شباب بيروت يتطوعون لتنظيف الشوارع من آثار الانفجار(صور)

شبان وشابات يحملون المكانس في حي مار مخايل النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
شبان وشابات يحملون المكانس في حي مار مخايل النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
TT

شباب بيروت يتطوعون لتنظيف الشوارع من آثار الانفجار(صور)

شبان وشابات يحملون المكانس في حي مار مخايل النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
شبان وشابات يحملون المكانس في حي مار مخايل النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت (أ.ف.ب)

في حي من العاصمة اللبنانية اعتادوا السهر في المقاهي، استبدل الشبان والشابات بالأكواب المكانس وتطوعوا لتنظيف شارع تحول إلى ما يشبه ساحة حرب إثر الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، دون انتظار تحرك من الدولة المتهمة بالفساد والإهمال.
بسخرية شديدة، تتساءل ميليسا فضل الله (42 عاماً) «أين هي الدولة؟»، مضيفة: «لو كان لدينا دولة فعلاً لكانت أرسلت من ينظف ويعمل معنا لتنظيف الشارع. نحن من يساعد، نحن من يتبرع بالدم، ماذا يفعلون هم؟».

وميليسا واحدة من مئات آلاف اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في أكتوبر (تشرين الأول) ولأشهر طويلة مطالبين بإسقاط الطبقة الحكومة متهمين إياها بالفساد والإهمال وعدم إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة التي أدّت إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وجاء الانفجار الذي وقع الثلاثاء، متسبباً بمقتل 137 شخصاً وإصابة خمسة آلاف آخرين، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس الممتلئة أساساً.

في حي مار مخايل، النقطة الأقرب إلى مرفأ بيروت والتي لطالما كانت ملتقى للشباب، لم يبق شيء على حاله غداة الانفجار الضخم. أبنية تراثية عمرها مئات السنين تصدّعت، حانات ودور عرض تطايرت واجهاتها وتبعثرت مقتنياتها وسط الشارع.
وغداة التفجير، توافد شبان وشابات بشكل عفوي إلى المكان لمعاينة ما حل به من دمار، ومساعدة سكانه على تنظيفه.

وضعت ميليسا قفازين وكمامة على وجهها، وحملت لوحاً زجاجياً كبيراً سقط أمام مبنى شركة كهرباء لبنان. وقالت: «بالنسبة إليّ، هذه الدولة مجرد مزبلة»، في إشارة إلى الطبقة الحاكمة، مضيفة: «نحن من يحاول إصلاح البلد، نريد إصلاحه على طريقتنا، ومثلما نريد نحن وليس هم».

ويتفقد عناصر من الدفاع المدني المباني المتضررة بحثاً عن جرحى، فيما يتوزع الشبان والشابات المتطوعون في مجموعات صغيرة، فيزيلون قطع الزجاج ويضعونها في أكياس بلاستيكية ضخمة، وبعضهم يعرض بيته على سكان المنازل المتضررة.

ويقول حسام أبو النصر (30 عاماً): «نرسل أشخاصاً إلى بيوت العجزة والمعوقين لنساعدهم على إيجاد منازل ينامون فيها، نساعدهم أيضاً على تنظيف بيوتهم وترتيبها». ويضيف: «ليس هناك من دولة للاهتمام بهذه الإجراءات، تولينا الأمر بأنفسنا».
ومنذ صباح الأربعاء، تنتشر رسائل على مواقع التوصل الاجتماعي من سكان في مدن وبلدات عدّة يبدون فيها استعدادهم لإيواء عائلات تضررت بفعل الانفجار. وأعلن مجلس المطارنة الموارنة فتح الأبرشيات والمؤسسات والأديرة التابعة له لمساعدة المتضررين.

وفي بيروت نفسها، فتح سكان أبواب منازلهم لاستقبال أقاربهم أو أصدقائهم أو حتى غرباء عنهم ممن تضررت منازلهم وباتت غير قابلة للسكن.
وأعلن محافظ بيروت مروان عبود اليوم الخميس أن «ما بين 250 و300 ألف شخص من سكان بيروت باتوا مشردين بعدما أصبحت منازلهم غير صالحة للسكن».

في مار مخايل، وُضعت جانباً طاولات بلاستيكية عليها زجاجات مياه وأكياس من السندويشات والطعام.
وتقول ريتا فرزلي (26 عاماً): «نحاول أن نساعد بالمياه والطعام وحتى الشوكولاته، إنه مجرد دعم معنوي»، مضيفة: «على الجميع أن يساعد، لا يجدر بأحد البقاء في المنزل... حتى الابتسامة تساعد اليوم».

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات على الهواتف الجوالة رسائل من أصحاب شركات الزجاج والتصليحات تعرض خدماتها بأسعار زهيدة. كما عرضت مجموعة من الشباب خدمة مجانية لمساعدة السكان على إصلاح منازلهم.
ويقول عبدو عامر (37 عاماً)، صاحب شركة تركيب نوافذ، إنه قدم عرضاً مشابهاً إثر نجاته من الانفجار، إذ صدف أن عبر بجوار المرفأ قبل «ثلاث دقائق» من وقوعه.

ويعرض عامر استبدال النوافذ بنصف سعرها الأصلي، كما يعرض تقديم نوافذ مجاناً للعائلات الأكثر حاجة. ويقول: «تلقيت أكثر من سبعة آلاف اتصال»، متسائلاً: «هل علينا أن ننتظر الدولة؟ نريد منهم أن يتركوا السلطة».

ويشهد لبنان حالياً أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990)، هي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية وترهل المرافق العامة والبنى التحتية واستشراء الفساد.

وفي شارع الجميزة القريب، والذي لا يختلف وضعه عن مار مخايل، يقول محمد السيور (30 عاماً): «يجلسون في كراسيهم تحت التكييف فيما الناس تخترق في الشارع. آخر ما يهمهم هو البلد وناسه». ويضيف: «نطلب من الشعب اللبناني أن يبقى في الشارع لإسقاط هذه المنظومة الفاسدة. لم يعد باستطاعتنا التحمل».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.