وداعاً إيكر كاسياس... بإنقاذاته ودموعه وصراعاته

في دور الستة عشر لنهائيات كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية، واجه المنتخب الآيرلندي نظيره الإسباني، وانتهى الوقت الأصلي للمباراة بالتعادل بهدف لكل فريق. لكن المنتخب الإسباني لعب الوقت الإضافي بعشرة لاعبين فقط بعد إصابة أحد لاعبيه وخروجه من الملعب بينما كان منتخب إسبانيا قد أجرى تغييراته الثلاثة. وخلال الشوطين الإضافيين، ضغط المنتخب الآيرلندي بكل قوة، وتلاعب روبي كين وداميان دوف ونيال كوين بالدفاع الإسباني وكان قريبا من إحراز هدف الفوز، لكن حارس مرمى إسبانيا العملاق إيكار كاسياس تصدى لهم بالمرصاد وذاد عن مرماه بكل شجاعة وبسالة.
وأبقى كاسياس على حظوظ منتخب بلاده في المباراة، بعدما تصدى للعديد من الكرات الخطيرة ومنع الكثير من الأهداف المحققة، بما في ذلك ركلة جزاء وفرصة محققة لنجم المنتخب الآيرلندي روبي كين. وبعد انتهاء الوقت الأصلي للمباراة بالتعادل، تألق كاسياس بشكل لافت في ركلات الجزاء، وتصدى لركلتي جزاء من كيفين كيلبان وديفيد كونولي. ورغم أن كاسياس كان في الحادية والعشرين فقط من عمره آنذاك، لكنه كان النجم الأبرز في المباراة وقاد منتخب بلاده للتأهل لدور الثمانية وحصل على لقب رجل المباراة. وكتبت صحيفة «آس» الإسبانية في وصفها لكاسياس بعد المباراة تقول: «إنه ليس كباقي البشر. إنه محصن ضد الألم والأخطاء والحظ السيئ».
لقد تغيرت حياة كاسياس بالكامل عندما كان يبلغ من العمر 16 عاما وتم استدعاؤه من دراسته لكي يجلس على مقاعد البدلاء لنادي ريال مدريد، وتطور أداؤه بشكل لافت عندما شارك كبديل للحارس المصاب سيزار سانشيز خلال مباراة ريال مدريد أمام باير ليفركوزن الألماني في دوري أبطال أوروبا، وبدأ مسيرته الدولية بقوة عندما شارك أساسيا مع المنتخب الإسباني في نهائيات كأس العالم عام 2002 عندما أصيب الحارس الأول سانتياغو كانيزاريس بعدما سقطت زجاجة عطر على قدمه وأصابته بجرح خطير في وتر قدمه!
وقال كاسياس في مقابلة مع صحيفة «الغارديان» في عام 2004. عن ذلك: «إنه الحظ! لكن لو حالفك الحظ وشاركت في المباريات ثم تسببت في استقبال فريقك لثلاثة أهداف، فماذا سيحدث؟ يتعين عليك أن تستغل الفرص وتكون على قدر المسؤولية». وبعد مسيرة كروية حافلة امتدت لأكثر من 1000 مباراة مع كل من ريال مدريد وبورتو ومنتخب إسبانيا، أعلن «القديس كاسياس» اعتزاله كرة القدم، لكنه حصد الكثير والكثير من البطولات والألقاب، بما في ذلك لقب لكأس العالم، ولقبان لكأس الأمم الأوروبية، وثلاثة ألقاب لدوري أبطال أوروبا، وخمسة ألقاب للدوري الإسباني، ولقبان لكأس ملك إسبانيا، ولقبان لكأس السوبر الأوروبية، ولقب لكأس العالم للأندية، ولقب للدوري البرتغالي.
ومع ذلك، لم يكن طريق كاسياس مفروشا بالورود دائما، لكن كان به بعض المطبات والتحديات، وكما هو الحال مع العديد من «القديسين»، أصبح كاسياس ضحية للاضطهاد. ورغم أنه يتسم بتواضعه الشديد وبعقليته التي دائما ما ترفع شعار «لا تنسَ أبداً من أين أتيت»، فإنه قد واجه بعض المشاكل وتم اختبار صبره إلى أقصى حد ممكن في غرفة خلع ملابس ريال مدريد عندما كان المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو على رأس القيادة الفنية للنادي الملكي. ودخل كاسياس ومورينيو في اشتباكات متكررة ووصلت الأمور إلى ذروتها عندما تم استبعاد كاسياس من الفريق الأول وسط شائعات عن تورطه في تسريب ما يحدث داخل غرفة خلع الملابس، وهو ما أنكره كاسياس بشدة.
وقال زميله في ريال مدريد، بيبي، بعد خروج مورينيو لوسائل الإعلام وتقييمه لأداء كاسياس بشكل لاذع للغاية: «يجب أن يكون هناك المزيد من الاحترام لإيكر، فهو شخصية محبوبة جدا. ما قاله المدير الفني لم يكن مناسبا. إيكر لاعب في نادي ريال مدريد، وقدم الكثير لناديه ولمنتخب إسبانيا». ونتيجة لهذه التصريحات، استبعد مورينيو بيبي من تشكيلة الفريق في المباريات التالية. ورغم كل ذلك، قال مورينيو عندما علم باعتزال كاسياس: «ذكاؤه ونضجه جعلانا نحترم بعضنا البعض دائماً، وبعد ذلك بسنوات استطعنا تنمية صداقتنا بشكل قوي».
وقبل خمس سنوات من الآن، كان كاسياس يجلس بمفرده وتبدو عليه علامات الحزن في غرفة الإعلام بملعب «سانتياغو برنابيو»، ليعلن وهو يبكي عن رحيله عن الفريق الملكي إلى بورتو بعدما قضى 25 عاما يلعب له. وفي مؤتمر صحافي مؤلم للغاية دعاه النادي الإسباني للعدول عن قراره في اليوم التالي في محاولة غير مجدية للحد من الأضرار، لكنه وجه الشكر للجمهور على «الدعم غير المشروط» الذي كان يقدمه له وأصر على قرار رحيله. لكنه لم يقدم الشكر لرئيس النادي، فلورنتينو بيريز، الذي كانت علاقته به قد أصبحت سيئة للغاية. وقالت والدته ماري كارمن: «لقد عانى كاسياس من ضغط نفسي كبير وعاملوه بشكل مختلف عن غيره من اللاعبين. لقد شاهدته وهو يعاني لسنوات عديدة. إنه فلورنتينو الذي يدفعه للخروج من النادي لأنه يريد إنهاء مسيرته في ريال مدريد». لكن بيريز أنكر كل ذلك.
ولم يلعب كاسياس أي مباراة منذ تعرضه لأزمة قلبية في عام 2019. وأعلن في فبراير (شباط) الماضي عن نيته الترشح لرئاسة الاتحاد الإسباني لكرة القدم قبل أن يسحب ترشيحه بسبب تفشي فيروس كورونا. ويبدو أن كاسياس عازم على الاتجاه للمجال الإداري بعد اعتزال كرة القدم. وفي تطور كوميدي ومحزن، يقال إن كاسياس في محادثات متقدمة بشأن العودة إلى مدريد للعمل كمستشار خاص لرئيس النادي الذي يعتبر مسؤولاً مسؤولية كبيرة عن خروجه المخزي من النادي!
وكتب كاسياس في البيان الذي أعلن فيه اعتزاله: «الشيء المهم هو المسار الذي تسير فيه والأشخاص الذين يرافقونك، وليس الوجهة التي تصل إليها». وبالنسبة للقديس كاسياس، الذي يعد رمزا محبوبا للغاية ونال نصيبه العادل من الحظ الجيد والسيئ على حد سواء، يشك المرء في أنه سيكون هناك الكثير من التقلبات والمطبات في طريقه خلال الفترة المقبلة.