شبان فرنسيون يحتفلون في الهواء الطلق نكاية بـ«كورونا»

يكتشف الجيل الجديد من الفرنسيين تقليداً قديماً كان أجدادهم يمارسونه في ستينات القرن الماضي، وهو تنظيم حفلات راقصة في الفضاءات القريبة من التجمعات السكنية. فبسبب جائحة «كورونا»، وإغلاق المراقص والملاهي، عادت «السهرات الحرّة» إلى احتلال مكانها في البرنامج الصيفي للمراهقين. وعادة ما يتم الاتفاق على مكان السهرة من خلال مواقع التواصل، رغم أن هذه التجمعات وما يصحبها من موسيقى صاخبة تجري بشكل غير مرخص به رسمياً. فالدولة الفرنسية ما زالت تمنع احتشاد عدد كبير من المواطنين في دائرة واحدة، ودون احترام شرط التباعد. وكانت فعالية «بلاج باريس» التي تجري بمباركة بلدية العاصمة قد وفرت فرصة التمتع بفعاليات الهواء الطلق لمليونين ونصف المليون ساكن في باريس وضواحيها. وهي مبادرة سنوية لتحويل ضفة نهر «السين» إلى فضاء يشبه شاطئ البحر، بكل ما يتوفر في الشواطئ من تسالٍ ومقاعد للاسترخاء تحت الشمسيات الملونة، مع رشاشات تبخّ الماء على المتنزهين. لكن هذه الفعالية تبقى «رسمية» ومحدودة، لا تشبع نهم الشباب للتمتع بأنماط الموسيقى الحديثة والرقص حتى طلوع الفجر.
من الأماكن المفضلة للحفلات الحرة ضاحية «سان دوني»، شمال العاصمة. وعادة ما تسبب هذه الضاحية القلق لفرق الشرطة بسبب ازدحامها بالمهاجرين والعاطلين عن العمل، وانتشار مروجي المخدرات بين الشباب. ثم جاءت «كورونا»، وفرضت واقعاً جديداً لا يمكن مقاومته. لهذا فإن الشرطة تفضل تأطير هذه السهرات ومراقبتها عن كثب، ما دامت لا تستطيع منعها ولا فرض حظر التجول على الأهالي وحصرهم داخل شققهم في عز إجازة الصيف.
فئات أخرى من الباريسيين وجدت ملاذاً لها في غابة «فنسين»، جنوب العاصمة. وهي نقطة جذب مفضلة لوجود محطة مترو عند مدخلها. لكن الحفلات لا تجري قريباً من المداخل، بل يتعين على الشباب تتبع مصدر الموسيقى والسير لنصف ساعة قبل بلوغ الفضاء الذي وقع عليه الاختيار للرقص. وتبقى هذه الحفلات ممنوعة رسمياً، حيث يقصدها العازفون وهم يخفون آلاتهم الموسيقية داخل حقائب الثياب. لكن هناك فرقاً من الشباب تتولى المراقبة وتفتيش الداخلين منعاً لما يمكن أن يحدث من اشتباكات بسبب الإفراط في تناول المشروبات. ورغم التجاوزات المتوقعة في هذا النوع من التجمعات؛ فإنها تُعتبر «ضرورة حياتية» لفئات واسعة من المراهقين الذين حرمهم الداء من قضاء إجازة حقيقية. وكانت فترة الأشهر الثلاثة التي أمضوها داخل الشقق والمنازل الضيقة قد أججت الحنين إلى المقهى والمطعم و«الديسكو». وهو «احتجاز» عام وشامل لم يعرفوا مثله من قبل. لهذا انتظر الفرنسيون انتهاء الحظر ولحظة الإفراج، وكأن أبواب السجن قد انفتحت وخرجوا من الزنازين إلى الحرية.
بلغ من نجاح «الحفلات الحرة» أن بعضها جمع نحواً من ألف شاب وشابة. بل إن آباء وأمهات أخرجوا سراويل «الجينز» من المخازن، وقادتهم خطواتهم إلى أحد تلك التجمعات، على أمل استعادة ذكريات الصبا والتمتع بساعات من السعادة المسروقة من أجواء الحزن والقلق التي فرضها الفيروس على عاصمة النور. لكن الباريسيين ليسوا وحدهم من يبحث عن الفرح، بل راحت حلبات الرقص في الهواء الطلق تنتشر في طول فرنسا وعرضها، لا سيما في أطراف المدن الكبيرة، مثل ليون ومرسيليا وتولوز. وصار لهذه الحفلات منظمون معتمدون مهمتهم اختيار المواقع ثم الاتفاق مع الفرق الموسيقية، قبل الإعلان عن الحفل في «فيسبوك».
الطريف أن هناك في بلدية باريس مساعداً للعمدة مسؤول عن «الحياة الليلية» يُدعى فريدريك هوكار. وهو يرى أن هذه الحفلات الحرة تشكل ظاهرة اجتماعية جديدة لا بد من استيعابها والتعامل معها بشكل سلس. ومن الأمور المقترحة أن تتولى البلدية توفير أماكن يسمح للمحتفلين بالتجمع فيها بحيث لا تقلق راحة أهالي المناطق السكنية القريبة. لكن المسؤول يتناسى أن الشباب يقبلون على هذه الحفلات العشوائية لأنها تجري خارج نطاق المؤسسة الرسمية ويسودها جو من المغامرة، حيث لا يُعلن عن مكانها إلا في آخر لحظة.