نقص التبرعات في ليبيا فاقم معاناة الأيتام والجمعيات الخيرية

يحتل التكافل الاجتماعي بين المواطنين في ليبيا مكانة كبيرة في ظل الصعوبات التي خلّفتها الحرب، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل يراه البعض مبالغاً فيه، ما أدى إلى نقص التبرعات التي كانت يتلقاها كثير من الجمعيات الخيرية، خصوصاً القائمة على رعاية الأطفال اليتامى.
وقالت غالية الشلماني مديرة مؤسسة ليبيا الخيرية لكفالة اليتيم في بنغازي، إن مؤسستها قائمة بشكل كبير على التبرعات، بالشكل الذي يتيح رعاية وكفالة أكثر من 600 طفل من اليتامى تحت سن 14 عاماً، مشيرة إلى أن «الأوضاع الناجمة عن الحرب وتبعاتها بالإضافة إلى جائحة (كورونا) تسببت في انخفاض التبرعات التي كانت تتلقاها المؤسسة، بنسبة 10%».
وتتخوف الشلماني، في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، من تراجع أكثر في عدد المتبرعين حال اندلاع معركة جديدة، وقالت: «لو وقعت حرب ستؤثر على أعمال وأرزاق المواطنين، فضلاً عن زيادة نسبة الأطفال اليتامى نتيجة المواجهات العسكرية». وأضافت: «الليبيون بطبيعتهم خيرون، فهم يتحدون ظروفهم المعيشية ويتبرعون بالمال والجهد، وهذا ما لا ينكره أحد، لكن الحقيقة الأخرى التي رصدناها خلال عملنا الميداني أن الأيتام المحتاجين للمساعدة باتوا في تزايد مستمر».
وقالت: «لا نزال نواجه صعوبة في توفير الجرعات الكيماوية للأطفال المرضى خصوصاً مع ارتفاع سعر العلاج أو عدم توفره في ليبيا بعد إغلاق الحدود مع مصر وتونس وبعض الدول التي كنا نذهب إليها للعلاج. ونحن في المؤسسات لا نتلقى دعماً من الدولة أو حتى من المنظمات الدولية، فالحكومة المؤقتة بشرق ليبيا خارجة للتوّ من مرحلة الحرب على الجماعات الإرهابية، إلى جانب أنها تركز على العناية بدور رعاية الأيتام التي أنشأها النظام السابق، وتركز الآن بدرجة كبيرة على ملف المواطنين النازحين من مدن الغرب الليبي، ومنها ترهونة».
وعن الشريحة الأعلى في التبرع، قالت الشلماني إن الجميع يتبرع، لكن فئة الشباب هي الأكثر تبرعاً مقارنةً برجال الأعمال والأعيان، «هؤلاء أكثر عطفاً على الأيتام سواء الذين ترعاهم الأم بعد وفاة الأب، أو يكونون بحضانة الأقرباء من الدرجة الأولى»، لافتة إلى أن «التبرعات لا تقتصر على الأموال فقط، بل إنها تتضمن الدواء والملابس والمواد الغذائية».
في السياق ذاته، تحدثت هدى الككلي رئيسة «دار الوفاء لرعاية العجزة والمسنين» بطرابلس، عن الدور الذي تلعبه الدار في رعاية الأيتام خصوصاً بعد توقف الحرب التي دامت قرابة 13 شهراً على العاصمة، وقالت: «إن حكومة الوفاق تتكفل بكل نفقات الدار، لكننا اليوم في أزمة حقيقية جراء تراجع تبرعات أهل الخير التي كنا تستفيد منها، خصوصاً مع تأخر ميزانية الدولة لما يزيد على ثلاثة أشهر أحياناً».
ورغم تخوفها من تأثير اندلاع أي حرب على دعم أهل الخير، قالت: «الليبيون رغم استمرار مواجهتهم للعديد من الأزمات خلال السنوات الماضية ظلوا يتبرعون لأعمال الخير»، لافتة إلى أن نزلاء الدار الذين يُقدَّرون بـ70 نزيلاً من الرجال والنساء يتقاضون معاشات، لكنهم يقيمون في الدار لعدم وجود من يرعاهم في الخارج. وتحدث مقرر لجنة الأوقاف في مجلس النواب الليبي، محمد الفرجاني، عن انخفاض ما يدفعه البعض من رجال الأعمال وكبار التجار والمصنعين من صدقات وزكاة لصناديق البلديات الليبية، قائلاً إن «كل بلدية توزع في دائرتها على عدد من الأسر الفقيرة والأرامل والمطلقات معونات مالية مما كان يتم التبرع به لصناديق البلديات».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أصلاً كانت المبالغ ضعيفة، ولكن كنا نقول إنها تمثل مساندة صغيرة إلى جانب المعاش أو ما يتحصل عليه الفقراء من جهات خيرية أخرى، ولكن الآن انخفضت هذه المساندة، والسبب في ذلك لا يعود للحرب بالدرجة الأولى بقدر ما يعود للقرارات التي اتخذتها الدول من إغلاق الموانئ أمام البضائع التي يتم استيرادها بسبب جائحة (كورونا)، مما تسبب في تراجع أرباح المستوردين».
ورأى رئيس مجلس إدارة مؤسسة «مبادر الريادية» الطاهر النغنوغي، الذي تنشط مؤسسته في خدمات الرعاية الطبية في الجنوب، أن «الخير موجود ولكن الفساد يستنزفه»، وقال: «هناك إقبال واضح من الشباب على التطوع بالعمل الخيري والمشاركة في حملات التبرع بالدماء، لكن الفساد لا يَحول دون أن تصل هذه التبرعات إلى مستحقها، وبطبيعة الحال تكاثر عدد المحتاجين جراء الحرب وتحديداً النازحين». وأشار النغنوغي إلى أن «الجنوب رغم ثرائه الطبيعي، فإن كثيراً من مؤسساته أصبحت في الفترة الأخيرة تعيش على تبرعات المنظمات الدولية وأهل الخير، في ظل غياب الدولة وعدم قدرتها على مواجهة الفساد المستشري في أجهزتها ومؤسساتها».