موعد الكاظمي للانتخابات العراقية المبكرة يحرج الكتل السياسية أمام الشارع

وسط ترحيب رئيس الجمهورية... وهموم أمنية وصحية

موعد الكاظمي للانتخابات العراقية المبكرة يحرج الكتل السياسية أمام الشارع
TT

موعد الكاظمي للانتخابات العراقية المبكرة يحرج الكتل السياسية أمام الشارع

موعد الكاظمي للانتخابات العراقية المبكرة يحرج الكتل السياسية أمام الشارع

اختار رئيس الوزراء العراقي أكثر الأوقات حرجاً للكتل والأحزاب والقوى السياسية العراقية لطرح موعده «القاتل» لإجراء الانتخابات المبكرة... إذ وضع الكاظمي للانتخابات توقيتاً ذكياً، هو السادس من شهر يونيو (حزيران) عام 2021. والمعروف أن رئيس الحكومة الحالي كان قد جاء إلى منصبه بعد سلسلة اعتراضات عليه وعلى مَن سبقه من المكلفين (محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي)، بينما كان رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي يواصل مهامه رئيساً لـ«حكومة تصريف أعمال يومية»، في فترة صعبة من تاريخ العراق، تقتضي قرارات دولة حقيقية.
خلال الفترة التي أعلن فيها عبد المهدي استقالته، ومن ثم بدأت إجراءات تكليف البدلاء، وما تخللها من مشاكل وإشكالات سياسية وشخصية، واجه العراقَ تحوّلان غير مسبوقين هما: جائحة «كوفيد - 19»، وانخفاض أسعار النفط إلى حدود بدت محرجة للخزينة العراقية الخاوية أصلاً منذ سنوات.
حين وصل مصطفى الكاظمي إلى السلطة في السادس من مايو (أيار) 2020، كان كل شيء متهاوياً ويقترب من الخراب.
الكتل والقوى والشخصيات التي حضرت مراسم تكليفه في القصر الرئاسي أمام رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، وحضور رئيسي المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن كبار زعامات الخط الأول - مثل عمّار الحكيم وهادي العامري وحيدر العبادي وسواهم - وصفّقت له، حاولت أن تكون أكثر «شطارة» منه، حين طالبته بتحديد موعد للانتخابات المبكرة.
هذه الكتل، من خلال خبرتها التي ظنت أنها وصلت إلى حد «الاحتراف في فهم الوضع العراقي»، كانت تتصوّر أن هذا الأمر لا يمكن حصوله، وليس باستطاعة أي رئيس وزراء التعامل معه. لذا فإنها في «طلبها» الذي تحوّل إلى «شرط» أرادت عبره استيعاب الشارع الغاضب والمنتفض، ومحاولة إرضاء المرجعية الدينية، وبالذات مرجعية آية الله علي السيستاني، الذي أغلق أبوابه أمام الجميع منذ عام 2015، في حين واصل ممثلوه، عبر خطب الجمعة، توجيه الانتقادات الحادة لكل أفراد الطبقة السياسية من دون استثناء. بيد أن المرجعية الدينية، وفي أكثر من خطبة خلال الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، طالبت بإجراء انتخابات مبكرة.

لعبة مصطلحات
إذا كانت عبارة «الانتخابات المبكرة» مطلباً للجماهير والمرجعية وآخر ما تفكر به الكتل السياسية، فإن مفردة «الأبكر» نحتها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.
الحلبوسي، الرئيس السنّي الشاب لمجلس النواب (البرلمان) العراقي كان أعلن قبل نحو شهر، رداً على سؤال حول ما إذا كان جاهزاً لخوض الانتخابات: «أنا جاهز الآن أكثر من أي وقت مضى». يومذاك لم يكن محمد الحلبوسي يعلم أن الكاظمي يمكن أن يعلن بعد نحو شهر موعداً فاجأ به الجميع.
وبالتالي، إذا كان ما صدر عن الحلبوسي قبل شهر تعبيراً عن ثقة بالنفس، فإن آخرين من الكتل والقوى والأحزاب السياسية المتنافسة بقوة فيما بينها وفي مناطقها (لا سيما الأحزاب الشيعية التي يستهدفها الحراك الشعبي في المقام الأول) وجدت نفسها أمام مفاجأة من الوزن الثقيل بإعلان الكاظمي موعداً بدا مبكراً لإجراء الانتخابات.
عند هذه النقطة بدت «لعبة المصطلحات» بين «المُبكرة» التي هي إحدى المطالب المؤجلة لمظاهرات أكتوبر 2019 و«الأبكر» التي تقترحها رئيس مجلس النواب وأيده فيها كل من زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري وزعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، اللذين اقترحا شهر أبريل (نيسان) من العام ذاته موعداً لها.
الكاظمي نجح في رمي الكرة في ملعب البرلمان كونه الجهة الوحيدة التي يتعيّن عليها توفير كل ما يلزم لإجرائها، وفي المقدمة ما ينبغي حسمه هو قانون الانتخابات الجديد، الذي أقره البرلمان عام 2019 تحت وقع الضغوط التي فرضتها الاحتجاجات الجماهيرية. ثم إنه بعد إكمال كل المستلزمات المتعلقة بذلك، ومنها القانون وحسم الدوائر المتعلقة به، فضلاً عن توفير الدعم اللوجيستي للمفوضية العليا المستقلة لإجراء الانتخابات، سيتوجب على البرلمان حلّ نفسه قبل شهرين من موعد إجراء هذه الانتخابات.

لا تواريخ «مقدّسة»
لا توجد في العراق تواريخ «مقدّسة» في الاستحقاقات السياسية... لا للانتخابات ولا لسواها. ولكن، ما إن أعلن مصطفى الكاظمي السادس من يونيو المقبل موعداً للانتخابات حتى ظهرت المشاكل والإشكاليات، التي تتعلق بكيفية إجراء العملية الانتخابية في أجواء غير آمنة، بدءاً من السلاح المنفلت، ووصولاً إلى جائحة «كوفيد - 19»، مروراً بالأزمة المالية والأزمات الأخرى كقضية النازحين والمهجرين... وقبلها كلها إشكاليات قانون الانتخابات. مع هذا، فإنه طبقاً لما يراه الخبير القانوني أحمد العبادي، فإن «موعد الكاظمي إذا كان مقدّساً فإن هناك شروطاً لذلك. لأنه لا يمكن أن يُحل البرلمان اليوم ونبقى على مدى 8 أشهر مع (حكومة تسيير أعمال). وبالتالي، لا بد من أن يكون هناك اتفاق بين الكتل السياسية على موعد محدد للانتخابات أو اعتبار السادس من يونيو المقبل موعداً نهائياً للانتخابات. وبناءً عليه، لا بد من حسم موضوع قانون الانتخابات، وكذلك يجب حسم مسألة قانون المحكمة الاتحادية».
لكي يصار إلى حسم مسألة التواريخ، وما إذا كانت نهائية وقاطعة أم لا، دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى عقد جلسة طارئة ومفتوحة وعلنية للمضي بإجراءات الانتخابات المبكرة. وجاء في بيان الحلبوسي أن «الحكومات المتعاقبة لم تنفذ برنامجها الحكومي ومنهاجها الوزاري، ولم يتعدّ السطور التي كتبت به، ما أدى إلى استمرار الاحتجاجات الشعبية بسبب قلة الخدمات وانعدام مقومات الحياة الكريمة».
وأكد البيان «أنه من أجل العراق ووفاء لتضحيات أبنائه، ندعو إلى انتخابات أبكر وعقد جلسة طارئة مفتوحة علنية بحضور الرئاسات والقوى السياسية للمضي بالإجراءات الدستورية وفقاً للمادة 64 من الدستور، فهي المسار الدستوري الوحيد لإجراء الانتخابات المبكرة، وعلى الجميع أن يعي صلاحياته ويتحمل مسؤولياته أمام الشعب».
يحيى غازي، عضو البرلمان العراقي عن «تحالف القوى العراقية» الذي يتزعمه الحلبوسي، أبلغ «الشرق الأوسط» أن «موقفنا في تحالف القوى العراقية مع الانتخابات الأبكر طبقاً لما دعا إليه زعيم التحالف ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي»، وأردف: «بين هذا وذاك فإن هناك مستلزمات لا بد أن تُستكمل قبل الذهاب إلى الانتخابات، وهي من الناحية القانونية استكمال القانون الانتخابي، وتهيئة الأجواء المناسبة لإجرائها، فضلاً عن المادة 64 من الدستور التي تنص على حل البرلمان كشرط أساسي لإجراء الانتخابات، على أن يكون ذلك قبل شهرين من موعد التصويت، وهو ما يتطلب اتفاقاً بين الكتل السياسية».
وبيّن غازي أنه «بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مؤشرات تتعلق بالوضع الأمني والوضع الصحي في البلد، حيث لا بد أن تؤخذ مثل هذه الأمور بنظر الاعتبار، فضلاً عن الاستقرار في محافظات الوسط والجنوب، خصوصاً على صعيد المظاهرات والاعتصامات التي تخرج أحياناً عن السيطرة... وهو ما لا يوفر بيئة مناسبة لذلك».
كذلك، أوضح غازي أن «هذه الظروف يجب أن تُدرس بشكل دقيق، وهو ما دعا رئيس البرلمان إلى عقد جلسة طارئة للرئاسات والقوى السياسية من أجل الخروج بصيغة مناسبة من أجل إجراء انتخابات نزيهة».

صالح على الخط
من جهة ثانية، أكد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ترحيبه بإعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحديد موعد للانتخابات المبكرة في يونيو المقبل، وقال في بيان إن «الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة تُعدّ من متطلبات الإصلاح السياسي المنشود، وهو استحقاق وطني أفرزه الحراك الشعبي». وتابع صالح أن «ذلك تم التداول به في الاجتماع الأخير للرئاسات الثلاث الذي جمعنا مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، والتأكيد على ضرورة الالتزام بإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة». كذلك شدّد رئيس الجمهورية على «أهمية العمل الجاد من أجل تحقيق هذا الالتزام الحكومي بأسرع وقت ممكن، لأن أزمة العراق السياسية لا تحتمل التسويف. وظروف المعاناة التي يمرّ بها شعبنا تتطلب قراراً وطنياً شجاعاً نابعاً من استحقاق الشعب وحقه في اختيار حكومة وطنية مستقلة ومتماسكة عبر انتخابات حرة ونزيهة».
وبيّن الرئيس صالح في بيانه أن «الحلول الناجعة تنبع من المواطن وقراره المستقل بعيداً عن التلاعب والتزوير والتأثير على خياره الانتخابي، كي يمكّن البلد من الانطلاق نحو الإصلاح البنيوي المنشود». ودعا «مجلس النواب إلى إكمال قانون الانتخابات بأسرع وقت ممكن، وإرساله إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه والشروع بتنفيذه، ومن ثم، الإسراع في إقرار تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا». واستطرد: «نؤكد على توفير الموازنة والتسهيلات المطلوبة لعمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بما يضمن استقلاليتها ويحفظ نزاهة العملية الانتخابية»، لافتاً إلى أن «الحكومة قد بادرت بالمشاورات المطلوبة مع المفوضية، وقد أعلنت أنه في حال الشروع في توفير المستلزمات المطلوبة تستطيع المفوضية حينها إجراء الانتخابات في المدة التي اقترحها رئيس مجلس الوزراء».
بعدها، أكد صالح أنه «في حال تقديم الحكومة مقترحاً لحلّ البرلمان، ننوي الموافقة على رفعه إلى مجلس النواب، لغرض عرضه للتصويت. ومع صدور قرار البرلمان، فإننا سنقرر رسمياً موعداً لا يتجاوز شهرين من حلّ البرلمان، وحسب ما نصّ عليه الدستور». وأوضح أن «إجراء انتخاباتٍ مبكرة حرة ونزيهة يستوجب تعاوناً أممياً مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فضلاً عن إشراف المراقبين الدوليين لتمكينها من أداء دورها الوطني وحمايتها من التدخلات وتكريس ثقة المواطن بالعملية الانتخابية... إن الاستحقاق الوطني يتطلب تنظيم انتخابات نزيهة أبكر ما يمكن، وذلك لإخراج بلدنا من أزمته السياسية الخطيرة، وتمكين المواطن من تحديد مصير بلده بحرية واستقلال بعيداً عن الابتزاز والتزوير».

تفشي الفساد
رئيس الجمهورية العراقي رأى في بيانه أيضاً أن «جوهر الأزمة التي يعانيها العراق نابعة من تفشي الفساد وتأثيره المباشر في عرقلة الإصلاح المنشود، التي طالت العملية الانتخابية أيضاً في مؤشرات التزوير والتلاعب بالنتائج»، وقال إن هذه العرقلة أدت إلى «غياب ثقة المواطن والعزوف عن الانتخابات».
ومن جانبه، رأى الرئيس الأسبق للدائرة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مقداد الشريفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يوجد تنافس قوي بين رئاسة الوزراء والبرلمان بشأن الانتخابات»، إذ إن الكاظمي مُحرَج من القوى السياسية التي تطالبه بإجرائها، بينما الكتل التي تمثلها في البرلمان لا تمرر القانون داخله، «وهذا هو الإشكال الذي يعاني منه رئيس الوزراء».
وأضاف الشريفي أن «إجراء الانتخابات خلال يونيو 2021 أمر صعب جداً، على مستوى الناخبين الذين يرومون التصويت، وذلك بسبب حرارة الجو وعدم وجود إمكانية لتحسن الكهرباء خلال تلك الفترة، وبالتالي يبدو لي أن تحديد هذا الموعد جاء من أجل الضغط لتمرير القانون، وليس لغرض إجرائها في مثل هذا الوقت كتاريخ فعلي لإجرائها».
وبشأن مفوضية الانتخابات التي يقع عليها عبء تنظيم عملية التصويت، قال الشريفي إن «وضع المفوضية ما زال صعباً، لأنه لم تُستكمل بعد المستلزمات المطلوبة لإجراء انتخابات. وبالتالي سيكون صعباً عليها تنظيمها في مثل هذا التاريخ».
هذا، ومع أن العديد من القوى السياسية أعلنت تأييدها لإجراء الانتخابات، فإن تحالف «عراقيون» بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف «النصر» بزعامة حيدر العبادي هما الأكثر تأييداً لدعوة الكاظمي. وحول ما إذا كانت الخارطة السياسية ستتغير بعد الانتخابات المقبلة، صرّح الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي في العراق»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن «الحركة الاحتجاجية أسقطت معادلة الأحزاب الإسلامية كحكومة تنفيذية في أكتوبر الماضي، وما تبعتها من مؤشرات استياء كبيرة حيال أداء ونفوذ هذه الأحزاب الإسلامية، مع أن هذه الأحزاب لاتزال قابضة على مفاصل الدولة». وبيّن الشمري أنه «سواء كانت الانتخابات مبكرة أو أبكر... أو حتى لو كانت ضمن مددها الدستورية، فإن ذلك يُبقِي عملية توظيف الدولة من قبل هذه الأحزاب أمراً وارداً، وقد يتحكم بشكل كبير بالمشهد السياسي العراقي». وتابع أن «هذه الأحزاب ستعمل على إيجاد قانون انتخابي يؤمن نسبة حضورها في المشهد السياسي المقبل، كما أنها ستعتمد على مسار (أحزاب الظل)... أي أنها تظهر بكيانات رديفة تمثل لها مساحة أو الالتفاف للحصول على أصوات الناخبين». وأوضح الشمري أنه «مع ذلك، تزايد الوعي الجماهيري سيكون له مساحة كبيرة، لا سيما في حال تبلور مشروع بديل سواء عبر الحركة الاحتجاجية أو ما يمكن أن يفرزه هذا الوعي، ولكن دون أن نتفاءل كثيراً بإمكانية إحداث تغيير جذري كامل». ثم أكد أن «الفرز سيكون واضحاً من حيث المشاريع، لكنها لن تكون متقاربة، وإن كانت ستشكل حضوراً لافتاً في الانتخابات المقبلة».
أخيراً، مع كل ما يمكن قوله بشأن المواعيد المقترحة للانتخابات، سواء تلك التي حددها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أو بعض الكتل السياسية التي حددت موعداً أبكر، فإن الانتخابات المقبلة مفصلية في الحياة السياسية في العراق. وتالياً، ستمثل إحراجاً للجميع ممن يسعون إلى المحافظة على أوزانهم أو أولئك الذين لم يستعدوا بما فيه الكفاية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».