياهو برسالة علنية قال فيها إنه والنيابة والشرطة فتحوا 29 ملفاً جنائياً و10 ملفات جزائية ضد أناس هددوا نتنياهو وعائلته، «من دون أن يطلب منا أحد وقبل أن توجه أنت رسالتك». وكتب المستشار: «لا أساس لادعاءاتك»، ثم لمح إلى أن العنف الكلامي الدارج في الخطاب السياسي الجماهيري يعود إلى العنف الذي يستخدمه أيضاً قادة الجمهور، واتجه إلى نتنياهو بالقول: «مطلوب منك ومن بقية السياسيين دور رئيسي في تهدئة الأنفس، حتى لا نجد أنفسنا أمام نتائج صعبة لا تغتفر».
من جهة ثانية، تلقت رئيسة النيابة بن آري استدعاء من البلدية، بدعوى أنها ارتكبت مخالفات بناء خطيرة. وقد ردت على ذلك بصوت مخنوق، قائلة إن كل الضغوط السياسية التي تتعرض لها، والتي شملت تهديدها وأولادها بالقتل، لن تثنيها عن القيام بواجبها المهني في إدارة الملفات القضائية.