بغداد لخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية سبتمبر

بيان مشترك لوزراء الطاقة الخليجيين: الإلتزام باتفاق «أوبك بلس» ومبدأ التقليص سيسرعان انتعاش أسواق النفط

بغداد لخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية سبتمبر
TT

بغداد لخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية سبتمبر

بغداد لخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية سبتمبر

أكد وزراء الطاقة في دول الخليج أمس أن الالتزام باتفاق «أوبك بلس» سيسرع انتعاش الأسواق العالمية للطاقة، في وقت أعلن العراق أمس (الجمعة) بدء امتثاله لخفض حصته الإنتاجية كاملة وفق اتفاق «أوبك بلس»، بجانب الشروع في تقليص إضافي بواقع 400 ألف برميل يومياً في كل من أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، تعويضاً عن ارتفاع مستوى إنتاجه بالأشهر الثلاثة الماضية.
وجرى اتصال هاتفي أمس، بين وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، ونظيره وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إسماعيل، للحديث حول آخر تطورات الأسواق النفطية، والتعافي المستمر في الطلب العالمي على النفط، والتقدّم الذي تحقق باتجاه تطبيق اتفاق «أوبك بلس».
وأكّد الوزيران التزام بلديهما التام باتفاقية «أوبك بلس»، مع تأكيد الوزير إحسان إسماعيل التزام العراق الثابت باتفاق «أوبك بلس»، مضيفاً أن العراق سيصل إلى التزام بالاتفاق بنسبته الكاملة 100 في المائة، مع بداية شهر أغسطس. وأكّد أن العراق سيُضيف تخفيضاً من إنتاجه بمقدار 400 ألف برميل يومياً خلال أغسطس الجاري وسبتمبر المقبل، للتعويض عن الإنتاج الزائد في شهور مايو (أيار) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز).
وأوضح أن التقليص يضاف إلى الخفض الجاري البالغ 850 ألف برميل يومياً الذي التزم العراق به، في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، بموجب اتفاقية «أوبك بلس» الحالية.
وسيصل إجمالي الخفض في إنتاج العراق في شهري أغسطس وسبتمبر إلى 1.25 مليون برميل يومياً لكل شهر.
وشدد الوزيران على أن ما تبذله الدول المُشاركة في اتفاق «أوبك بلس» من جهود باتجاه الالتزام بنسب خفض الإنتاج، وكذلك نسب الخفض الإضافية في إطار نظام التعويض، سيعزز استقرار أسواق النفط العالمية، ويعجّل بتحقيق توازنها، ويرسل إشارات إيجابية إلى الأسواق.
وفي ختام الاتصال الهاتفي، شكر الأمير عبد العزيز بن سلمان، نظيره إحسان إسماعيل لسعيه لتعزيز التزام العراق باتفاق «أوبك بلس».
وكانت منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها في منظومة «أوبك بلس» شرعوا في خفض تاريخي غير مسبوق للمعروض في مايو (أيار) الماضي، لتعزيز أسعار النفط التي عصفت بها أزمة فيروس كورونا، حيث اتفقت «أوبك» وروسيا ومنتجون آخرون على تخفيضات تبلغ 9.7 مليون برميل يومياً، بما يعادل 10 في المائة من الإنتاج العالمي، من أول مايو الماضي.
ونفذت دول «أوبك بلس» في يوليو الماضي 5.74 مليون برميل يومياً من الخفض المتعهد به، تمثل نسبة امتثال 94 في المائة، وفقاً لمسح أجرته «رويترز».
وزاد إنتاج «أوبك» النفطي أكثر من مليون برميل يومياً في يوليو الماضي مع إنهاء السعودية وأعضاء خليجيين آخرين تخفيضات طوعية إضافية فوق المنصوص عليها في الاتفاق بقيادة «أوبك»، في حين أحرز أعضاء آخرون تقدماً محدوداً على صعيد الالتزام.
وفي منتصف يوليو الماضي، أكدت السعودية والعراق ونيجيريا عبر اتصالات هاتفية جرت بين وزراء الطاقة والنفط التزام بلدانهم التام باتفاق «أوبك بلس»، مؤكدين جهود خفض الإنتاج المقررة لتعزيز استقرار أسواق النفط العالمية والتعجيل بتحقيق توازنها.
تأتي هذه التطورات وسط ملامح جديدة، بحسب ما أفصح عنه وزير الطاقة السعودي الشهر الماضي، لأفق تعاون مشترك بين منظومة دول «أوبك بلس» لتمديد الاتفاق الحالي حتى أبريل (نيسان) من عام 2022، مؤكداً في الوقت ذاته أن أسواق النفط لم تخرج بعد من تداعيات أزمة وباء كورونا المستجد.
وقال في تصريحات فضائية حينها: «في الاتفاق نص صريح على أنه سيكون هناك اجتماع في ديسمبر (كانون الأول) المقبل للنظر في تمديد الاتفاق حتى 2022».
يتزامن التنسيق السعودي العراقي مع تنسيقات خليجية جرت، أمس، حيث أجرى الأمير عبد العزيز بن سلمان، اتصالاً هاتفياً مشتركاً مع وزراء النفط في دول الخليج لبحث تطورات الطلب في الأسواق، حيث أكدوا أن الالتزام باتفاق «أوبك بلس» سيسرع انتعاش الأسواق العالمية للطاقة. شارك في الاتصال سهيل المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، والدكتور خالد الفاضل وزير النفط في دولة الكويت، والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وزير النفط في مملكة البحرين، والدكتور محمد الرمحي وزير النفط والغاز في سلطنة عمان، بجانب وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إسماعيل.
واستعرض الوزراء، خلاله الاتصال، أهم التطورات الأخيرة في أسواق النفط، واستمرار الانتعاش في الاقتصاد العالمي، وفي الطلب على النفط، كما بحثوا التقدم الذي تم إحرازه باتجاه إعادة التوازن إلى السوق النفطية.
وخرج الاتصال ببيان مشترك أشار الوزراء فيه إلى أن علامات التحسن التي ظهرت مؤخراً على الاقتصاد العالمي مُشجّعة جداً، مثنين على الجهود التي تبذلها الدول، في جميع أنحاء العالم، لإعادة فتح اقتصاداتها بطريقة آمنة.
وأكد الوزراء، مجدداً، التزامهم التام باتفاق «أوبك بلس»، وأهمية تحقيق جميع الدول المشاركة مستويات الإنتاج المُستهدفة لها، من أجل تسريع إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية، وأن تقوم الدول التي زاد إنتاجها على النسب المُقررة لها، في شهور مايو (أيار) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، بالتعويض عن تلك الكميات. وأعرب الوزراء عن شكرهم للوزير إحسان إسماعيل، لجهوده وتعاونه الكبيرين لتحقيق التوازن في أسواق الطاقة، مؤكدين أهمية دور العراق في نجاح اتفاقية «أوبك بلس».
وأكّد الوزراء، مُجدداً، أن الالتزام الكامل باتفاق «أوبك بلس»، وبنظام التعويض، سيسرع انتعاش سوق البترول العالمية، لما فيه صالح منتجي البترول ومستهلكيه، وصناعة الطاقة، والاقتصاد العالمي ككل.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.