رئيس غرفة تجارة عمّان: الدجاج الفاسد مصدره محلي

TT

رئيس غرفة تجارة عمّان: الدجاج الفاسد مصدره محلي

فجّر رئيس غرفة تجارة عمان ونقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، مفاجأة، أمس، بإعلانه أن كميات الدجاج الفاسد التي تسببت بمئات حالات التسمم في منطقة عين الباشا ومخيم البقعة من محافظة البلقاء، مصدرها محلي، وليست مستوردة.
وأكد الحاج توفيق، في تصريحات إلى «الشرق الأوسط» بأن كميات الدجاج التي ضبطت في مستودع في منطقة عين الباشا «مصدرها أحد المصانع المحلية الكبيرة الذي ينتج الدواجن، وليس من منشأ أوكراني كما يدعي البعض». وأكد الحاج توفيق المعروف بمعارضته لسياسات الحكومة، بأن صاحب مستودع الأطعمة الذي تم وقفه على ذمة القضية، وهو مورد رئيسي لعدد من المطاعم في منطقة البلقاء وصويلح، كان متعاقداً مع مصنع دواجن محلي، ولم يشتر أي كميات من مادة الدجاج المستورد.
وفيما أكد توفيق أن «القضاء هو الذي سيحدد سبب التسمم، وأين وقع الخلل، والإهمال، والظروف التي أدت التي فساد مادة الدجاج»، أكد أيضاً أن التحقيقات هي «التي ستحاسب كل شخص مقصر ومستهتر بصحة وحياة المواطنين».
وكان كتاب صادر عن الاتحاد النوعي لمزارعي الدواجن في الأردن، جرى تسريبه ليلة الأحد، واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، ورد فيه تحذير سابق للحكومة من أن هناك من سمح بدخول مادة الدجاج المستوردة من دولة محظور الاستيراد منها، رغم صدور قرار في نهاية العام الماضي بمنع استيراد الدجاج من أوكرانيا لظهور مرض فيروسي، بحسب تحذيرات منظمة الصحة العالمية. وأصرّ الكتاب الموقع باسم رئيس الاتحاد فارس حمودة، على أن كميات من الدجاج المستورد من أوكرانيا دخلت البلاد خلال مدة حظر الاستيراد، وهي بضاعة تم تخزينها في ميناء العقبة لإعادة التصدير، لكن تم إخراجها للأسواق المحلية.
وعلى الرغم من تواريخ الكتاب التي تعود لشهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن النائب الأسبق في البرلمان الأردني وعضو الاتحاد صلاح صبرة، أكد في صفحته على موقع «فيسبوك»، دقة المعلومات الواردة في الكتاب الذي تسلم مكتب رئيس الوزراء عمر الرزاز نسخة منه بعد اجتماع مع الاتحاد في وقت سابق.
وفور تداول الكتاب على نطاق واسع، نشرت وزارة الزراعة عبر المنصّة الحكومية «حقّك تعرف» بياناً نفت فيه المعلومات المتداولة، بخصوص استيراد دواجن من أوكرانيا خلال فترة تعليق الاستيراد، مؤكّدة أن هذه المعلومات «عارية عن الصحّة ومنافية للواقع». وشددت وزارة الزراعة في بيانها على أنه رغم إعلان أوكرانيا دولة خالية، منذ ذلك التاريخ 4 مارس (آذار) 2020 بحسب موقع المنظمة العالمية للصحة، لم تقم الوزارة برفع تعليق الاستيراد حتى تاريخه، كحرص إضافي للتأكد من خلو أوكرانيا من المرض. وذلك على الرغم من أن قرار تعليق الاستيراد ليس إجبارياً، بحسب البيان.
وأكدت الوزارة أن آخر كمية تم استيرادها من لحوم الدواجن المجمدة من أوكرانيا، كانت قبل تاريخ تسجيل الإصابة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019. وتم تخزينها بطريقة الإدخال المؤقت في المناطق الحرة، كون هذه اللحوم مذبوحة ومجهزة قبل أكثر من 45 يوماً من تاريخ الوصول إلى الأردن وقبل شهرين من تسجيل الحالة. وأكدت وزارة الزراعة أنه تم لاحقاً السماح بخروج بعض كميات الدجاج المستورد من أوكرانيا من المناطق الحرة (مناطق التخزين) إلى المصانع، كونها مذبوحة ومجهزة قبل تسجيل الإصابة بأوكرانيا، وهي مجازة من المؤسسة العامة للغذاء والدواء.
وفور صدور بيان وزارة الزراعة، أعلن الوزير بالوكالة صالح الخرابشة، أنه طلب من رئيس مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، التحقيق في كتاب متداول يفيد بسماح الوزارة باستيراد كميات من لحوم الدواجن وبودرة البيض من أوكرانيا أثناء فترة الحظر. كما طلب الوزير «بإجراء المقتضى القانوني بشأن ما نسب إلى الوزارة من زعم علمها وسماحها باستيراد مواد أثناء الحظر».
وشدد الوزير على أنه «بالرجوع إلى قيود وزارة الزراعة، تبين عدم صحة ما تضمنه الكتاب المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي المتضمن السماح باستيراد كميات من لحوم الدواجن وبودرة البيض من دولة أوكرانيا».
وفِي تطور لاحق، قرّر رئيس الوزراء عمر الرزّاز، الاثنين، تشكيل فريق برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي محيي الدين توق؛ للوقوف على حيثيات حادثة التسمم في لواء عين الباشا، وما تبعها من قضايا كصلاحية المواد الغذائية في المستودعات، وعمليات التخزين وغيرها. ويضمّ الفريق إلى جانب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وزير المياه والريّ، ووزير العدل، ورئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا، ونائب رئيس الجمعية العلمية الملكية.
وأوعز رئيس الوزراء، للفريق، بحسب بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، باستخدام جميع الصلاحيات المتاحة وفق أحكام التشريعات، والاستعانة بما يلزم من مؤسسات وأشخاص من أجل تحديد المسؤوليات، وبيان أوجه الخلل والتقصير، في حال وُجدت، لمعالجتها، ومحاسبة المتسببين بها، من القطاعين العام والخاص، وفق أحكام القانون. وحدّد الرئيس الرزاز مهلة أسبوعين للفريق لإنجاز المهام المنوطة به.
وكانت تحقيقات واسعة في حادثة تسمم غذائي جماعي، تسببت بإدخال مئات المواطنين للمستشفيات في المملكة الأردنية، كشفت عن قضية فساد أطعمة لمورد رئيسي لأصناف من اللحوم، ومستلزمات غذائية لمطاعم في منطقة البقعة من محافظة البلقاء، شمال غربي العاصمة. حيث أوقفت السلطات الأردنية 74 منشأة غذائية أردنية في طور التحقيق معها، وأغلقت 23 أخرى بالشمع الأحمر، قبل تحويل أصحابها إلى النيابة العامة، وتم توجيه 300 إنذار، وتشكيل خلية أزمة لمتابعة القضية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.