«المقهى».. عمل عراقي يعري ثقافة الخوف السائدة منذ السبعينات

مسرحيون شباب يكشفون المسكوت عنه

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

«المقهى».. عمل عراقي يعري ثقافة الخوف السائدة منذ السبعينات

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

على غير عادتها، اكتظت مدرجات أحد المسارح الجديدة في العاصمة العراقية بغداد بجمهور كبير، معظمه من طلبة وخريجي المعاهد والأكاديميات الفنية، للاحتفاء بأصدقائهم وهم يخوضون تجربة عرضهم المسرحي الجديد «المقهى»، والذي سلط الضوء بجرأة كبيرة على الظروف الصعبة والحروب والأزمات التي مرت بها البلاد وأثرها في إثارة نزعة التنصل والضياع في نفوس الشباب خصوصا، بدءا من مرحلة تأسيس الحكومة العراقية، وحتى تغيير النظام عام 2003 والسنوات التي تلته.
يأتي العرض في وقت اتسعت فيه شكاوى فنانين ومثقفين من قلة عدد المسارح في بغداد، بعد أن تحول معظمها إلى مخازن للبضائع التجارية، أو أغلقت أبوابها من دون وعود بإعادة افتتاحها، وبقيت وحدها صالة المسرح الوطني في بغداد تستقبل عروضا ومهرجانات ونشاطات رسمية وأهلية معا لسنوات طويلة، حتى جرى افتتاح صالة مسرح الرافدين بجوار المسرح الوطني ليكون ميدانا جديدا لعروض مسرحية طال انتظارها.
تدور أحداث العمل (المقهى)، وهو من إنتاج وزارة الثقافة العراقية - مديرية المسارح الفرقة الوطنية للتمثيل، كتابة وإخراج الفنان الشاب تحرير الأسدي، حول موضوع الأثقال التي تلقى على كاهل شباب الحروب والحصارات والحكم المتسلط وسنوات القتل على الهوية، وما قابلها من شيوع ظاهرة التنصل والانكفاء على الواقع من دون محاولة للتصدي والخروج من المأزق، وذلك ضمن معالجة درامية متصاعدة تدور أحداثها في مقهى، واستطاع فيها أبطال العرض إضاءة مساحة واسعة من المسكوت عنه وما أغفلته أزمنة الصخب والصراعات.
«المقهى» استطاع بفريقه المكون من الفنانين الشباب (مرتضى حبيب وياس خضير ومحمد بدر ووسام عدنان وحسين وهام وتحرير الأسدي) أن يسلط الضوء على أفكار وأحلام الشباب العراقي وأزماته. إنه عرض استطاع أن يعيد الحياة لشباب المسرح، ودورهم في إحياء أمجاده، كما قال الفنان العراقي عبد الجبار الشرقاوي لـ«الشرق الأوسط» بعد مشاهدته العمل، ويضيف «ما قدمه الشاب اليوم يجعلنا نشعر بالطمأنينة لمستقبل المسرح العراقي ومكانته، خاصة في المهرجانات العربية والعالمية، كونه صياد الجوائز كما هو معروف للجميع. أبطال العمل يمتازون بمخيلة واسعة، وقد جسدوا بنجاح أوجاع وهموم الوطن، وامتاز العرض أيضا بالأناقة والترتيب في معالجته الفنية، وحمل الكثير من الرسائل المهمة التي أعتقد أنها وصلت».
أما المسرحي والأكاديمي صلاح القصب فيقول «المسرحية أهم ما شاهدته منذ فترة، وهي أشبه بأعمال كبار التشكيلين الذين يؤلفون من بريق اللون والحركة والكتلة إنشاء بصريا كبيرا. هذا الإنشاء رسمه المصمم التشكيلي السينوغرافي علي السوداني، الذي تعامل مع فضاءات العمل كمخرج بصري سينمائي كبير. أدهشني العمل وكان أشبه بضوء لبروق مضيئة».
ويعتبر الفنان مرتضى حبيب، الذي جسد دور الصحافي المشاكس الذي يتعرض للاعتقال بسبب كتاباته المستفزة لتسلط الحكام، ولازمت شخصيته سحبه لجاكيت سترته كل لحظة، العمل «صرخة مدوية ضد الطغاة، وقد حاولنا هنا فتح ملفات صعبة من حياة العراقيين، منذ عقد السبعينات وحتى اليوم، وما رافقها من مآس وحروب وصراعات».
وحول لازمته، سحب طرف سترته، يقول «وظيفة الفنان أن يقتنص لحظات من الواقع ويحولها لصور جمالية بالمسرح، وهي لازمة حقيقية لأحد الصحافيين من أصدقائنا». وهو يبرر غياب العنصر النسوي في المسرحية بقوله «نعاني كثيرا في إيجاد العنصر النسوي المناسب للعمل المسرحي، لذلك صار العمل رجاليا بحتا وذلك له أثر سيئ طبعا، لكننا حاولنا العمل بالممكن، والحمد لله استطعنا النجاح وتلقينا على أثر العرض دعوة من الهيئة العربية للمهرجان المسرح في مدينة الرباط الذي سيقام من يوم 10 يناير (كانون الثاني) المقبل وحتى 16 منه، وذلك عن قائمة العروض المسرحية العربية التسعة المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي».
أما مخرج العمل، الفنان تحرير الأسدي، فاكتفى بالنص الذي سجله في فولدر العمل «التاريخ علمنا أشياء عدة، منها أن الزمن وحش قاتل يسير ببطء فوق أشلائنا، ومنها أيضا أننا ما زلنا صامتين على هذا الموت.. فهل سنبقى هكذا أبدا؟». ويهدي عمله إلى «أنصاف المجرمين الذين ما زالوا يقتلون بصمتهم».



«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً
TT

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

صدر في الشارقة عن الدائرة الثقافية كتاب نقدي جديد للروائي والناقد السوري نبيل سليمان، هو «قلق السرد»، وبذلك يبلغ عدد مؤلفات نبيل سليمان الروائية والنقدية ستين كتاباً. وفي مقدمة الكتاب الجديد نقرأ:

«يتعلق قلق السرد بالشكل، وليس فقط بالمحتوى أو المضمون. والرواية - إذن – قد تورثنا القلق بفعل وفضل الشكل، وليس فقط بمادتها الحكائية أو أحداثها أو حمولتها من الأزمات والأحوال النفسية أو من التاريخ. وهنا يتوحد الحديث عن قلق السرد بتوتره، ومن تجلياته: الجمل القصيرة، الإيقاع اللاهث، علامات الاعتراض والمقاطعة. ولا ننس انثيال السرد في هيئة سبيكة لغوية، تخلو من علامات الترقيم، وتتكسّر فيها أية علامات أو مؤشرات أو حواجز تنظم السرد. ومن الأمثلة البديعة لذلك في غُرر الحداثة الروائية الرائدة أذكّر برواية (نجمة أغسطس – 1974) لصنع الله إبراهيم، ورواية (ألف ليلة وليلتان – 1977) لهاني الراهب (1939 – 2000).

يثير العجائبي والغرائبي والخارق، يثير الفانتاستيك من قلق السرد ما يثير. وقد يورث ذلك قلقاً في البناء الروائي، فهل مثل هذا القلق مذمّة بالضرورة؟ وماذا أيضاً عن القلق اللغوي الذي يعانق تعدد اللغات الروائية: هل هو ضرورة أو مذمّة؟».

يحاول هذا الكتاب تشغيل الأسئلة والأفكار السابقة في قراءة مائة وست وأربعين رواية، فيبدأ باستكشاف ما في الجغرافيا الروائية من مولّدات القلق السردي، بعامة، قبل أن يخصص القول في روايات توزعت فضاءاتها وتشظت وتفاعلت من العراق والهند والصين إلى بيروت. ولئن كان ذلك يميل بالقول إلى المحمول السردي، فلعل الفصل التالي يميل، على العكس، بالقول إلى الشكل؛ إذ يتقرى فعل الموسيقى والنحت، فعل الفنون في السرد الروائي. وهذا ما سيتعمق ويتواصل في الفصلين التاليين. ففي فصل «في الفن الروائي»، يمضي تقصّي قلق السرد إلى ما للصوفية في الرواية، وإلى الكتابة المشتركة للرواية، فإلى ما بين الشعر والرواية، فإلى شكل النوفيللا. وفي الفصل الذي يلي يتحدد القول بما بين السيرة والرواية من استبطانٍ لقلق التجنّس بهما، وهذا من قلق السرد في الصميم.

من الكتاب:

«لأن لقلق الهوية الفلسطينية شأناً خاصاً، أفردتُ له فصلاً خاصاً لتجلياته في قلق السرد الروائي الفلسطيني. وبذا، بقي لأهجاس مجتمعاتنا المعاصرة فصل أخير، يتعدد في تعبيراته الروائية قلق السرد بين العبودية والضحك والهزيمة والمياه والمرأة المشبوحة بين عالمين والمفصل الزمني الحاد المتمثل في رأس السنة، كل سنة.

ولعل من المهم أن أشير إلى أن تحديد روايات بعينها لكل فصل، لا يعني أنْ ليس فيها ما يخاطب فصلاً آخر. فهذه رواية (يصحو الحرير) مثلاً تنادي الفصل الأول بفضائها المترامي بين مدن الجزائر ووهران وبشار وندرومة وإستانبول والشام (دمشق) وإسكندرون. لكن شخصية الفنانة التشكيلية حروف الزين، وهي الشخصية المحورية، مالت بالرواية إلى فصل (في الفن الروائي). ومثلها رواية (تصحيح وضع) التي يترامى فضاؤها بين ديترويت والرياض والدمام وأبوظبي ودبي وعدن. فقد مال ما في الرواية من أهجاس المجتمعات... إلى الفصل الأخير (أهجاس المجتمعات الروائية). وكذا الأمر في روايات (ملك اللصوص) و(كتيبة سوداء) و(فاكهة للغربان) حيث رجحت كفّة التاريخ على كفّة الجغرافيا، إن صح التعبير. أما روايتا (سماء القدس السابعة) و(قناع بلون السماء) فما لهما من الامتياز الفني ينادي فصل (في الفن الروائي)، وإن كان قلق الهوية الفلسطينية فيهما قد رجح كفّة فصل (فلسطين روائياً)».