لبنان يتخبط بين إقفال... وإقفال

نتيجة عدم التشدّد بالإجراءات وغياب الخطط

نقابة الممرضات والممرضين نعت شهيدة الواجب المهني زينب حيدر (الوكالة الوطنية)
نقابة الممرضات والممرضين نعت شهيدة الواجب المهني زينب حيدر (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان يتخبط بين إقفال... وإقفال

نقابة الممرضات والممرضين نعت شهيدة الواجب المهني زينب حيدر (الوكالة الوطنية)
نقابة الممرضات والممرضين نعت شهيدة الواجب المهني زينب حيدر (الوكالة الوطنية)

فيما يستعد اللبنانيون للعودة إلى أعمالهم اليوم (الثلاثاء) مع إعادة فتح البلد ليومين فقط بين إقفالين يمتد كلّ منها لمدة خمسة أيام، أوصت اللجنة العلمية لمتابعة إجراءات «كورونا» بإقفال عام لمدة 15 يوماً، وذلك من أجل تحقيق هدفين هما: تخفيف الضغط على القطاع الصحي والاستشفائي من جهة وتقليل عدد الإصابات وحماية المجتمع من جهة أخرى.
وأكّد عضو اللجنة الدكتور عبد الرحمن البزري لـ«الشرق الأوسط» أنّ التوصية بالإقفال «نابعة من عوامل أساسية منها ارتفاع عدد الإصابات خلال الأسبوعين الماضيين والذي يعدّ مؤشرا حتى لو ترافق الأمر مع ارتفاع عدد فحوصات البي سي آر».
ومن العوامل الأخرى التي تحدث عنها البزري، وهو عضو اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية، ظهور نتائج فحوصات «ليست بالجودة المطلوبة، وهذا يعود إلى سببين إما غياب الرقابة وإما الضعط»، مضيفا: «في الحالتين نحن بحاجة إلى التخفيف عن المختبرات وإراحتها».
وفي الإطار، نفسه أشار البزري إلى عامل أساسي يجعل التوجه إلى الإقفال التام مطلبا ملحا حاليا وهو «ارتفاع عدد الإصابات في القطاع الصحي، فضلا عن وفاة طبيب وممرضة، وهذا يعني أننا نخسر جهود هؤلاء، وبالتالي زيادة الضغط النفسي والجسدي على العاملين في هذا القطاع».
وكان مستشفى رفيق الحريري الجامعي نعى أمس في بيان الممرضة زينب حيدر التي ذهبت ضحية وباء «كورونا». وذكر البيان أن حيدر «ممرضة كانت تعمل في مستشفى الزهراء، ونقلت إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي لتلقي العلاج بعد إصابتها بـ(كورونا)».
ورغم التوصية بالإقفال لفت البزري إلى أنّ الإقفال «خطوة مؤقتة» أما الخطوة الأساسية فتكمن في «تثقيف الناس وإقناعهم أن جائحة (كورونا) باقية معنا أقله لعام إضافي، فلا بدّ من إيجاد معايير جديدة لنستكمل الحياة»، لافتا إلى أنّه في العادة «تضع وزارة الصحة هذه المعايير الصحية من خلال القرائن العلمية، وتكون هناك ذراع تنفيذية ممثلة بمختلف الوزارات، فضلا عن الهيئات المجتمعية». واعتبر البزري أنّ «فكرة الإقفال لمدة خمسة أيام ومن ثم العودة إلى فتح البلد أثارت ارتباك الناس ولم تكن صائبة، فبالإضافة إلى عدم الالتزام في بعض المناطق من المتوقع أن نشهد غدا ازدحاما لأنّ الناس ستخرج لتعوض أيام الإقفال الخمسة السابقة وللتحضر للإقفال الثاني».
وفي هذا السياق، لفت البزري إلى أنّه «صحيح يجب أخذ الاقتصاد بعين الاعتبار، ولكن الإقفال المتقطع والذي يفتقر إلى إجراءات صارمة لا يخدم لا الاقتصاد ولا مكافحة (كورونا)، بل على العكس سيقودنا من إقفال إلى إقفال من دون أي نتائج ملموسة على خط مكافحة (كورونا)».
وليس بعيدا من ذلك، رأى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أنّ «الإقفال المتقطع ليس له أي قيمة صحية أو مبرّر علمي، فالإقفال يجب أن يرتبط بفترة حضانة الفيروس أي 14 يوما»، مؤكدا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ «الإقفال حاليا حتى ولو كان تاما لم يعد نافعا وحده» فالمطلوب وبشكل ملح التشدّد بالإجراءات والتدابير الوقائية بالتزامن مع الإقفال، فلا فائدة من الإقفال والناس يختلطون ولا يلتزمون حتى بارتداء الكمامة ويقيمون المناسبات والاحتفالات».
ويُشار إلى أنّه تمّ أمس محاسبة أول مغترب خالف إجراءات الحجر، إذ سُطر بحقه محضر ضبط في بلدة الخرايب الجنوبية «بعدما تجول واحتك بالناس ولم يمض على عودته من الخارج 24 ساعة».
وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أعلنت عبر «تويتر» أنه «تم تسطير 555 محضر ضبط بتاريخي 31 يوليو (تموز) والأول من أغسطس (آب)، يُضاف إليها 275 محضراً سُطّرت بتاريخ التاسع والعشرين من شهر يوليو نتيجة مخالفة قرار وزير الداخلية والبلديات لجهة إجراءات «كورونا» موزعة على كافة المناطق.
وفي حين أشار عراجي إلى أنّ وزارة الصحة ستجري «تقييمين، منهما واحد تمّ أمس والآخر الاثنين المقبل وعلى أساسه تتخذ القرارات اللازمة» حذّر من كارثة «تهدد الاقتصاد والقطاع الصحي في آن في حال لم يلتزم المواطنون بإجراءات الوقاية»، لافتا إلى أنّ لبنان سجّل خلال الشهر الماضي «نصف عدد الإصابات التي سجلها بين فبراير (شباط) الماضي وحتى يونيو (حزيران) وهذا أمر مقلق».
ولفت عراجي أنّه حتى اللحظة هناك ما يقارب من 40 مريضا بـ«كورونا» يشغلون غرف العناية المركزة في مختلف مستشفيات لبنان، معتبرا أنّ الأمور قد «تنزلق بأي لحظة مع استمرار التفلت ولا سيما أنّ الزيادة الأكبر كانت خلال الشهر الماضي».
وفي الإطار نفسه أكّد مصدر في مستشفى رفيق الحريري أنّ «هناك 18 سريرا من أصل 25 للعناية المركزة مشغولة منذ 10 أيام وأنّ هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها عدد الأسرة المشغولة إلى هذا العدد».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.