حكومات لبنان تسقط بـ«الخلافات» و«الشارع»

TT

حكومات لبنان تسقط بـ«الخلافات» و«الشارع»

تحدد المادة 69 من الدستور اللبناني الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة حصراً باستقالة أو وفاة رئيسها، أو فقدان أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها، أو عند بدء ولاية رئيس الجمهورية، أو ولاية مجلس النواب، أو عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة. وعلى الرغم من استقالة حكومات عدة منذ قيام الجمهورية اللبنانية حتى يومنا هذا، لم يحدث أن حجب مجلس النواب اللبناني الثقة عن أي حكومة سواء، لدى مناقشة بيانها الوزاري أو خلال جلسة عامة، فكلّ الاستقالات التي تقدمت بها الحكومات كانت نتيجة خلافات سياسية أو غضب في الشارع على خلفيات مشكلات اقتصادية حتى انقسامات سياسية أو طائفية.
وما سجّل من سحب للثقة كان قبل قيام الجمهورية وفي عهد الانتداب، ففي العام 1926 قرر البرلمان اللبناني حجب الثقة عن حكومة أوغست باشا أديب، وذلك بعدما وقّع 12 شيخاً من أصل 16 على عريضة حجب الثقة، فما كان من رئيس الحكومة حينها إلا أن قدّم استقالة حكومته. وتكرر الأمر نفسه في العام 1927 مع حكومة في عهد بشارة الخوري.
أما بعد الاستقلال فكانت أولى الحكومات التي استقالت في عهد الرئيس فؤاد شهاب، وهي حكومة رشيد كرامي (24 سبتمبر - أيلول 1958 إلى 14 أكتوبر - تشرين الأول 1958). سقطت هذه الحكومة في الشارع، قبل تقديم بيانها الوزاري، وذلك بسبب اعتراض الشارع المسيحي، وتحديداً حزب الكتائب على وزرائها.
الحكومة الثانية التي استقالت كانت في عهد الرئيس شارل حلو، برئاسة عبد الله آليافي (8 فبراير - شباط 1968 إلى 12 أكتوبر 1968) وذلك بعد أزمة سياسية جاءت على خلفية تنفيذ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عملية ضد طائرة ركاب إسرائيلية في العاصمة اليونانية أثينا، وما تبعها من إنزال لمجموعة من المظليين الإسرائيليين في مطار بيروت. وبعدها شكّل الرئيس رشيد كرامي في بداية العام 1969 حكومة جديدة، لكنها لم تستطع الصمود أيضاً، واستقالت في أبريل (نيسان) من العام نفسه.
ومن الحكومات التي استقالت قبل الطائف أيضاً حكومة الرئيس تقي الدين الصلح (8 يوليو - تموز 1973 إلى 31 أكتوبر 1974). تشكلت هذه الحكومة في ظل خلافات سياسية وحزبية، أدت إلى استبعاد كمال جنبلاط عن الحكومة، وفي وقت شهدت فيه البلاد أزمة مواد غذائية وارتفاعاً جنونياً بالأسعار، الأمر الذي أدى إلى حصول تحركات شعبية بقيادة الاتحاد العمالي العام، الذي طالب برفع الحد الأدنى للأجور، ولم يستطع الرئيس الصلح تلبية المطالب، فقدّم استقالة حكومته تحت ضغط الشارع.
وفي العام 1975 وبعد اندلاع الحرب الأهلية واستقالة حكومة الرئيس رشيد الصلح، شكّل العميد نور الدين الرفاعي حكومة (23 مايو - أيار 1975 إلى الأول من يوليو - تموز من العام نفسه) في عهد الرئيس سليمان فرنجية. كانت الحكومة مكونة من 6 وزراء عسكريين، بهدف تحييد الجيش عن الحرب، لكن الحكومة شهدت معارضة وطنية وتحركات في الشارع ومواجهات دامية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، فسقطت الحكومة.
حكومات أسقطها الشارع بعد «الطائف»
أولى الحكومات التي سقطت بعد اتفاق الطائف كانت في عهد الرئيس إلياس الهراوي، وبرئاسة عمر كرامي (24 ديسمبر - كانون الأول 1990 إلى 16 مايو 1992)، وذلك إثر اندلاع تحركات شعبية عُرفت بـ«ثورة 6 أيار» أو «ثورة الدواليب» بعد أن تدهور الوضع الاقتصادي وسعر صرف الليرة اللبنانية الذي وصل إلى 3 آلاف ليرة للدولار الواحد.
فبعد أشهر من تفاقم الوضع الاقتصادي وتحديداً في 4 مايو 1992 اجتمع الاتحاد العمالي العام وأعلن الإضراب لعدة أيام تخللها مظاهرات وتحركات شعبية في مختلف المدن اللبنانية، بينها طبعاً العاصمة بيروت، وترافقت الاحتجاجات مع أعمال شغب وإطلاق نار ومحاصرة منازل الوزراء، ما دفع كرامي إلى تقديم استقالته.
ثانية الحكومات التي سقطت بعد «الطائف» كانت أيضاً برئاسة عمر كرامي في 19 أبريل 2005 لكن هذه المرة في عهد الرئيس إميل لحود، وإثر الغضب والانقسام السياسي الحاد الذي شهده الشارع اللبناني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005.
فبعد اغتيال الحريري، نزل اللبنانيون إلى الشوارع، ونصبت الخيم مطالبة بمحاسبة من اغتالوا الحريري. وفي جلسة نيابية حُدّدت لمساءلة الحكومة قدّمت شقيقة الحريري النائبة بهية الحريري مداخلة مؤثرة جداً، فطلب بعدها الرئيس كرامي الكلام، وفاجأ الجميع بتقديم استقالة الحكومة.
أمّا ثالثة الحكومات التي سقطت تحت ضغط الشارع بعد «الطائف»، فلم يمض عليها سنة، وكانت في عهد الرئيس ميشال عون.
ففي 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، شهد لبنان تحركات غير مسبوقة على إثر تدهور الوضع الاقتصادي، عرفت فيما بعد بـ«ثورة 17 تشرين الأول 2019»، إذ شهد الشارع اللبناني اعتصامات ومظاهرات طالبت باستقالة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومكافحة الفساد والكشف عن الهدر والسرقات. وبعد 13 يوماً من التحركات، قدّم الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته استجابة لطلب الشارع.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».