«الصحة اللبنانية»: 171 قتيلاً حصيلة جديدة لضحايا انفجار المرفأ

بيروت تحيي مرور أسبوع على الانفجار بالدموع وصور وأسماء الضحايا

منظر عام لتداعيات انفجار مرفأ بيروت بعد أسبوع من وقوعه (إ.ب.أ)
منظر عام لتداعيات انفجار مرفأ بيروت بعد أسبوع من وقوعه (إ.ب.أ)
TT

«الصحة اللبنانية»: 171 قتيلاً حصيلة جديدة لضحايا انفجار المرفأ

منظر عام لتداعيات انفجار مرفأ بيروت بعد أسبوع من وقوعه (إ.ب.أ)
منظر عام لتداعيات انفجار مرفأ بيروت بعد أسبوع من وقوعه (إ.ب.أ)

قُتل 171 شخصاً وأصيب أكثر من 6 آلاف آخرين جراء الانفجار الذي وقع قبل أسبوع في مرفأ بيروت، وفق ما أفاد به متحدث باسم وزارة الصحة وكالة الصحافة الفرنسية، اليوم الثلاثاء.
وكانت حصيلة سابقة أفادت بسقوط 160 قتيلاً. كما لا يزال هناك مفقودون لم تتمكن فرق الإغاثة من الوصول إليهم.
وبعد أسبوع من انفجار ضخم ضرب بيروت، سار مئات اللبنانيين، (الثلاثاء)، فوق ركام عاصمتهم حاملين أوجاعهم إلى موقع الانفجار، وصور وأسماء ضحايا تغيّرت حياة عائلاتهم ووطنهم خلال دقائق.
وواصلت المدينة وأهلها لملمة جراحهم غداة استقالة حكومة حسان دياب، مما فتح الباب أمام انطلاق مشاورات سياسية على مستويات عدة لتسمية رئيس حكومة جديد.
وحوّل الانفجار الضخم بيروت عاصمة منكوبة، وعاث في أحيائها خراباً. وقالت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)» إن نحو ألف طفل في عداد الجرحى.

وعند الساعة السادسة والدقيقة الثامنة (15:08 بتوقيت غرينيتش)، قبالة المرفأ، كما في الأحياء المتضررة القريبة منه، وقف المئات دقيقة صمت على أرواح الضحايا، بينما كانت أصوات الأذان تختلط مع أجراس الكنائس التي قُرعت بشكل متزامن.
وأمام المرفأ الذي تحوّل ساحة خردة كبيرة، بُثّ على شاشة عملاقة شريط فيديو يُظهر الانفجار الضخم. وأدّى المشاركون تحية سلام لمدينتهم وضحايا الانفجار. وفي شارع الجميزة المجاور؛ الأكبر تضرراً بالانفجار، جلس عشرات الشباب بلباس أبيض حاملين لافتات عليها أسماء ضحايا الانفجار، كما أضيئت الشموع.
وقال أحد المشاركين في الوقفة قرب مرفأ بيروت أمام الحاضرين: «لن نعلن الحداد ولن نرتدي الأسود قبل أن ندفن السلطة كلها»، التي يحملونها مسؤولية الفساد والاستهتار والإهمال.
ولم تشف استقالة الحكومة؛ التي وجد دياب نفسه مرغماً على تقديمها، غليل المتظاهرين في الشارع الذين تضاف فاجعة الانفجار الدامي إلى معاناتهم الطويلة في ظل أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخ بلادهم. ولم تسجل مظاهر احتفال بالاستقالة، في وقت استمرت فيه المطالبة بإسقاط كل الطبقة السياسية.
وخلال مشاركته في الوقفة قبالة المرفأ، قال علي نور الدين بينما كان يحمل صورة شقيقه الضابط أيمن، أحد ضحايا الانفجار، بتأثر شديد: «منذ أسبوع لا أصدّق ماذا حدث، لا أصدّق أن شقيقي قضى بسبب إهمال الدولة». وأضاف الشاب المقيم في ألمانيا: «يمكن أن يحدث التغيير عندما يتغيّر النظام بأكمله... أتمنى أن يغيّر استشهاد أيمن شيئاً».
وتجمّع عشرات الشباب مساء في وسط بيروت، حيث وقعت مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية، بعد رشقهم العناصر العسكرية بالحجارة والمفرقعات النارية. وردت قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وقدّم دياب استقالته، (الاثنين)، في كلمة بُثّت عبر محطات التلفزة، معلناً أنه اتخذ ووزراؤه قرار الاحتكام إلى «الناس وإلى مطالبهم بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة».
وغالباً يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان؛ البلد الصغير الذي يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية ومنطق التسويات، أسابيع وحتى أشهراً.

ولا يُعرف ما إذا كان حجم الكارثة وتبعاتها، وما تلاها من تعاطف ودعم دولي ومناشدات للإسراع في اتخاذ خطوات تريح الشعب، قد يدفع الفرقاء السياسيين هذه المرّة إلى تحمّل مسؤولياتهم أمام مواطنيهم.
وتوقّع أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية هلال خشان «ألا تكون هناك حكومة لأشهر طويلة»، منبّهاً إلى أنّ «لبنان يقف على مفترق مؤلم».
وطالب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، (الثلاثاء)، بتشكيل «حكومة طوارئ» لإخراج البلاد من أزمتها، وتقصير عمر حكومة تصريف الأعمال.
ولا يزال اللبنانيون تحت وطأة صدمة الانفجار، فيما يعمل 14 فريق بحث وإنقاذ، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، في موقع الانفجار.
وبعدما كانت وزارة الصحة أعلنت (الاثنين) أن عدد المفقودين أقل من 20، نقلت وسائل إعلام محلية عن وزير الصحة المستقيل حمد حسن قوله إن عددهم يتراوح بين 30 و40 مفقوداً.
ووقّع رئيس الجمهورية (الثلاثاء) مرسوماً أعدته الحكومة قبل استقالتها بإحالة قضية انفجار المرفأ إلى المجلس العدلي الذي ينظر في الجرائم الكبرى وتُعدّ أحكامه مبرمة وغير قابلة للاستئناف.
وكان القضاء أعلن توقيف أكثر من 20 شخصاً منذ الانفجار على ذمّة التحقيق؛ بينهم رئيس مجلس إدارة المرفأ والمدير العام للجمارك. واستجوبت النيابة العامة التمييزية (الاثنين) رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وتتواصل عملية رفع الأنقاض من أحياء عدة في العاصمة بمبادرات فردية ومن منظمات غير حكومية. كما يقدم أفراد وجمعيات مساعدات للسكان الذين شرد الانفجار نحو 300 ألف منهم من منازلهم.
وبحسب السلطات اللبنانية، فإن الانفجار نجم عن حريق في مستودع خُزّن فيه 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم المصادَرة من إحدى السفن منذ عام 2013، من دون اتخاذ إجراءات الحماية اللازمة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.